عرض مشاركة مفردة
  #1  
قديم 08-06-2004, 02:07 PM
سيد الصبر سيد الصبر غير متصل
Banned
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2004
المشاركات: 400
إفتراضي إنتفاضة آذار 1991 .. أسباب الإخفاق والدروس المستفادة

طاهر الخزاعي

إن انتفاضة الشعب العراقي في شعبان 1411 هـ آذار 1991م
محطة تحتل الصدارة من محطات تاريخ العراق المعاصر مما
يستدعي الوقوف عندها طويلاً لتأملها ودراسة صفحاتها
كاملاً لاستجلاء عناصر القوة فيها - وهي كثيرة - من أجل
التعميق , وفي الوقت ذاته للوقوف على مواطن الخلل وأسباب
الإخفاق التي أدت الى فشل الانتفاضة وعدم تحقيق هدفها
النهائي والأخير وهو الإطاحة بالنظام المتسلط على رقاب
هذا الشعب الأبي المقدام .. إن معرفة أسباب الإخفاق لا
ينبغي أن يكون للتنظير فحسب بل من أجل عدم تكرار الأخطاء
التي حصلت وتفاديها والتخلص من اللدغة الثانية الآتية من
ذات الجحر - وهو المرض العضال التي اُصيبت به الشعوب
العربية والاسلامية -
سيكون التركيز في هذه السطور على موارد الإخفاق وأسباب
الفشل التي حالت دون تحقيق الانتفاضة لهدفها النهائي وإن
حققت أهدفاً أخرى .. والأسباب هنا عديدة ومتشعبة ولعل
أهمها ما يلي :

السبب الأول : الاعتماد على ما وراء الحدود من إمكانيات
متنوعة .
والمقصود في هذا السبب هي ايران بشكل خاص , فقد كانت
لايران صورة في أذهان الشعب العراقي المنتفض تتمثل في
ذلك الفارس الذي ينتظر الصيحة ليهب ويدعم الشعب الثائر
.. كنا أيام الانتفاضة نتوقع المدد من ايران وذلك
لاعتبارات عدة : منها أنَّ ايران الجمهورية الاسلامية
أخذت على عاتقها "دستوريا" دعم حركات التحرر في العالم
ومساندة الشعوب المستضعفة , والشعب العراقي المنتفض كان
مصداقا حياً وصارخاً للذين اُستضعفوا في الأرض ! .. ومن
تلك الاعتبارات أيضا أن انتفاضة شعبان كانت اسلامية في
طابعا الغالب وخاصة في شقها الجنوبي وقد فُتحت الحدود
ولا مجال للأعذار .. ومن الاعتبارات - وهو الأهم - أن
ايران كانت تحتضن المعارضة العراقية المتمثلة بالاسلامية
منها وبشتى صنوفها , ويقيم على أرضها مئات الآلاف من
العراقيين المهاجرين والمعارضين للنظام الصدامي وينتظرون
ساعة الثورة , وها هم اهلهم في العراق قد ثاروا فماذا
ينتظرون , خاصة وأن المعارضة الاسلامية المقيمة في ايران
لها أجنحتها العسكرية مثل قوات بدر وقوات الشهيد الصدر
.. ومن الاعتبارات أيضا ان ايران خاضت ثمان سنوات من
الحرب الدامية التي فرضها النظام المجرم في العراق ولا
زالت تبعات الحرب عالقة والدماء لم تجف بعد أبان
الانتفاضة .. ومن تلك الاعتبارات ان صدام يأوي ويدعم
المعارضة الايرانية ويزودها بالاسلحة المتطورة
والامكانات المتيسرة ! لكل هذه الاعتبارات وغيرها وكان
الثوار ينتظرون النجدة والاغاثة من جهة الشرق ولا
مغيـــث !! .

السبب الثاني : شحة القيادات الميدانية .
من أسباب الاخفاق أن نقصاً ذريعاً في قيادات الميدان
أبان الانتفاضة وبشكل خاص في الجانب العسكري فقد تحولت
الانتفاضة بمرور الأيام الى مجابهة عسكرية مع حرس جمهوري
وجيش نظامي مسلح بالدروع ومُسند بالمدفعية والطائرات
الأمر الذي يتطلب وجود قيادات ميدانية متمرسة وذات خبرة
في المجابهة العسكرية .. نعم كان هناك بعض القادة
الميدانيين وخاصة الذين أطلقلوا الشرارة الاولى
للانتفاضة من الاهوار الا أنهم لم يتحركوا لأبعد من
مدينة الناصرية بأقضيتها ونواحيها , ومع هذا فهم ليسوا
أصحاب تلك الخبرة الكافية التي تمكنهم من مواجهة فرق
عسكرية تنتهي من حرب لتدخل بأخرى !

