التي كانت لا تغيب الشمس عن ملكها فصارت عصابات إيرلندا تقض مضجعها وترغم أنفها والمستقبل قادم بمثل ذلك لوريثتها أمريكا بإذن الله .
وسار في ركابهم من المنتسبين إلى الإسلام زعامات عميلة وقيادات ذليلة انسلخت من دينها وكفرت بوعد ربها وكذبت خبر رسولها صلى الله عليه وسلم واستحوذ عليها حب الدنيا وحطامها فتجدهم أحرص الناس على كرسي ولو تحت أقدام اليهود .
هذه الزعامات ربطت مصيرها بعجلة الكفر وخانت أمتها في أعز ما تملك وحضرت مؤتمر مدريد وما أدراك ما مدريد ؟
لقد اختار أهل الكتاب أن يسجلوا تاريخ نصر اليهود واستعادتهم لمملكة التلمود حيث استعاد النصارى فردوسهم المفقود وفي البقعة التي انطلقوا منها لاكتشاف العالم الجديد، الذي تزعم المؤتمر المنكود .
ولئن كان هذا المؤتمر المتآمر هو سبب المحاضرة المباشر فإنني لم أخض في تفصيلات الأحداث وتحليلات الوقائع فيه أو فيما تلاه بل لم أجهد نفسي للبحث في ذلك لسبب واحد هو أن الإسلام قد غاب - بل غيب - عن المؤتمر وإنما حضره اليهود والنصارى وأولياؤهم الذين لو فتحوا القدس بل لو فتحوا روما لما كانوا إلا مرتدين ملحدين فكيف وهم يتكففون السلام ويقبلون الأقدام ويدفعون الجزيات الجسام . وما مدريد إلا زيادة في الكفر وإيغال في الردة .
وإنما القصد الأول لمن وفقه الله لحمل ميراث النبوة وتجديد الدين أن يعيد الناس إلى حقائق الإيمان وأصول الدين مستمدة من منبعها الصافي ومعينها الزلال ، ثم يأتي الحديث عن مكر الأعداء ومؤامرة الدخلاء تبعًا لا قصدا ووسيلة لا غاية.
وقد وفق الله تعالى هذه الصحوة الممتدة المباركة لبدء الطريق من أوله والبناء من أساسه والإقبال على تصحيح العقيدة وتقويم المسار وربط كل قضية مهما صغرت بأصل الدين والإيمان وحقيقة العبودية فبان لها سبيل الولاء والبراء وظهر لها كيد المنافقين وأهل الكتاب في الأصل والجملة وأصبح لزامًا على من تصدر لتذكيرها بأيام اللّه وتبصيرها بدين الله أن
يبينوا لها من المعالم ما هو كثر تفصيلا وأبين قيلاً وذلك بالتوعية العامة للقاعدة العريضة من الأمة مع مخاطبة الفئة المثقفة بما يلائمها من عميق الفكر ودقيق البحث .
فالتوعية العامة التي تتخذ شكل العرض الواضح والحقائق المبسطة والربط الجلي بين مقتضيات العقيدة وأحداث الواقع من أجل الواجبات على من بصره اللّه بذلك من قادة الصحوة فهي فوق كونها مقتضى الإيفاء بميثاق الكتاب من أعظم الحقوق لهذه الصحوة عليهم ، لتتجلى معالم اليقين ولتستبين سبيل المجرمين ، وهذه الإبانة هي أساس لعقيدة الولاء والبراء . وهذه العقيدة أساس لمخاطبة الغرب الكافر باللغة التي يفهمها ولا يفهم سواها - اللغة التي يرهبها الغرب مع أننا لا زلنا في أبجديتها.
إن الحديث عن الحقوق المشروعة والقرارات الدولية الذي استنزف ويستنزف من الإعلام العربي ما يملأ البحار لم يجد أذنًا - ولا عُشرَ أذن - كتلك التي أحدثها انفجار مشاة البحرية في بيروت والهجوم على ثكناتهم في مقديشو، بهذه اللغة وحدها يسحب الكفر أذيال الهزيمة وتنحني هامات "الخواجات " العتية أمام مجموعات طائفية وعصابات قبلية وليست جيوشًا دولية ، وإن استرداد بضعة قرى ومدن في البوسنة قلب المؤشر الصليبي وأرغمه على إعادة حساباته . وإن أي خطاب للكفر لا يستخدم هذه اللغة هو لغو من القول وزور من العمل ، الغرب الذي يجرد الجمهوريات الإسلامية من سلاحها النووي ويكدسه بيد روسيا الأرثوذكسية بل يرغي ويزبد إذا اشترت دولة عربية سلاحَا من الصين أو الأرجنتين ، إنه لا يرضى بأقل من أن نصبح خدمًا بين يديه (كتلك الصورة التي نشرتها الصحف الأمريكية للمسلمين وهم يمسحون حذاء رئيس حكومة اليهود) .
وإن ما يُسمى مشروع السلام لم يأت تبعًا لتغير الظروف الدولية وانحسار مرحلة الحرب الباردة ووفقًا لمقتضيات الوفاق الدولي كما يصور ذلك الإعلام الغربي و ذيله الإعلام العربي ، فهذه التغيرات نفسها أعراض للمتغير الأساسي وهو الخطة الصهيونية للسيطرة على العالم كافة والمنطقة الإسلامية خاصة .
إن هذه الخطة ببساطة - قد عدلت عن فكرة إقامة دولة إسرائيل الكبرى، وبعبارة أصح قد عذلت هذه الفكرة لأسباب ذاتية ضرورية أهمها أن دولة اليهود وجدت نفسها بعد 40 سنة من قيامها عبارة عن مركب من المتناقضات وكائن غريب في محيط من العداوات .
