جميل أن نجد من يهتم باللغة العربية من غير أبنائها المتخصصين في اللغة، والمهندس "خشان الخشان" تخصص في الهندسة المدنية ولكن هذا لم يمنعه أن يبرع في هندسة اللغة ويوجد طريقة جديدة في علم العروض. وهي طريقة (العروض الرقمي) لكي تسهل على المهتم بها دراستها بشكل مبسط وسريع، وكان لـ "المجلة العربية" هذا اللقاء مع الأستاذ المهندس خشان الخشان:
>> هل لنا في البداية ان نتعرف على سيرتك الذاتية؟
ـ أنا مهندس مدني. تخرجت في الجامعة الأميركية في بيروت ومعظم خبرتي في مجال المقاولات في المملكة العربية السعودية.
>> أنت مهندس مدني ولك اهتمام باللغة العربية فكيف استطعت أن تمازج بين المجال العلمي والأدبي؟
ـ فيما يخص موضوع العروض الرقمي- الرقمي هنا صفة لعلم العروض وإن أردنا وصف كلمة العروض قلنا الرقمية - فإن نظرة متفحصة إلى دوائر الخليل تثبت الطبيعة الرقمية العلمية لعلم الخليل، وتبين أن التفاعيل والبحور ما هي إلا طريقة لفظية لوصف جزئيات المنطق الكلي للخليل المتمثلة في البحور والتفاعيل وما يطرأ عليها من تغييرات.
والعروض الرقمي صلة وصل بتفكير الخليل.
>> هل لنا ان نتعرف على علم العروض بشكل موسع؟
ـ لا يذكر علم العروض إلا ويذكر معه الخليل، وهو من أعظم العبقريات العربية في تاريخ الحضارة الإسلامية. "وهو الخليل بن أحمد عمر بن تميم الفراهيدي البصري عربي من أزد عمان ولد سنة مائة للهجرة وتوفي على الأغلب سنة 175 هـ. وهو أول من نهج مسالك جديدة في علم العربية فهو المؤسس الحقيقي لعلم النحو العربي الذي وضعه تلميذه سيبويه بعد أن تلقاه عنه وهو واضع معجمه المشهور ( العين )، وهو مبتكر علم العروض ( اكتشـــافا ليــس لـه ســـابقة ولا تدانيه لاحقة) بشكل يحمل ما يشهد بإتقانه لنظريات العلوم الرياضية في عصره علما وفقها وتحليلا وخاصة في نظريتي المعادلات والتوافيق والتباديل"(1).
وعلم العروض هو "ميزان الشعر، به يعرف صحيحه من سقيمه"(2).
>> ما الطريقة التي أوجدتها فى علم العروض وهل هناك أحد شجعك على هذا الأمر وما الذي أضفته لهذا العلم؟
ـ طريقتي أسلوب لا غير في تناول علم الخليل. وكونها رقمية يفتح آفاقا كثيرة للتأمل. كما أنه يقدم مادة العروض كجوهر لا تعدو التفاعيل والبحور وأحكام الزحاف والعلة أن تأتي في السياق كتفاصيل واضحة.
وهنا تقديم موجز لهـذه الطريقة كما يلي:
فالعروض الرقمي أسلوب مبسط للتعبير عن عروض الخليل. يكاد يخلو من المصطلحات ولو رمزنا للمتحرك مثل لَ، بِ بالرمز 1 وللساكن مثل مْ والممدود (آ و ي) بالرمز (ه) فإن للعروض الرقمي مفردتين لا غير هما.
(الرمز يساوي عدد الحروف المتحركة والســــاكن الذي لا بـد أن تنتهي بـه فيما لا يزيد عن 3).
لا يبدأ الكلام في العربية بساكن، ولكنه ينتهي به، وهذا ينطبق على مفردتي العروض الرقمي وهما 2 و 3 فلا بد أن تكون بداية كل منهما بحرف متحرك وأن تكون نهايته بحرف ساكن.
متحرك + ساكن = مثل لـَمْ، لا = 1 ه = 2 وهو ما يسمى في العروض بالسبب
متحرك + متحرك + ساكن = 1 1 ه = 1 2 = 3 وهو ما يسمى في العروض بالوتد
وتمثيلا لذلك هذه الكلمات حيث نعتمد في تقطيعها على ما تلتقطه الأذن دون اعتبار لقواعد الإملاء
فاعلٌ= فا200- علن300 = 2 3
السّنا = أسْ 2 - سَنا300 = 2 3
هل لَكُمْ = هلْ.. 2 - لكم.. 3 = 2 3
لنأخذ البيت التالي كمثال:
وكل حرف ساكن أو حرف مد نهاية مقطع ولونته هنا بالأحمر
الخيل والليل والبيداء تعرفني
والسيف والرمح والقرطاس والقلم
الصدر = الْ 2- خَيْ 2- لُوَلْ 3- لَيْ 2- لُوَلْ 3- بَيْ 2- دا 2- ءُ تَعْ 3- رِ 1- فنـي 3
= 2 2 3 2 3 2 2 3 1 3 ويمكننا اصطلاحا جمع 22=4 فيصبح الوزن
= 4 3 2 3 4 3 1 3
والعجز = وسْ 2- سَيْ 2- فُوَرْ 3- رُمْ 2-حُوَلْ 3- قِرْ 2- طا 2-سُوَلْ 3- قَ 1- لَمو=3
= 2 2 3 2 3 2 2 3 1 3 = 4 3 2 3 4 3 1 3
كما أننا نرمز ل 31 في الكامل والوافر ب ((4) أو 4
لك يا منازل في القلوبِ منازلُ
أقفرت أنتِ وهنّ منك أواهلُ
لَ 1- كيا 3- منا 3-زِ1- لُفلْ 3-قلو3- بِ 1 منا 3-زلو 3
= 1 3 3 1 3 3 1 3 3 = ((4) 3 ((4) 3 ((4) 3
أقْ2- فرْ 2 - تِأَنْ3 - تِ 1 - وهنْ 3 - نَمنْ 3 - كِ 1 - أوا 3 - هلو 3
= 2 2 3 1 3 3 1 3 3 = 4 3 ((4) 3 ((4) 3
ولتسهيل الإحساس بالعروض رقميا أسوق ما يلي:
ماذا لو نقرت بإصبعك عند كل حرف أزرق وتوقفت عند كل حرف أحمر..