السبب الثالث : عدم وفرة الامكانيات اللازمة
انطلقت انتفاضة آذار 1991 والعراق يعيش حالة من الانهيار
والتدمير وعلى كافة الأصعدة , فها هو الحصار الاقتصادي
وقد مضى عليه أكثر من ستة أشهر والمواد الغذائية تكاد
تكون معدومة .. ما عند الناس قد نفد وما تمت السيطرة
عليه من قبل الثوار من مواد في المخازن الحكومية نفد
أيضا في الأيام الاولى للانتفاضة .. وكان الناس بأمس
الحاجة الى أرغفة الخبز الى جانب العتاد أيضا وبشكل خاص
حين تحولت الانتفاضة الى مجابهة مع الجيش القادم لقمعها
, واتذكر على سبيل المثال ذهبت مع مجموعة من الثوار
لمواجهة كتيبة مدرعة - وكان ذلك في نهاية الاسبوع الثالث
من الانتفاضة - ذهبت وفي مخزن بندقيتي الخفيفة ثلاثة عشر
اطلاقة فقط !! .
أما الاتصالات فكانت معدومة تماماً لتدميرها خلال القصف
الجوي الامريكي مما جعل الاتصال بين الثوار من مدينة الى
أخرى شاقاً جداً .. لا بل لا وجود له .. حتى وقود
السيارات كان نافذا من محطات البنزين اثناء القصف الجوي
التي سبقت الانتفاضة . إن ضعف هذه الامكانيات اللازمة
وعدم وفرتها بالشكل المطلوب له الدور البارز في إخفاق
الانتفاضة .وقد أدى ذلك الى ما يمكن ان نطلق عليه بـ
"تجزيئية الانتفاضة" بمعنى انعدام التنسيق فيما بين ثوار
المدن المختلفة واكتفاء كل مدينة بثوارها باستثناء حالات
نادرة حصلت . مثل هذا الوضع يُضعف موقف الانتفاضة
ويجعلها فريسة سهلة للنظام حين واجه اعداداً محدودة من
الثوار من مدينة الى أخرى وعدم تمكن ثوار المدن الاخرى
من نجدتهم بالوقت المناسب للسبب أعلاه .

السبب الرابع : الموقف الأمريكي الداعم للنظام !
وهو من الاسباب المهمة في إخفاق الانتفاضة , فما إن
انطلقت الانتفاضة في الشمال والجنوب وقد كان الثوار على
مرأى ومسمع من الامريكان وقد أدركوا عظيم تأثيرها على
مصالح أمريكا وأمنها "القومي" ! فيما لو نجح الشعب في
ثورته ليحكم نفسه بنفسه , وبالتالي ستكون أهداف عاصفة
الصحراء وتحرير الكويت وحتى غزو الكويت ستذهب جميعها مع
أدراج الرياح التي هبت في الخامس من عشر من شعبان ! ما
إن أدرك الامريكان ذلك حتى أوعزوا لصدام بضرب الشعب
الثائر من خلال فك الحصار عن قوات الحرس الجمهوري
المتكدسة في الصحراء بين البصرة والناصرية للتحرك لقمع
المنتفضين , وكذلك من خلال السماح للنظام العراقي
باستخدام طائرات الهليكوبتر, ومع الضوء الاخضر الامريكي
استأسد النظام على الشعب ليحقق ما فاته من انتصارات في
عاصفة الصحراء !! لقد كانت طائرات النظام السمتية تقصف
المدن الثائرة وفوقها كانت طائرات التحالف تحلق بسرعة
منخفضة ! وهذا المشهد من المشاهد التي لا يمكن أن تدور
عليها دائرة النسيان في ذاكرة انتفاضة الشعب العراقي !
ولقد سئل شوارتسكوف - الجنرال الامريكي المعروف - وذلك
في فيلم وثائقي عن حرب الخليج الثانية , سئل عن هذا
الدعم للنظام العراقي أبان الانتفاضة فأجاب بأن النظام
العراقي قد خدعنا حيث طلب السماح لطائراته لنقل
المسؤولين العراقيين وقد استخدمها لضرب الانتفاضة ! ..
والطريف ان الامريكان لم ينخدعوا على طول الخط في قضيتهم
مع صدام الا في هذه , سبحان الله ! .

السبب الخامس : الموقف السلبي للدول الاقليمية العربية
وقفت الدول العربية ممن لها حدود مع المدن العراقية
المنتفضة كالسعودية والكويت موقفاً سلبياً من انتفاضة
الشعب العراقي .. فالكويت كانت تعيش أفراح الانتصار
والتحرير وهي بالوقت نفسه تعيش أزمة نفسية من العراق
حكومة وشعباً وأرضا وماءً وهواءً بسبب تداعيات الغزو
الصدامي , والى هذا اليوم تتحرك الكويت في الملف العراقي
من وحي من تلك الأزمة النفسية .. والسعودية على استعداد
كامل لدعم مجموعات في الشيشان وافغانستان والبوسنة وأي
بلد آخر يحتاج المسلمون فيه الى مساعدة باستثناء أن لا
تكون في مواجهة اسرائيل وأن لا تكون فيك رائحة التشيع !
وها هي رائحة انتفاضة جنوب العراق تفوح رائحتها !
فالمصلحة الطائفية - السياسية هي التي اقتضت أن لا تدعم
السعودية الانتفاضة , وليس هذا فحسب بل طلبت السعودية من
أمريكا أن تجهض هذه الانتفاضة وأن لا تتحقق أهدافها..
ولهذا السبب سوف تقف السعودية الموقف ذاته من أي انتفاضة
مقبلة طالما أن هويتها لا تروق لهم ..
__________________
السلفيالمحتار سابقا السندباد