عرض مشاركة مفردة
  #9  
قديم 13-04-2004, 03:27 PM
د. جميل القدسي الدويك د. جميل القدسي الدويك غير متصل
عضو جديد
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2002
الإقامة: القدس والمدينة المنورة
المشاركات: 60
إرسال رسالة عبر بريد الياهو إلى د. جميل القدسي الدويك
إفتراضي

الأخت اليمامة
أشكرك شكرا جزيلا على مداخلتك التي اعتبرها بحق عظيمة جدا , فهي تحمل أفكارا واسعة وحقيقة قد تكون مفتاحا لكثير من التفاسير
,وأقول وكأنك قرأت أفكاري , فقد عرضت في كتابي الزيت والزيتون عدة صور للبركة التي خصها الله سبحانه وتعالى بزيت الزيتون , وكان من هذه المعاني البركة الروحية التي اختصها الله سبحانه وتعالى في الأماكن مثل مكة ومثل بيت المقدس إذ قال الله سبحانه وتعالى فيهما " سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ" (1) الإسراء , وكانت هذه الآية في المسجد الأقصى المبارك
إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ ( 96) آل عمران
وقد ذكرت أن البركة التي وضعها الله سبحانه وتعالى في بيت المقدس وكذلك في الكعبة تشبه البركة التي أضفاها الله سبحانه وتعالى على الزيتون اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاء وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ( 35) النور
دعوني أبين معني كلمة مبارك في القرآن , فالله تعالى اختص بعض الأماكن بطاقة عالية , أعلى من غيرها من الأماكن الأخرى , بالرغم من تشابه كل الأماكن من حيث احتوائها على تراب وصخور وجبال ووديان وسهول ما الى ذلك 0
فانظروا إلى الطاقة الخاصة التي اختص الله تعالى بها المسجد الحرام في مكة " إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ " (96) آل عمران , وتأملوا معي هنا كلمة البركة
وقد حدد رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الطاقة الخاصة ( البركة ) في حديثة " عَنْ جَابِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ إِلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ وَصَلَاةٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَفْضَلُ مِنْ مِائَةِ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ " رواه أحمد وابن ماجة 0
وبالفعل فالمتأمل لمكة يجد أن فيها حجارة وصخورا وجبالا مثلها مثل أي مكان آخر خلقه الله تعالى في الدنيا , فما الذي يجعل الصلاة في مسجدها الحرام بمائة ألف صلاة ؟
إنها البركة ( الطاقة الخاصة ) التي اختصها الله تعالى في المسجد الحرام , وهذه الطاقة مباشرة من الله الذي ليس كمثله شئ , وبالتالي فإننا وضمن قوانيننا الدنيوية , لا نستطيع أن نقيسها أو نعرفها أو نحيط بها , ولن نستطيع ذلك ما دمنا ضمن قوانين الحياة الدنيا
ومثلها البركة في المسجد الأقصى " سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ" (1) الإسراء 0
وقد حدد الرسول صلى الله عليه وسم مقدار الطاقة الخاصة ( البركة ) الموجودة في المسجد الأقصى في حديثه " عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةُ الرَّجُلِ فِي بَيْتِهِ بِصَلَاةٍ وَصَلَاتُهُ فِي مَسْجِدِ الْقَبَائِلِ بِخَمْسٍ وَعِشْرِينَ صَلَاةً وَصَلَاتُهُ فِي الْمَسْجِدِ الَّذِي يُجَمَّعُ فِيهِ بِخَمْسِ مِائَةِ صَلَاةٍ وَصَلَاتُهُ فِي الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى بِخَمْسِينَ أَلْفِ صَلَاةٍ وَصَلَاتُهُ فِي مَسْجِدِي بِخَمْسِينَ أَلْفِ صَلَاةٍ وَصَلَاةٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ بِمِائَةِ أَلْفِ صَلَاةٍ " رواه ابن ماجة 0
