عرض مشاركة مفردة
  #5  
قديم 17-04-2004, 03:21 PM
الصورة الرمزية لـ الوافـــــي
الوافـــــي الوافـــــي غير متصل
عضو جديد
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2003
الإقامة: saudia
المشاركات: 24,409
إفتراضي

الحلقة الثانية

أخذ جمال بالتدريج يقدمنا إلى أسر عربية أخرى من المجتمع الإسلامى ، كان هناك وائل وعائلته ، خالد وعائلته ، وبعض العائلات القليلة الأخرى . ومن وقت لآخر كنت ألاحظ تمسك الأفراد والعائلات بالمبادئ الأخلاقية بعكس المجتمع الأمريكى الذى نعيش كلنا فيه . ترى هل هناك شئ فى الإسلام وممارساته لم أطلع عليها أثناء دراساتى الأكاديمية السابقة للأديان ؟؟؟

بدأت أسائل نفسى اعتبار من ديسمبر 1992 ، أسئلة مصيرية ، من كنت ، وماذا الذى كنت أعمله ؟؟؟ وكانت هذه الأسئلة نابعة من هذه الإعتبارات :::

1 – خلال فترة الستة عشر شهرا الماضية ، تبلورت حياتنا الإجتماعية حول اندماجنا بالمجتمع العربى المسلم ، وبحلول ديسمبر فقد أصبح 75% من وقتنا تقضى مع المجتمع العربى .

2 – بفضل دراساتى وتدريباتى السابقة كنت أعلم كيف أن الكتاب المقدس ( التوراة ، والإنجيل ) قد أصابهما الخلل ( وفى غالب الأحيان أعرف بالضبط .. متى .. أين .. ولماذا ) ، لا أعتقد مطلقا فى ربوبية التثليث ، وليس لدى اعتقاد مطلقا فى بنوة سيدنا عيسى عليه السلام وأعتبر الإشارة إليها فى الكتاب المقدس بأنها من المجاز ، وليست حرفية المعنى ! ، باختصار كنت أؤمن بوجود إله ، وكنت موحدا كما هو حال اصدقائى المسلمين .

3 – كان شعورى وراحتى النفسية وقيمى الأخلاقية ، أكثر توافقا مع أصدقائى المسلمين عنها مع المجتمع النصرانى الذى يحيط من حولى . وكانت الأمثلة والقدوة أمامى ممثلة فى جمال ، خالد ، ووائل وعلائلاتهم ... بمعنى أنى كنت أحن وأتوق وأفضل أن يكون المجتمع الذى نشأت فيه ، مثل هذا المجتمع المسلم . المجتمع الأمريكى قد أفلس ، ولكن هذا المجتمع الجديد بالنسبة لى ، لم يفلس . الزواج مستقر ، الترابط الأسرى قائم ، الأمانة ، التكافل ، المسئولية الشخصية ، القيم الأسرية مؤكدة . حاولت أنا زوجتى أن نعيش حياتنا بنفس هذه الطريقة ، ولكنى لعدة سنوات ، شعرت أننا نقوم بذلك فى إطار خواء أخلاقى . فالمجتمع الإسلامى مختلف تماما فى نوعية ترابطه وقيمه .

تجمعت خيوط النسيج بعضها إلى البعض لتشكل الثوب الجديد ! الحصان العربى .. نشأتى فى الطفولة .. انغماسى فى سلك القساوسة .. دراستى لمعلوماتى النصرانية .. حنينى وشوقى للمجتمع الأخلاقى .. احتكاكى بالمجتمع المسلم عن قرب ..... كل هذه الخيوط ترابطت لتنشئ الثوب الجديد . تساؤلاتى النفسية برزت حينما سألت نفسى بالضبط ، ماهو الذى يفصل بينك وبين معتقدات أصدقائك المسلمين ؟؟؟ من المفترض أنى كنت أثير هذه التساؤلات مع جمال أو خالد ، ولكنى لم أكن على استعداد لذلك !!! لم أناقش معتقداتى مطلقا معهم ، ولم أكن أفكر فى أن أدخل مثل هذه الموضوعات فى صداقتنا ! لهذا فقد لجأت إلى مكتبتى وأنتزعت منها الكتب عن الإسلام التى هجرتها ، والتى كنت قد جمعتها أثناء دراساتى ! على كل حال ... فقد كانت جل معتقداتى القديمة نابعة من الوضع التقليدى للكنيسة ، وبالرغم من أنى كنت نادرا ما أذهب للكنيسة ، إلا أنى كنت أعتبر نفسى نصرانيا ، وفى هذا الوضع ، أخذت أقلب فى الكتب التى كتبها نصارى !!! فى هذا الشهر ديسمبر قرأت حوالى نصف دستة من الكتب من تحرير هؤلاء النصارى ، ومنها كتاب عن سيرة سينا محمد عليه الصلاة والسلام ، وزيادة على ذلك أخذت فى قراءة ترجمتين مختلفتين باللغة الإنجليزية عن معانى القرآن الكريم , لم أناقش أحدا من أصدقائى المسلمين عن هذا التطور الذاتى لاكتشاف النفس !!! لم أذكر لهم أى شئ عن هذه الكتب التى أقرأها ، غير أنى أحيانا أمرر بسرعة سؤالا عابرا لأحدهم .

