عرض مشاركة مفردة
  #2  
قديم 08-05-2004, 03:31 AM
عدنان حافظ عدنان حافظ غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Aug 2002
المشاركات: 91
إفتراضي

وأصبح من الشائع أن تلجأ إحدي الدولتين من حين لآخر إلي تعبئة وتجييش أبناء القبائل ممن تربطهم وشائج قربي بالمواطنين علي الجانب الآخر من الحدود لتهديد استقرار الدولة الأخري. يضاف إلي ذلك أنه في الوقت الذي استضافت فيه المملكة العربية السعودية المنفيين العراقيين اجتذب العراق إليه البعثيين السعوديين. وأخيراً، كان من شأن الاختلافات الطائفية بين المملكة العربية السعودية ذات الأغلبية السنية والعراق ذي الأغلبية الشيعية أن توجد هوة بل وترسخ درجة من العداوة علي المستويات الاجتماعية والثقافية والدينية ما فتئت تتعمق منذ نشأة حركة الإصلاح الوهابية في الجزيرة العربية في منتصف القرن الثامن عشر. لقد تجاوز نظام البعث السني العنصر الطائفي في علاقته بالمملكة العربية السعودية، إلا أن مناخاً من عدم الثــقة ظل سائداً علي المستوي الشعبي الثقافي في الجانب العراقي تغذيه ذكري اقتحام وتخريب مدينة كربلاء الشيعية في العراق من قبل القوات الوهابية عام 1801 يوازيه في الجانب السعودي مناخ غير موات يغذيه الموقف الديني المستمر في رفض القبول التام بالشيعة كمسلمين أصليين سواء ممن يعيشون في المملكة العربية السعودية أو في العراق أو في غيرهما من الأماكن.
لا يستغرب إثر أخذ هذه الخلفية التاريخية بعين الاعتبار أن توصف العلاقات بين البلدين في أحسن أحوالها بأنها مثقلة بالأعباء. حينما شن صدام حسين الحرب علي إيران عام 1980 بعد التأسيس المظفر للجمهورية الإسلامية انحازت المملكة العربية السعودية إلي جانب العراق ومولت الحرب في سبيل إجهاض الخطاب الثوري الشيعي للجمهورية الإسلامية الذي ألهب حماسة شيعة السعودية في المنطقة الشرقية الغنية بالنفط وحفزهم علي تنظيم عدة مسيرات رفعوا فيها شعارات تندد بالقيادة السعودية. فرغم أن صدام حسين كان متعارضاً من الناحية الأيديولوجية مع المملكة العربية السعودية إلا أن زعامة المملكة وجدت من الضرورة بمكان إبرام تحالف معه ولو بشكل مؤقت. وفعلاً، فقد أبرمت المملكة العربية السعودية تحالفاً سياسياً مع صدام حسين ضد رغبة المؤسسة الدينية الرسمية فيها حيث استمر علماء هذه المؤسسة الدينية يروجون لفكرة أن أيديولوجية صدام حسين القائمة علي القومية العربية هي أيديولوجــــية جاهلية ملحدة الغرض منها هو تقويض وحدة الأمة الإسلامية. ولإرضاء علماء مؤسستها الدينية الرسمية لجأت المملكة العربية السعودية إلي التبرع بأموال كثيرة لتشجيع دراســــة الإسلام السني في بغداد وفي جامعة صدام للعلوم الدينية التي أنشئت في عام 1989. وقد كانت بغداد مهيأة لاستقبال هذا الدعم في وقت تبني فيه صدام حسين خطاباً جديداً وشعارات جديدة خلال الحرب الإيرانية ـ العراقية، معتمداً علي التراث العربي القبلي وعلي الإسلام الحقيقي الأمر الذي توافق تماماً مع الخطاب الرسمي السعودي الموجه إلي المجتمع السعودي.