وكذلك اختص الله بعض الأشخاص بطاقة عالية خاصة , لا تتعلق بوجودهم في مكان محدد مثل المسجد الحرام أو المسجد الاقصى كما هو الحال مع عامة الناس ذوي الطاقة العادية , بل هم ذوو طاقة عالية مباركة أينما كانوا , فها هو عيسى بن مريم يقول " قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (30) وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ " (31) مريم 0
وقد تكون هذه البركة والطاقة التي اختصه الله تعالى بها , هي التي كان عيسى بن مريم يبرئ الأكمه والأبرص , ويحيي الموتي من خلالها بإذن الله تعالى , الذي وهبه إياها 0
من هذه الأمثلة الحية نستطيع أن نقول أن جزءا من كلمة مبارك في القرآن الكريم تعني الطاقة الروحية الإضافية المباركة
ولكن ما نوع الطاقة الموجودة في البركة , وهل يمكن قياسها بالأجهزة ؟
" وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً " (85) الإسراء0
من هذه الآية نستنتج أن الإنسان مهما بلغ من العلم والتطور والتكنولوجيا وعلم الطاقة , واكتشاف الأجهزة الحديثة المتناهية في الدقة والحساسية , فإنه لن لن لن يستطيع أن يعرف شيئا عن الروح أو ما هيتها أو طاقتها أو نوع طاقتها أو شكل هذه الطاقة , ولن لن لن يكتشف أي جهاز في المستقبل , سواء أكان في المستقبل القريب أم البعيد ولن يستطيع من قريب أو بعيد أن يظهر ولو شيئا ضئيلا بسيطا قليلا عن هذه الروح , أتدرون لماذا ؟ , لأن الله تعالى يقول في هذا النوع من الطاقة " قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي " ( 85) الإسراء0

دليل آخر على عدم قدرتنا على معرفة قوانين الروح

فهل من دليل آخر على ذلك ؟ أقول : نعم , ومفصل أيضا عن لماذا لا نستطيع ولن نستطيع أن نعرف شيئا من أمر الروح
فالله تعالى يقول في سورة الحجر " وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِّن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ ( 28) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ (29) الحجر0
فالله تعالى يؤكد أن روح الإنسان التي نفخها فيه هي من روح الله تعالى , ولما كان الله تعالى " ِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ " (11) الشورى , فإذن فإن هذه الروح التي وضعها الله تعالى فيها , من روحه سبحانه وتعالى , لا يشبهها شئ , وليس لها مثيل أو نظير أو شبيه أو قريب لا لشئ إلى لأنها من روح الله تعالى 0
وحتى يتقرب الموضوع للأذهان , فتخيل أن لديك كمبيوترا مبرمجا , ولكن ليس في كل برمجته الرقم (2) , ثم طلبت من هذا الكمبيوتر عملية حسابية هي 2+2 , فإنه لن لن لن يستطيع أن يعطيك الجواب , أان الرقم (2) ليس في برمجته أصلا , وهكذا هو الإنسان في الحياة الدنيا , فالله تعالى خلقه وصوره في أحسن تقويم , ولكن ضمن قوانين ونواميس ( ومنها القوانين الثلاثة التي ذكرناها وغيرها الكثير من القوانين والنواميس الأخرى ) محددة ثابتة , لا يمكنها بأي شكل من الأشكال وبأي صورة من الصور أو ضمن محدوديتها أن تدرك أي شئ , أي شئ , أي شئ من ذات الله تعالى أو كنهته أو روحه أو طاقته , أو طاقة روحه التي وضعها الله تعالى فينا , أبدا لأنها محدودة , ولا يمكن أن تصل أبعد من القوانين التي فطرها الله عليها في الحياة الدنيا 0
قوانين الدنيا تختلف عن قوانين الآخرة
وقد يلاحظ القرىء الكرام أنني أركز على كلمة قوانين الحياة الدنيا , ولكن لماذا ؟