وبالرغم من أنى لم أتفوه بكلمة لأصدقائى المسلمين ، إلا أنى أنا وزوجتى كنا نتبادل الحوار حول ما كنت أقرأه . وفى آخر أسبوع من شهر ديسمبر ، ألفيتنى مضطرا للإعتراف لنفسى بأنه لاتوجد أية مساحة كبيرة بين ما أعتقد وبين المعتقدات العامة للمسلمين . كما أنى على استعداد للتسليم بأن سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام نبى مرسل من الله ( يتكلم بوحى منه سبحانه وتعالى ) ، وأنه لا إله آخر مع الله سبحانه وتعالى ، ولكنى ما زلت مترددا لاتخاذ أى قرار بعد !!! أصبحت مؤهلا للإعتراف لنفسى ، بأن اعتقادى أكثر قربا للإسلام ومبادئه منها للنصرانية التقليدية ، ونظام الكنيسة . أستطيع فقط بأن أؤكد وبكل الإطمئنان ، ... بما تعلمته فيما سبق ... صدق ما جاء بالقرآن الكريم عن النصرانية ، الكتب المقدسة ، سيدنا عيسى عليه السلام . إلا أنى ما زلت مترددا !!! وكنت أبرر ترددى بأنى لا زلت لا أعلم التفاصيل الدقيقة للإسلام !!! وأن مساحة التوافق معه هى فى المفاهيم العامة . ولهذا استمريت فى البحث والقراءة .

وأصبح يتملكنى الإحساس ... من هو الواحد الأحد ؟؟؟ ،.. هو صاحب القوة المطلقة فى الكون ... فى تجاربى المهنية ، من وقت لآخر كنت استدعى للتعامل مع بعض حالات الإضطرابات نتيجة للإدمان ، ابتداء من التدخين ، إلى الكحول ، إلى سوء تعاطى المخدرات . وكطبيب ممارس للمهنة كنت أعلم أن أسس التغلب على الإدمان الطبيعى تبدأ بالإمتناع عن التعاطى !!! وكان ذلك هو أسهل الأجزاء فى العلاج ، وكما قال " مارك توين " ، " ترك التدخين فى منتهى السهولة !!! فقد تركته مئات المرات " !!! ولذلك أعلم أن الإحتفاظ بالإمتناع عن التعاطى مع مضى الوقت يتوقف على التغلب على نفسية المريض ، وعلى الجذور المترسبة داخله ، وأن يقتنع بأنه مدخن ، أو سكير ، .... الخ . سلوك الإدمان قد أصبح جزأ لا يتجزأ من شخصية المريض ونفسيته ، وتغيير هذا الإحساس هو حاسم فى العلاج ، وهذا هو الجزء الصعب فى العلاج . تغيير الشعور الأساسى للإنسان هو أصعب مرحلة !!! الإنسان يألف ما تعود عليه فى الماضى ، ويعتبر ذلك أكثر راحة له وأكثر أمنا ، من أى وضع جديد لم يألفه .

هذه الأسس المهنية ، أخذت أطبقها بشكل يومى فى عملى . ومن سخرية القدر فلم أكن مستعدا لتطبيقها على نفسى ، وعلى موضوع ترددى المحيط بشخصيتى الدينية . لمدة 43 سنة ، كان عنوان شخصيتى الدينية " نصرانى " ، بالإضافة إلى الشهادات التى حملتها تحت هذه الشخصية على مر السنين . والتخلص من هذه اللافتة لم يكن أمرا سهلا !!! هى جزء لا يتجزأ من كينونتى . وأقنعت نفسى لأخرج من ترددى هذا ، بأنى نصرانى يعتقد بعقيدة المسلمين .

