# جبل نابلـس الثالث . . فـــدوى طــوقـــان .
تسأل عنك حجارة البلدة القديمة التي ابتلعتها جرافات الأعداء حين كانت تصرخ من شدة الألم ، تبكي قلماً نقش على وجهها خارطة الوطن ، تذرف دمعاً هو أشبه بحبات اللؤلؤ المنثورة على شاطـئ حيفـا قبل الغروب . افتقدتك الحارة التي اعتادت طرقاتها على المرور من تحت قدميك ، وصبـاحـات الخير تلامس أسماع ساكنيها ، وأناملك الناعمة تربت على رؤوس الصبية الذين يلعبون في أروقتها ، وابتسامتك التي تصافح وجـه " عيبال " كل يوم .
كلهم يعرفونك كباراً وصغاراً ، أنشودة خطتها يداك ، وترنمت عليها مسامع المحبين وعشاق الوطن ، حتى تلك الأشجار التي اجتثت من جذورها حد الموت ، لم تأبه بجراحها حين مـرّت جنازتك بجوارها تواسيها ، وأدركت فجيعة نابلس ، بل فلسطين والعالم العربي ، بفقدان شاعرتها . لم تهدأ أوراقك ، ولم يتوقف قلمك عن الحركة ، كيف لا وهو يختزل قضية شعبك مداداً بين يدين ناعمتين ، ينتظر أوامره منك ليخط رسالة يتوارثها تلاميذ لك جيلاً بعد جيل . وأنت ترقدين في مشفاك ، ومن حولك أقدام الأعداء تدوس شوارع المدينة ، يدخل الجرحى إلى المستشفى ويغادرونه شهداء إلى عليين ، وكأنهم يسلمون عليك قبل الرحيل .
تبقى قصائدك العذبة ترددها ألسنة الأطفال ، وتعزفها حجارتهم ألحاناً للحرية القادمة من بعيد . . كانت المدينة مختلفة هذا اليوم ، كانت هادئة قبل أن يدوّي خبر رحيلك بين شوارعها ، فارتعشت أطرافها برداً ، واهتز جبلاها الشامخان ، تحاول أن تستفيق من واقع تتمنى أن يكون كابوساً مزعجاً ، إلا أن الريح الحزينة ، تأتي خجلى توشوش الأشجار بصحة ما حدث ، فتبكي السماء أمطاراً تغسل وجه المدينة ، لتصحو على الموت الذي سلب منها قلبها النابض باالحياة .
وها هم يودعونك وأنت تسافرين إلى أخيك إبراهيم ، وإلى الشهداء الذين سلموا عليك قبل أن تغادر جراحهم النازفة أرض المستشفى ، لكن ذاكرتهم وكتبهم وأقلامهم لن تودعك ، فهم يحفظونك تاريخاً نقش في قلوبهم ، لا تمحـوه الشهـور والسنـون ، كان كل هذا الحب لك ولا يزال ، من تلاميذ عشقوا معلمتهم ، كان ذلك لأنك ابنـة فلسطين . . ابنـة نابلس وجبلها الثالث العملاق ، لأنك فـــدوى طــوقــان .