عرض مشاركة مفردة
  #3  
قديم 13-02-2004, 04:13 PM
alkasm alkasm غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2004
المشاركات: 20
إفتراضي أُطروحات في موضوع إقامة الدولة الإسلامية مخالفة للطريقة الشرعية

.

القول بأن سيرة الرسول  غير محققة :

ومعنى ذلك أننا غير ملزمين بنصوص ليست موثقة . وبالتالي فإننا غير مطالبين بالعمل بها . ويعتبرون أن ذلك حجة لهم ( وليس حجة عليهم ) في القعود عن التأسي بفعل الرسول  في مكة حين العمل لإقامة الخلافة .
وللإجابة على هذا القول نقول بأن السيرة هي أخبار وحوادث تحتاج إلى تحقيق وتوثيق . وبما أنها متعلقة بأفعال الرسول  فهي جانب من الوحي . وعليه يجب أن يهتم المسلمون بسيرة المصطفى اهتمامهم بالكتاب والسنة . فسيرته في مكة هي أعماله التي قام بها . وأدى قيامه بها إلى إقامة دار الإسلام في المدينة . وإهمالها يورث القادرين على تحقيقها إثم عدم التحقيق، ويورث المسلمين إثم عدم حث القادرين على تحقيقها .
ومن غريب الأمر أن الذين يطرحون هذا الطرح هم ممن يهتمون عادة بتخريج الأحاديث وتحقيقها . يطرحونه وكأنهم مُعفَوْن من العمل لإقامة الدين، يطرحونه ويكتفون بأنهم سجلوا نقطة مهمة وفاصلة .
أَنسيَ هؤلاء المسلمون أنهم مأمورون كأي مسلم آخر بالعمل لإقامة الدولة الإسلامية، وهذا يوجب عليهم البحث والتقصي والتحقيق . إنهم إذا دعاهم الواقع لتخريج أحاديث نبوية في أمور شرعية، جزئية، وهو جهد يشكرون عليه، بذلوا الجهود وقضوا الأوقات الطويلة في ذلك . فكيف بهم، وكم عليهم أن ينفقوا من الجهود والأوقات متى علموا أن الأمر متعلق بإقامة الدين ؟ .
إن كتب السيرة لم تصل إلى الحد الذي تهمل فيه أخبارها كما لم تصل إلى الحد الذي تؤخذ فيه كل مروياتها .
إن الكتابة التاريخية التي عمل كتَّاب السيرة في مجالها لم يعتمد فيها ما اعتمد في طرائق المحدثين من شدة في التدقيق، وفي التثبت من عدالة الرواة والنقلة، ومن صحة ما ينقل، ومن مبالغة في الإيجاز، وتحرج في النقل .
مما جعل علماء الحديث أو المهتمين بالتحقيق ينظرون إلى كتّاب السيرة وكأنهم متساهلون . والحق أن علم الحديث يتطلب ما حققه المحدثون وعلماء الحديث في أنفسهم وفي نقلهم .
وإن علم السيرة يتطلب في جانب منه هذا، وهو الجانب المتعلق بسيرة الرسول  وصحابته . أما الجانب الآخر الذي لا يتعلق بالرسول  وصحابته فليس التساهل به مما يغمز في هذا العلم . فالحوادث كثيرة والأيام تمر بسرعة فلا يستطيع كاتب السيرة أو التاريخ الإحاطة بكل الحوادث ان هو أراد أن يعتمد طريقة المحدثين . من هنا كانت سيرة الرسول  من أهم ما يجب على المسلمين العناية به لأنها تحوي أخبار الرسول  من أقواله وأفعاله وسكوته وصفاته . وهذه كلها تشريع كالقرآن . فالسيرة النبوية هي مادة من مواد التشريع لذلك تعتبر جزءاً من الحديث . وما صح فيها عن النبي  يعتبر دليلاً شرعياً لأنه من السنة . هذا فضلاً عن أن الاقتداء بالرسول  أمر به القرآن، قال تعالى : لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة  فالعناية بالسيرة وتتبعها أمر شرعي .