نحن الآن فى أواخر ديسمبر ، ونستعد أنا وزوجتى لاستصدار جوزات سفر لنحقق رحلة إلى الشرق الأوسط ، وفى الجواز خانة للإنتساب الدينى ، وبدون وعى أو انتباه وبصورة تلقائية ، كتبت " نصرانى " ، كان الأمر سهلا على ومتعود عليه ومريح لى .

هذه الراحة قطعت بسؤال من زوجتى " ماذا كتبت فى خانة الديانة ؟؟؟ " . أجبت سريعا " نصرانى طبعا " ، وضحكت بصوت مسموع !!! ، وحسب مقولات " فرويد " ، فى التحليل النفسى ، فإن الضحك هو تنفيس عن شئ مكبوت داخل النفس . وبالرغم من أن " فرويد " كان مخطئا فى نظريته الجنسية ، إلا أنه أصاب الهدف فى مسألة الضحك هذه !!! لقد ضحكت !!! ماهو هذا الشئ المكبوت الذى أردت التنفيس عنه ؟؟؟

وبسرعة ذهبت لؤأكد لزوجتى أنى نصرانى ولست مسلما ، فبمنتهى الأدب ، قالت لى أنما عنيت فقط ، هل كتبت .. نصرانى .. أو بروتستاتى .. أو ميثودست ؟؟؟ ، وكمهنى فأنا أعلم أن الإنسان لايدافع عن نفسه ضد اتهام لم يوجه إليه !!! ( فى جلسة العلاج النفسى ، إذا انفجر المريض وقال " أنا لست غاضبا من هذا " ، وأنا لم أتطرق إلى موضوع الغضب ، فيكون ذلك دليلا على أن المريض يدافع عن نفسه ضد تهمة فى شعوره الباطنى !!! باختصار هو كان فى الحقيقة غاضبا ، ولكنه لايريد الإعتراف بذلك أو التعامل مع الأمر ) . لم توجه لى زوجتى أية تهمة بأنى مسلم ، إذا فالإتهام صدر من عقلى الباطن ، وذلك لأنه لم يكن أحد غيرى موجود !!! كان الأمر واضحا أمامى ، ولكنى ما زلت مترددا . اللافتة الدينية الملتصقة بى لمدة 43 سنة ، ليس من السهل أن تتغير .

مضى حوالى الشهر منذ استجواب زوجتى ، نحن الآن فى أواخر شهر يناير عام 1993 ، وقد وضعت جانبا الكتب المؤلفة عن الإسلام من غير مسلمين فقد قرأتها كلها بتمعن ، كذلك الترجمتين باللغة الإنجليزبة لمعانى القرن الكريم قد وضعتهما على الرف ، وانهمكت فى قراءة ترجمة ثالثة ، ربما وجدت فى الترجمة الثالثة مبررا لـ ......& ( أعتقد أنه يقصد هنا وجود مبرر لعدم التصديق بالإسلام ) nbsp; .

كنت أتناول الغداء فى مطعم يبعد ساعة عن عيادتى ، اعتد أن أتناول فيه طعامى ، دخلت المطعم كالمعتاد وأخذت مقعدى ، وفتحت الترجمة الثالثة لمعانى القرآن ، وبدأت القراءة من حيث ما كنت قد انتيهت اليه من قبل لأملأ ساعة الغداء هذه ، وبعد دقائق تنبهت لوجود محمود خلف كتفى منتظرا ليلبى طلباتى ، وكان يحملق فيما أقرأ ، دون أى تعليق منه , وأخذ طلباتى ، ثم عدت لخلوتى فى القراءة .

دقائق وجاءت إيمان زوجة محمود ، الأمريكية المسلمة لتحضر الطعام ، مرتدية الحجاب ، وملابس بسيطة محتشمة تعودت عليها من المسلمين الملتزمين ، ولما رأتنى أقرأ القرآن الكريم ، قالت بأدب ، هل أنت مسلم ؟؟؟ خرج الجواب من فمى جافا بدون ملطفات من الإتيكيت " لا " !!! هذه الكلمة اليتيمة التى خرجت من فمى بعنف ، وبلهجة شبه طائشة ... تقبلتها إيمان بأدب وانسحبت من المكان .

.. يتبع ..
__________________


للتواصل .. ( alwafi_248@hotmail.com )

{ موضوعات أدرجها الوافـــــي }