لأن هناك في الحياة الآخرة قوانين أخرى تختلف عن قوانين التكليف الدنيوية , ولو كان أحد من البشر يستطيع أن يخرق هذه القوانين لكان الأنبياء أولى البشر بهذا , ولكن حاشى لله أن يخرق قانون أي مخلوق " وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَـكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ موسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ ( 143) الأعراف 0
من هذه الآية نستنتج أنه ليس في القوانين التي وضعها الله تعالى للبشر في الحياة الدنيا وبما فيهم سيدنا موسى – كليم الله – ما يمكنهم من رؤية الله أو إدراكه أو إدراك أي شئ من قبله بما في ذلك روحه التي نفخها في الإنسان بعدما سواه في أحسن تقويم 0
وكذلك حدث مع سيدنا محمد- صلى الله عليه وسلم – ليلة الإسراء والمعراج , فقد وصل إلى أبعد نقطة يمكن أن يصل إليها بشر , ألا وهي سدرة المنتهي , ومع ذلك لم يستطيع ببشريته الدنيوية أن يرى الله أو يكلمه إلى بالوحي ومن وراء حجاب , وفي ذلك قال الله تعالى " ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى (8) فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى (9) فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى (10) النجم , ولكن ليست هذه هي القوانين نفسها التي تكون في الحياة الآخرة , فإنها سوف تتغير وتتحول ويصبح الإنسان بالقوانين الآخرة قادرا على أن يرى الروح وطاقتها وحتى وجه الله تعالى " لَقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ "(23) سورة ق0
وقال تعالى" وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (23) القيامة , والجدير بالذكر هنا أن كلا الآيتين اللتان تتحدثان عن كشف الغطاء والانتقال من القوانين الدنيا إلى قوانين الآخرة رقمهما (23) !0
عن جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَظَرَ إِلَى الْقَمَرِ لَيْلَةً يَعْنِي الْبَدْرَ فَقَالَ إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ هَذَا الْقَمَرَ لَا تُضَامُّونَ فِي رُؤْيَتِهِ فَإِنْ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ لَا تُغْلَبُوا عَلَى صَلَاةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا فَافْعَلُوا ثُمَّ قَرَأَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ قَالَ إِسْمَاعِيلُ افْعَلُوا لَا تَفُوتَنَّكُمْ " رواه الأربعة 0
ولذلك فإني أقول أن كل طاقة من الله تعالى مباشرة , سواء وضعها الله في الروح أو في الأماكن المقدسة أو في الأشخاص المباركين , أو في الأزمان أو في الكلمة , أو في أي شئ , هي طاقة لا يمكن لبني البشر في الحياة الدنيا , أن يعرفوا عنها أي شئ , أو أن يفصلوا فيها أي شئ , أو تستطيع أجهزتهم الحديثة معرفة عنها أي شئ لأنها مباشرة من الله , والله تعالى ليس كمثله شئ , كما أنه وفي قوانيننا التي وضعها الله تعالى فينا في الحياة الدنيا , لا نستطيع أن نعرف أي شئ لا تحيط به هذه القوانين الدنيوية , وحاشئ لله تعالى أو علمه أو طاقته أو قوته أن تستطيع قوانين الدنيا أن تصل إليها بشئ لأن تعالى أراد كذلك وشاءه " اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِن شُرَكَائِكُم مَّن يَفْعَلُ مِن ذَلِكُم مِّن شَيْءٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ " (40) الروم 0
من هذا المنطلق في التفكير , أنطلق في إظهار الطاقة التي يمكن أن تستفيد أرواحنا منها في البرنامج , ولكن دون أن ندري عنها شيئا , أو نكتشفها بأجهزة أو ندركها بحواس إنما نشعر آثارها ونستشعرها , كما نشعر أننا أحياء دون أن نرى أرواحنا أو نعرفها وهكذا 0
الرد مع إقتباس