وقد كانت طريقة الأوائل في نقل السيرة تعتمد على رواية الأخبار . وقد بدأ المؤرخون شفوياً، وبدأ الجيل الأول الذي شاهد أعمال الرسول  أو سمع عنها ورواها يرويها لغيره . وحملها عنه الجيل الذي بعده، ودوّن بعضهم منها أحاديث متفرقة كالتي تُرى في كتب الحديث حتى الآن . حتى إذا جاء القرن الثاني رأينا بعض العلماء يبدأون في جمع أخبار السيرة وضم بعضها إلى بعض وتدوين ذلك بطريقة الرواية بذكر اسم الراوي ومن روى عنه تماماً كما يفعل في الحديث . ولذلك يستطيع علماء الحديث ونقاده أن يعرفوا أخبار السيرة الصحيحة المقبولة من الضعيفة المردودة بمعرفتهم الرواة والسند . وهذا هو المعتمد عند الاستشهاد بالسيرة إذا كان صحيحاً . فالمسألة ليست إنشاء علم جديد، وإنما تقضي الدقة وتوخي الصواب من قول الرسول  وفعله . على أنه يوجد مَن حقق السيرة من بعض المهتمين . والجماعة أو الحزب الذي يقوم بالتأسي بالرسول  في إقامة الدين لا بد من أن يتحقق من النصوص التي يعتمد عليها كأدلة لعمله.
كذلك فإن كتب السيرة على اختلافها تُجمع كما تجمع كتب الحديث وكما يرشد القرآن الكريم على مراحل سير الدعوة وأعمالها . فقد بيّن القرآن الكريم كثيراً من تفاصيلها بالشكل الذي يكفي لأن يلقي الضوء الساطع على صحة المنقول منها . فقد جاء في القرآن الكريم ما يبين كثيراً في تحديد المطلوب وبشكل دقيق .
فمثلاً تعرض الرسول  لمهاجمة العقائد الفاسدة فتعرض للأصنام والدهرية واليهودية والمجوسية والصابئين، وقد دل القرآن على ذلك في كثير من آياته الشريفة .. وهاجم الرسول  العادات والأعراف حيث هاجم الوأد والوصيلة والحام والأزلام، وتعرض للحكام وتناولهم بالاسم وبالأوصاف وكشف مؤامراتهم على الدعوة . والجماعة تلتزم بهذا كله . والتزامها به يكون التزاماً بأصل العمل وبالمعنى العام منه . وليس بتفصيلاته ولا وسائله ولا أشكاله . فتتعرض للأفكار الخاطئة والمفاهيم المغلوطة وتهاجم الأعراف والعادات المنحرفة عن الإسلام في واقعها، وتتعرض للحكام وتكشف مؤامراتهم وتبين أفكار الإسلام وأحكامه وتدعو الأمة إلى تبنيها والعمل معها لإقامتها في حياتهم .
والرسول  واجه وهو أعزل من غير محاباة ولا مسايرة ومن غير قبول لأنصاف الحلول، ورفض كل عروضات الترغيب والترهيب وصبر ولم يحد عن أمر ربه . والقرآن قد حدثنا عن هذا فيكون هذا إرشاداً للجماعة أثناء سيرها .
بل ان نزول قوله تعالى على الرسول  :  فاصدع بما تؤمر ...  فيه دلالة على أنه قبل نزول هذه الآية لم يكن صَدْعٌ بل سِرّية واستخفاء وهي مرحلة ما قبل الصدع .
وقوله تعالى :  ولتنذر أم القرى ومن حولها  أمر بالدعوة خارج مكة . وذكر القرآن للمهاجرين والأنصار دليل على وجود الهجرة والنصرة .