ستجد نفسك تنقر بهذه الصورة الجميلة.حيث:.
( د ُ) ترمز في الشعر للمتحرك، وترمز في الموسيقى للنقرة أو الضربة
( مْ ) ترمز في الشعر للحرف الساكن، وترمز في الموسيقى للصمت أو السكوت
دُ مْ =2
د ُدُ مْ =3
دُ مْ دُدُمْ دُ مْ دُم دُ دُ مْ د ُم دُ مْ دُ دُ مْ
2 3 2 2 3 2 2 3
فا علا تن فا علا تن فا علا
فا علن مس تف علن مس تف علن
رى في ثبات الوزن الرقمي وتغير طرق التعبير بالتفاعيل، أن الوزن الرقمي أقرب للذات (فهي للبحر كالاسم للشخص) والتفاعيل صفات ( فهي للبحر أشبه بالكنى للشخص قد تتعدد) حيث يمكننا أن نعتبر وزن الرمل فاعلاتن فاعلاتن فاعلا أو فاعـلن مســتفعلن مســتفعلن أو حتى فا مفاعيلن مفاعيلن علن.
ولمزيد من التأمل فهاهنا تمثيل لبحر الكامل في ثلاثة أشكال:
مُ تفا علن = 1 3 3
الشكل الأوسط باعتبار
مُ تفا علن = 11 2 3
م تَ فا عِ لن =21211
ويتبع هذا تمثيل بياني للزحافات والعلل
وللمزيد عن التمثيل البياني
http://www.geocities.com/khashan_kh/63-bayany.html
وأما فوائد هذه الطريقة التي يمكن أن تعتبر إضافات فهي مبثوثة في إجابات الأسئلة الأخرى، فأتوقف عن ذكرها منعا للتكرار.
>> هل أنت أول من تناول فكرة التعبير الرقمي هذه عن الوزن؟
- بدأت هذا الموضوع قبل أن أطلع على أي سابق فيه حوالي سنة 1993م
وقد نشرت الطبعة الأولى من الكتاب سنة 1997م
بينما اطلعت قبيل نشر الكتاب على كتاب الشيخ جلال الحنفي (العروض تهذيبه وإعادة تدوينه) وأثبت ذلك في الصفحة 237 من الطبعة الأولى. وهنا أبين أن الشيخ استعمل الرقمين 1و2 للدلالة على التفاعيل وزحافاتها فحسب، ولم يتطرق لخصائص هذين الرقمين في الإيقاع واستعمل الرقم 3 للدلاله على السبب المتلو بسكون
فمثلا بابْ = 3 لديه، بينما أرمز لها ب 2 ه، فعْلان لديه=2 3وأنا أرمز لها 2 2 ه
يقول الشيخ جلال الحنفي في كتابه (ص - 24):" وكنت تنبهت إلى هذه الأرقام وما في استعمالها من جدوى وفائدة قبل أن أطلع على ( بدائع العروض) للأستاذ ميخائيل الله الذي قد يكون هو مبتدع هذه الطريقة من تلقاء نفسه، فإني لم أعثر عليها من المصادر العروضية الكثيرة، "
ثم تبين لي فيما بعد أن الهنود هم أول من استعمل الرقمين 1 و 2 كما هما معرفان هنا قبل آلاف السنين، والمزيد حول هذا في الرابط:
http://www.geocities.com/alarud/72-albairouni.html
>> هل وضعت كتابا لهذا العلم وما مدى انتشاره؟
ـ نعم وضعت كتاب (العروض رقميا) العام 1418هـ، ولم أعهد بنشره لناشر ولعل هذا هو سبب قلة انتشاره
>> هل قمت بعرض هذه النتائج الجديده فى علم العروض على مجمع اللغة العربية؟ أو أحد المهتمين فى هذا العلم.
ـ كلا، ولكني ألقيت محاضرة في نادي الرياض الأدبي وكان استقبال معظم من حضر من المختصين غير مشجع، لأن التفاعيل تغني - في رأيهم - عن الأرقام.
>> ما الذي تود أن تقوله في ختام هذا اللقاء وما الذي تتمناه؟
ـ إن علم العروض الرقمي صلة بتفكير الخليل وهو جدير بالعناية لما يبينه من جماليات اللغة العربية ومن تنمية للتفكير بشكل عام.
كما أنني أتمنى أن يطلع عليه رجال التعليم، ويقتنعوا بتدريسه، وفي رأيي أن ساعة واحدة أسبوعيا لمدة فصل واحد كفيلة بترسيخ مبادئ هذا العلم في ذهن الطلبة في المرحلة الإعدادية، ووضع أساس متين لمن يريد منهم أن يتوسع فيه مستقبلا.