خلال الحرب الإيرانية ـ العراقية قاتل صدام حسين نيابة عن عدد غير قليل من اللاعبين الإقليميين والدوليين، ولكنه من وجهة النظر السعودية كان حليفاً مؤقتاً لوقوفه في مواجهة التهديدات الشيعية الثورية ولمجابهته التفوق العسكري الإيراني في الخليج. كانت تأمل المملكة العربية السعودية أن تؤدي الحرب الإيرانية ـ العراقية إلي تدمير الطرفين المتحاربين والمتنافسين علي موقع القوة الخليجية الإقليمية العظمي ، ذلك الموقع الذي غدا شاغراً إثر الإطاحة بشاه إيران في عام 1979. ما لبث صدام حسين أن أعمته الخيلاء بانتصاره المزعوم في هذه الحرب فانقلب علي حلفائه واستدار لينقض علي أنصاره فغزا الكويت في آب (أغسطس) 1990. ثم ما لبثت صواريخ سكاد التي سقطت علي الرياض بعد احتلال الكويت أن أثبتت للسعوديين الأخطار التي تمخضت عن دعمهم لحرب صدام في العقد الماضي.
ولعل هذا ما حدا بالمملكة العربية السعودية طوال التسعينات إلي دعم العقوبات الدولية علي العراق وإلي السماح باستخدام أراضيها من قبل القوات العسكرية البريطانية والأمريكية لرصد ومراقبة مناطق حظر الطيران في الأجواء العراقية الأمر الذي تمخض في عام 1998 عن شن هجمات عسكرية علي أهداف منتقاة داخل العراق. ورغم ذلك التزمت المملكة العربية السعودية نفي استخدام أراضيها لشن الهجمات علي العراق، إلا أنها اعترفت بأن القواعد العسكرية الأمريكية في المملكة كانت تمارس من داخلها نشاطات تتعلق برصد مناطق حظر الطيران فوق العراق، لدرجة أن الأمير سلطان بن عبد العزيز أعلن ذات مرة بأن الطائرات التي تنطلق من المملكة العربية السعودية تقوم بالرصد والمراقبة الجوية وببعض المهام الأمنية فقط لا غير، ولا يسمح لها بتنفيذ أي عمليات عسكرية . في مطلع التسعينات استضافت المملكة العربية السعودية أعداداً من شيعة جنوب العراق الذين فروا من العراق بعد فشــــل انتفاضتهم ضد صدام حسين وانتهي بهم المطاف في مخيم رفحا للاجئين، وكانت تلك خطوة غير مسبوقة من قبل المملكة التي لم يكن لها أدني خبرة أو دراية في التعامل مع لاجئين عبروا حدودها طلباً لملاذ آمن.
ومع ذلك ظلت المملكة العربية السعودية قلقة بسبب وجود عدد من اللاجئين الشيعة علي أراضيها، هذا مع أنهم ظلوا محصورين داخل المخيم باستثناء بضع مئات انتقلوا فيما بعد إلي بلدان أخري لاجئــــين إليها. وطوال التسعيـــــنات نأت المملكة العربية السعودية بنفسها عن المعارضة العراقية وإن كانت في الخفاء قد أبدت تعاطفاً مع المعارضين العراقيين السنة الذين لجأوا إليها.
ومع أن المملكة العربية السعودية احتفظت طوال التسعينات بدورها الأساسي في رصد صدام حسين إلا أنها بدأت منذ عام 2000 بانتهاج سياسة إعادة تأهيل الزعيم العراقي الذي بات مرهقاً ومشلولاً بعد ما يقرب من عقد من العقوبات الدولية. وفي أغسطس من عام 2001 أعلن الأمير سلطان بن عبد العزيز وزير الدفاع والطيران السعودي إننا علي استعداد لنسيان الماضي والمصاعب الحالية ونرحب بعودة العراق إلي الصف العربي فليس لدينا ضد العراق شيء . وبدا حينها واضحاً بروز شكل من أشكال الصداقة والتعاون في المنتديات العربية الإقليمية، وتلقي العراق وعوداً بالتبادل التجاري وتقديم العون، ربما لأهداف دعائية في وقت شعر فيه النظام السعودي بضعف ناجم عن المعارضة المحلية وعما تعرضت له البلاد من هجمات إرهابية.