وبذلك يكون القرآن هو المرشد الأول . وكتب الحديث زاخرة بأخبار المسلمين في العهد المكي . والبخاري مثلاً قد ذكر تحت باب " ما لقي النبي  وأصحابه من المشركين بمكة " فذكر حديث خبّاب بن الأَرَتّ عندما جاء يطلب من الرسول  الدعاء للمسلمين بالنصر، وذكر كذلك دعاء الرسول  على الملأ من قريش، وذكر كذلك أشد ما لاقى الرسول  من قومه حين صعد إلى الطائف . وكذا في باقي كتب الحديث . ولذلك فإننا لسنا أمام أمر مطلوب منا فعله ولا نملك نصوصه .
والجدير بالذكر هنا أن كُتّاب السيرة هم أئمة موثقون عدول ومشهود لهم .
- فابن إسحاق ( 85 هـ – 152 هـ ) وله " المغازي" قال عنه الزهري : " من أراد المغازي فعليه بابن اسحق " . وقال فيه الشافعي: " من أراد أن يتبحر في المغازي فهو عيال على ابن اسحاق " . وذكره البخاري في تاريخه .
- وابن سعد وله " الطبقات " . ( 168هـ – 230هـ ) قال عنه الخطيب البغدادي : " محمد بن سعد عندنا من أهل العدالة وحديثه يدل على صدقه فإنه يتحرى في كثير من رواياته " . وقال عنه ابن خِلِّكان : " كان صدوقاً ثقة " . وقال عنه ابن حَجَر : " أحد الحفاظ الكبار الثقات المتحررين " .
- والطبري ( 224هـ – 310 هـ ) وله " تاريخ الرسل والملوك " اتبع فيه طريقة الإسناد . وقال عنه الخطيب البغدادي : " كان عالماً بالسنن وطرقها وصحيحها وسقيمها، عارفاً بأيام الناس وأخبارهم " . وكان لغلبة الحديث عليه أن وضع كتابه في التاريخ على طريقة المحدثين . وله كتاب في الحديث يسمى " تهذيب الآثار وتفصيل الثابت عن رسول الله  من الأخبار " حيث قال عنه ابن عساكر : انه من عجائب كتبه وتكلم فيه بكل ما يصح عن حديث رسول الله  .
وكذلك فإن ابن كثير والذهبي يعتبران ممن لهم باع طويل في الحديث .

القول بأن حمل السلاح في وجه حكام اليوم هو طريقة التغيير الواجبة الاتباع :

ويستدلون بحديث أشرار الأئمة الذين طلب الرسول  منابذتهم بالسيف إن لم يقيموا حكم الله .
وللإجابة على هذا الفهم الذي نجلُّ أصحابه وان خالفناهم الرأي، نقول : ان التحقق من مناط الحديث أي الواقع الذي ينزل عليه ليعالجه يكشف لنا فقهه الصحيح . فالحديث يتناول الحاكم الإمام، في دار الإسلام، الذي بويع مبايعة شرعية . فكان إماماً بمبايعة المسلمين له . وكانت الدار التي يحكمها هذا الإمام هي دار إسلام، أي تحكم بالإسلام وأمانها بأمان المسلمين . والمسلمون في هذه الحالة مأمورون بطاعته فإن حدث وفرّط هذا الحاكم بما أنزل الله، وأخذ يحكم علناً بأحكام الكفر، ولو بحكم واحدٍ، من غير أن يكون معه حتى ولا شبهة دليل فإن المسلمين مأمورون بمنابذته بالسيف على ذلك . وتأمل معنى الحديث، موضوعنا، يتبين لك ذلك . فعن عوف بن مالك الأشجعي قال : سمعت رسول الله  يقول : " خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم وتصلون عليهم ويصلون عليكم، وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم " . قيل يا رسول الله : أفلا ننابذهم بالسيف عند ذلك ؟ قال : " لا، ما أقاموا فيكم الصلاة " [ رواه مسلم ] ، والمراد بإقامة الصلاة أي تطبيق أحكام الشرع من باب تسمية الكل باسم الجزء .
