[الاشجعي]

بقلم الكاتب الكبير ... خالد الغنامي

المرور بكتاب "الإجابة لإيراد ما استدركته عائشة على الصحابة" يدل على أن عائشة بنت أبي بكر الصديق هي بحق، من أوائل المهتمات بحقوق المرأة في الإسلام. كان دليلها في ذلك عقلها الراجح ومعرفتها بقواطع الإسلام وكلياته, وكان الصحابة يقرّون بعلمها وعقلها، لم يكونوا يقمعونها ولا يسكتونها، بل كانت حرية الكلمة أرفع سقفاً مما هي عليه اليوم. كانت عائشة ترفض وتضعف ما ينسب للرسول من أحاديث مخالفة لعلمها، مع احتمال أن يكون الرجال سمعوا منه ما لم تسمع. وكانت ترفض التمييز ضد المرأة في كثير من صوره. وترفض تلك النظرة العنصرية التي تعشش في رأس العربي والتي لا تحمل للمرأة إلا الاستقذار والاحتقار والشك، وتطالب باحترام قيمة المرأة كإنسانة. يدل على ذلك ما رواه البخاري ومسلم من حديث مسروق أنه ذكر عندها ما يقطع الصلاة، الكلب والحمار والمرأة. فقالت: والله لقد رأيت النبي عليه الصلاة والسلام يصلي وإني على السرير بينه وبين القبلة مضطجعة. وفي رواية قالت: جعلتمونا كلاباً. فهذا الاعتراض منها هو رفض للإجحاف وإهانة الكرامة الإنسانية، فالمرأة ليست حمقاء بالفطرة ولا قذرة كما يزعم عدوها الوحيد "الرجل".
وقد أخذ البخاري بقولها فلم يخرج الحديث وقال: باب من قال لا يقطع الصلاة شيء. وكذا أيدها الإمام أحمد بن حنبل فضعف الحديث (فتح الباري لابن رجب الحنبلي 2: 701) وأخذ بقولها الأئمة الأربعة وهو مذهب الخلفاء الراشدين وأغلبية الفقهاء. وروى البخاري في صحيحه (1925) أنها ردت على أبي هريرة قوله إن رسول الله كان يأمر الصائم إذا أصبح جنباً أن يفطر. وكانت ترفض ما رواه أبو هريرة عن رسول الله: الشؤم في ثلاثة: في الدار والمرأة والفرس. قالت عائشة: لم يحفظ أبو هريرة. أنه دخل ورسول الله يقول: قاتل الله اليهود يقولون: الشؤم في ثلاثة في الدار والمرأة والفرس فسمع الحديث ولم يسمع أوله. وفي رواية قال: فطارت شقة منها في السماء وشقة في الأرض، مبالغة في التعبير عن الغضب والغيظ والاعتراض على اعتبار المرأة سلعة بيد الرجل كالدار والفرس واعتراضاً على فكرة أن المرأة يمكن أن تكون مخلوقاً مشؤوماً ضاراً بالرجل. يؤيدها في ذلك كله أن نهي الإسلام عن التشاؤم نهي عام لا يقبل التخصيص.
وكانت عائشة بعد وفاة رسول الله تتولى معظم المعاملات القانونية الخاصة بها بغير ولي أو قيم على تصرفاتها من الرجال.
ولما سمعت حديث أبي سعيد الخدري في النهي أن تسافر المرأة إلا مع محرم. التفتت إلى بعض النساء وقالت ما كلهن ذوات محرم. وكانت هي تسافر بلا محرم راكبة وسيلة المواصلات المتوفرة في ذاك الزمان. (الإجابة: ص 119) والظاهر أنها كانت ترى أن الحديث مقيد بحال الخوف على المرأة أن تتعرض للاعتداء والعنف.
ولم تكن عائشة ترى أنه يعيب المرأة أن تتحدث عن بعض الأمور أمام الرجال إذا كان الأمر يتعلق بالتعليم. فقد ردت على الأنصار قولهم إن الغسل لا يجب على الرجل إذا أتى أهله إن لم يصل لدرجة الإنزال. فقالت لهم: إذا جاوز الختان الختان وجب الغسل. وكانت تقول: يا عجباً لابن عمرو يأمر النساء إذا اغتسلن أن ينقضن شعورهن أفلا يأمرهن أن يحلقن رؤوسهن!
لم تكن عائشة مهتمة بحقوق المرأة فقط، بل بحقوق الإنسان حتى وإن كان ابن زنا. بلغها حديث يروى: "ولد الزنى شر الثلاثة " فاعترضت على هذا الحديث وأبطلته بما هو أصح، فقالت: قال الله: (لا تزر وازرة وزر أخرى).
ولاستقرار مفهوم العدل في قلبها وعقلها، استدركت على عمر بن الخطاب رضي الله عنه وصححت له عندما قال: إن الميت يعذب بـبكاء أهله عليه وقالت: يرحم الله عمر, لا والله ما حدث رسول الله أن الله يعذب الميت ببكاء أحد. حسبكم القرآن (لا تزر وازرة وزر أخرى).
ودافعت عائشة عن الأدب والشعر وفلسفة الجمال، فحين سمعت حديث: لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحاً ودماً خير له أن يمتلئ شعراً. صححت للراوي بقولها: إن هذا خاص بشعر هجي به النبي عليه الصلاة والسلام.
وكانت تأمر النساء بالاستقلال والاعتزاز بالذات، فلما سألتها امرأة عن الأخذ من بيت زوجها بغير إذنه، غضبت وقطبت وساءها ما سمعت وقالت: لا تسرقي منه ذهباً ولا فضة ولا تأخذي منه شيئاً.
وكانت تحترم خصوصية الناس وتعرف للمجالس حرمتها وللحرية قداستها فكانت تقول للوعاظ: اجتنب السجع في الدعاء وقص على الناس في كل جمعة مرة. ولا ألقينك تأتي القوم وهم في حديث من حديثهم فتقطع عليهم حديثهم. ولكن اتركهم فإن جرؤوك عليه وأمروك به فحدثهم.
ورفضت عائشة التمييز ضد المرأة فيما يتعلق بأحقيّة المرأة في إدارة الشؤون العامة وبصورة مباشرة، لذا شاركت في الخلاف العسكري الذي وقع بعد مقتل عثمان بن عفان رضي الله عنه وطالبت بالاقتصاص من قتلته وقامت بدور قيادي في تلك الأحداث التي غيرت التاريخ وكان لها مساهمة مؤثرة في الحياة الاجتماعية والسياسية والثقافية. كانت هذه هي عائشة حبيبة رسول الله، إن لم تكن هي أعلم بالإسلام، أفلا يكون خلافها محترماً معتبراً على الأقل؟
=====================
فلماذا نهمش الاصوات التي تطالب بما تفعله عائشه؟؟؟؟