يحاولون جرّ إسرائيل إلى قضية التعذيب في العراق أيضاً
بقلم: يوسي ملمان
قال يوجين بيرد الدبلوماسي الأمريكي السابق والمعروف بمواقفه المناصرة للعرب في برنامج عن تعذيب السجناء العراقيين في شبكة التلفزة الكندية: "نحن نعرف أنّ الاستخبارات الإسرائيلية قد نشطت في بغداد بعد انتهاء الحرب.
والسؤال الذي يتوجب طرحه هو ما إذا كان هناك محققون أجانب بين أولئك الذين أوصوا باتباع هذه المعاملة السيئة جداً مع الأسرى". وقد اضطرت شبكة التلفزة الكندية في اليوم التالي للاعتراف بعدم وجود أدلة تثبت ادعاءات بيرد.
قضية تنكيل الجنود الأمريكيين بالمعتقلين العراقيين لا تشطب من جدول الأعمال.. ومصدر الإشاعات التي تتحدث عن أنّ الإسرائيليين أيضاً قد شاركوا فيها جاء من عدة معطيات وردت في تقرير الجنرال أنطوني تاغوبا قائد القوات الأمريكية في العراق..يذكر هذا التقرير بعض "مواطني دول العالم الثالث" أنهم هم أيضاً كانوا في السجون.
إلى جانب ذلك فإن هناك واحداً من المتهمين السبعة في القضية يسمى "جون يسرائيل" وهو ليس جندياً ولم يكن ضمن طاقم السجانين.. جون هذا هو مقاول وقع على عقد مع شركة "تيتان" التي توفر الخدمات للجيش الأمريكي في العراق.. وأحد أعضاء مجلس إدارة هذه الشركة هو رئيس "سي.آي.ايه" (المخابرات المركزية الأمريكية) سابقاً جيمس وولسي الذي يُعتبر صديقاً قوياً لإسرائيل. لقد ادعت "تيتان" من ناحيتها في وسائل الإعلام أنها لا توظف "جون يسرائيل" مباشرة.. وإنما من خلال مقاول ثالث ومع ذلك رفضت ذكر اسم هذا المقاول الثالث.
ولكن وسائل الإعلام الأمريكية تتحدث عن شركة اسمها "CACI"باعتبارها قد شغلت اثنين على الأقل من المتهمين في التعذيبات. وتتخصص الشركة أيضاً في منظومة المعلومات والاستخبارات وقد فازت بعطاءات من البنتاغون.
مؤسس هذه الشركة ورئيسها هو الدكتور جاك لندن الذي زار إسرائيل قبل أشهر قلائل وحاز على جائزة "ألبرت اينشتاين" في القدس من المنظمة الدينية اليمينية "نار التوراة". وقد شارك في هذه المراسيم وزير الدفاع شاؤول موفاز. وتوجد لشركتي "تيتان" و"كاكي" (CACI) علاقات قوية مع المؤسسة الأمنية والتكنولوجية الإسرائيلية.. كما يدعي واين مادسين عضو مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض إبان إدارة ريغان حسب ما جاء في مقالته المنشورة مؤخراً، وقد نفت شركة "كاكي" الادعاءات الموجهة إليها.
يذكر أولئك الذين يوجهون أصابع الاتهام لإسرائيل ..أنّ الاستخبارات العسكرية الأمريكية التي كانت مسؤولة وضالعة في الإشراف على السجانين في أبو غريب تملك علاقات قوية مع أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية.
والذريعة الأخرى التي يستخدمها المنتقدون هي تجربة أجهزة الأمن الإسرائيلية الواسعة في إدارة السجون والتحقيق مع السجناء العرب.. خصوصاً أنها تضمنت قضايا تعذيب كانت قد كُشفت في الماضي.
لقد اتضح في سنة 1987 في جهاز "الشاباك" ثقافة الكذب والتواطؤ منذ عام 1967 وما تلاها. وكشف تقرير لجنة لنداو النقاب عن أنّ محققي "الشاباك" قد ابتدعوا اعترافات أُلصقت بالمتهمين من خلال وسائل مرفوضة ومحظورة تقوم على الضغط الجسدي والنفسي ومن ثم كذبوا حسب أوامر المسؤولين عليهم أمام المحاكم.
ولكن تجربة إسرائيل وما فيها تحديداً في قضية التحقيقات.. تتيح المجال أمام دحض الاتهامات المبطنة لها.. خصوصاً الحرص الشديد على الالتزام بالقانون بعد لجنة لنداو. وتنفي مصادر "الشاباك" أي ضلوع في التحقيقات في العراق.. على أنّ هذه مجرد تلفيقات لتشويه سمعة إسرائيل. *1
تعمل في شعبة الاستخبارات العسكرية "أمان" وحدة رقمها (504) وهي مختصة بالأساس في تفعيل العملاء والمحققين مع الأسرى.
إلاّ أنّ مصادر عسكرية تنفي أي تدخل لها في العراق. وقد قال ديوان موفاز إنه تواجد في حدث شارك فيه أعضاء كونغرس أمريكيون.. إلا أنه لم يكن على معرفة بالمرة بالدكتور لندن.
ويشير خبراء كثيرون في التحقيقات إلى وجود فوارق كثيرة بين إسرائيل والعراق. ففي العراق يشارك السجانون في التحقيق بينما لا يتولاه هنا إلا محققو "الشاباك" أو الوحدة (504).
وفي العراق شاركت نساء في أعمال التعذيب والتحقيق.. أما "الشاباك" فلم يجد إلا عدة نساء لقسم التحقيقات وهن لا يشاركن في التحقيق مع الرجال الفلسطينيين. لقد كانت بعض التحقيقات في العراق ذات طابع جنسي واشتباه باغتصاب إحدى المعتقلات. أما في إسرائيل فلم تظهر شكاوى من هذا النوع وإن كانت هناك حالات قليلة وشاذة. *2
ولكن ربما كان الادعاء الأكثر إقناعاً من الوثائق الأمريكية التي كُشف النقاب عنها هذا الأسبوع في "أرشيف الأمن القومي".. وهو مؤسسة من دون أهداف ربحية. يتضمن هذا الأرشيف تعليمات "سي. آي. ايه" منذ عام 1963 والثمانينيات التي تسمح بترهيب المعتقلين وإيلامهم واستغلالهم.
>لقد علّق أحد المسؤولين السابقين في قسم التحقيقات في "الشاباك" على ذلك بالقول إنّ الوثائق الأمريكية ومشاهد التعذيب في أبو غريب تدلل على أنّ الأمريكيين لم يكونوا بحاجة لنا في التحقيق.. وأنّ التحقيق مع الفلسطينيين يبدو كلعبة أطفال بالمقارنة مع ما يحدث هناك. *3
(المقال بقلم يوسي ملمان ونشر في يومية "هآرتس" العبرية في التاسع عشر من مايو 2004)
الهوامش :
*1 صحيح سمعتكم لاتشوبها شائبة خسف الله عمرك
*2 نعم لقد رأيت بأم عيني كيفية معاملة الفلسطينيين في منازلهم وهدمها على رؤوس الأطفال فهل يعقل أن من يفعل هذه الانسانية عيانا بيانا وأمام العالم كله يعاملون السجناء بقسوة .. طبعا السجن فندق سبعة نجوم
*3 للأسف صرنا لعبة طالما أن ولاة الأمر أصبحوا باربي " نسخة موحدة "