أما حاكم دار الكفر فواقعه يختلف تماماً : فهو ليس إماماً للمسلمين وإن كان حاكمهم، وليس منصَّباً عليهم تنصيباً شرعياً، كما هو مطلوب شرعاً، ولم يتعهد أصلاً بإقامة أحكام الإسلام في حياتهم وإن كان فرضاً عليه .
كذلك فإننا إذا نظرنا إلى واقعنا فإننا سنجد أنه لا يكفي حمل السلاح في عملية التغيير . وان المسألة تتعدى تغيير الحاكم إلى الحكم بالإسلام، فمن سيقوم بأعبائه . إنه يحتاج إلى رجال دولة وإلى وسط سياسي إسلامي . وإنّ أمرَ الحكم بالإسلام ليس من السهولة بحيث يستطيعه قائد عسكري مهما أوتي من كفاءة عسكرية أو من إخلاص للإسلام، إنه يحتاج إلى خبرة ودراية ومتابعة وإلى فهم شرعي مميز . وطريق الرسول  يؤمّن كل ذلك :
- انه يؤمن القائد المسلم السياسي الفذ الذي يملك خبرة السنوات الطويلة التي قضاها في حمل الدعوة قبل إقامة الدول الإسلامية، يعلم أحابيل الدول الكافرة ودجلها ودهاءها فلا تخدعه، ويستطيع أن يحمي الدولة وينتقل بها إلى الدور الذي يليق بها بين دول العالم : دولة هادية مهدية وخلافة راشدة على منهاج النبوة .
- ويؤمّن الشباب المؤمن الذي حمل أعباء الدعوة قبل قيام الدولة، حيث سيشكلون مع غيرهم من المسلمين المهتمين بأمور الدعوة الوسط السياسي الإسلامي وسيكون منهم الولاة وأمير الجهاد والسفراء وحملة الدعوة للناس في الدول الأخرى .
- ويؤمّن القاعدة الشعبية التي تحتضن الإسلام ودولته وتحميهما .
- ويؤمن أهل القوة المدربين والذين ستزيد قوتهم بوقوف الناس معهم وليس في وجههم، خاصة حين يعلمون أن الحاكم وجهاز الحكم معه والقوة التي يستند إليها هي قوة لهم يقومون بما فرضه الله عليهم من تطبيق للإسلام وإعزاز للدين .
ثم إن العمل المسلح يحتاج إلى مال وسلاح وتدريب وهذا يرهق قدرة الحركة، فيغريها باللجوء إلى الغير، وهذا هو أول سبيل السقوط . وقد جرب المسلمون هذه الطريق فكانت وبالاً عليهم . مع ما في كلمة ( جرَّبَ ) من مغالطة .
واننا حين نشير إلى أن حمل السلاح ليس هو الطريقة الشرعية في التغيير فذلك ليس ضناً بهؤلاء الحكام الظلمة الذين لم يرعَوْا في المسلمين إلاً ولا ذمة . بل ضناً بأخوة لنا في الدين، مخلصين نحب أن تتوحد جهودهم في العمل الشرعي المطلوب . ونذكرهم بمنع الرسول  لأصحابه في مكة من استعمال السلاح بناء على طلبهم وقوله لهم : " لقد أمِرتُ بالعفو، فلا تقاتِلوا القوم " [ سيرة ابن هشام ] ، ونزول قوله تعالى :  ألم ترَ إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة فلما كتب عليهم القتال …  الآية .
وهكذا تتضافر الأدلة الشرعية لتؤيد سلوك طريقة الرسول  في الدعوة . وأية إضافة أو حذف أو تغيير أو تبديل أو تحوير سيظهر أثرها السيئ على الدعوة وعلى الجماعة وعلى الأمة الإسلامية . ومن هنا حرصنا على أهمية القراءة الجيدة للشرع ولطريقة الرسول  من أجل الوصول إلى حسن التأسي، وعلى الله قصد السبيل