فعلى المستوى الأمني لم تنجح في السيطرة على ما ابتلعته من أرض فلسطين فكيف تسعى لمزيد من الأراضي ؟ وإن لبنان التي هي أضعف الجيران وأبعدهم عن العدوان ظلت مصدر قلق وإزعاج لا نهاية له حتى بعد اجتياحها المعروف .
والمشكلة السكانية تشكل أعمق المشكلات وأبعدها تأثيرا فكثير من اليهود لم تخدعهم الوعود المعسولة والإغراءات البراقة للهجرة إلى أرض تعج بالمساوئ الاجتماعية من اختلال الأمن إلى الطبقية المقيتة إلى التناحر الحزبي . . إلخ .
إن هذه الأفاعي عندما تجتمع - على اختلاف ألوانها وأشكالها - لابد أن يذوق بعضها سم بعض إضافة إلى الحجارة التي تهشم رؤوسها باستمرار من أيدي أشبال الإسلام ، فكيف إذا وصل الأمر إلى الرصاص ؟ ولقد رعبت دولة اليهود من ارتفاع مؤشر الهجرة المضادة وقلة استجابة السكان لدواعي تكثير النسل وأظهرت الإحصائيات الرسمية أنه مقابل كل شهيد من أبناء فلسطين المسلمة يولد عشرات وعشرات .
ومن تجربة إسرائيل التي لا تقبل النقاش أنها أعجز ما تكون عن استئصال المقاومة بنفسها فعملاؤها هم الذين تولوا سحق الفلسطينيين في لبنان والأردن وسورية والكويت وغيرها . فلماذا لا تضع يدها في أيديهم ضمن خطة أخرى تتنازل فيها عن أوسع حدود الأرض التوراتية إلى أضيقها ولا غرابة في هذا على عقيدة اليهود التي تؤمن بالبداء وبأن الأحبار يصححون أخطاء الرب ، تعالى اللّه عما يصفون .
ثم إن إسرائيل لكي تقنع الإنسان الغربي المفتون بدعوى الديمقراطية وحقوق الإنسان لا تستطيع أن تظل ثكنة عسكرية وسجنًا كبيرًا إلى الأبد .
كما أن المقاطعة العربية مهما بدت شكلية توفر حاجزا نفسيا لشعوب المنطقة، فلابد من افتعال حركة "تكتيكية " يتراجع فيها اليهود ويسلمون بما يسمى "الحكم الذاتي المحدود" لكي يتم الهدف الأكبر استراتيجيًا التخلي عن التوسع الجغرافي مقابل التغلغل السياسي والاقتصادي والثقافي " وهو ما عبر عنه أكثر من مفكر ومسؤول بمصطلح ( الولايات المتحدة الشرق أوسطية" !!
وهكذا سيؤدي فتح الحدود الثقافية والاجتماعية والاقتصادية وإعلان فتح القنوات السياسية إلى أن يصبح يهود إسرائيل في الشرق الأوسط كيهود نيويورك في أمريكا ، وتصبح ثروات المسلمين ركازًا لهم وجامعاتهم ومؤسساتهم الثقافية أوكارًا لفكرهم ، وحواضرهم التجارية مراكز لبنوكهم وتجارتهم وأسواقا لبضائعهم ويصبح عامة الشعوب العربية عمالاً كادحين لخدمة البارون اليهودي الربوي !!
هذا هو هدف السلام المزعوم مهما غلفوه أو قنعوه ، والتخطيط الصهيوني لم يتغير ارتجالاً ولا هو نتيجة دراسات فكرية وميدانية بحتة كما يظهر - بل إن أسبابه وجذوره تمتد إلى ما هو أعمق من ذلك إلى خبيئة النفسية اليهودية وحقيقة الجبلة اليهودية وواقع التاريخ اليهودي القديم والحديث .
فقيام كيان يهودي متميز مستقل كسائر الكيانات السياسية أو العقدية في العالم أمر يتنافى مع تلك النفسية والجبلة والتاريخ والخطأ الأكبر الذي وقع فيه مسطرو أحلام العودة منذ الأسر البابلي إلى الاضطهاد الأوربي وخطط له أمثال هرتسل وفيشمان ووايزمان هو أنهم غفلوا أو تغافلوا عن هذه الحقيقة، فلما قام الكيان المنشود خرجت الحقيقة كالشمس من تحت الركام !!
وليس بخاف على اليهود ولا على المطلعين على الحركة الصهيونية الحديثة أن جماعات وزعامات يهودية (دينية وفكرية) ترفض قيام دولة يهودية متميزة بل تعكس النبوءات التوراتية على أهلها وتقول إن قيام هذه الدولة هو نذير الهلاك والفناء لليهود، ولها على ذلك أدلة وشواهد من الأسفار والمزامير ومن واقع التاريخ .
لقد جسد قيام دولة إسرائيل المأزق الكبير الذي وقع فيه اليهود حين اصطدمت الأحلام التلمودية العنصرية التي لا حدود لها بواقع النفسية اليهودية العليلة التي لم تكن يومًا من الأيام رأسًا في قضية ولو كانت قضيتها الذاتية فكيف تكون رأسًا في قضية العالم كله ، ولذلك فإنها تعلل نفسها بخروج المسيح الموعود الذي يحمل عنها هذه التبعة . فاليهود لم يكونوا في حقبة من أحقاب تاريخهم رأسًا في قضية وإن كانت قضيتهم ، ولو كانوا كذلك مرة واحدة لكانت في هذا العصر وهو ما لم يكن !! فهم كالشجرة الطفيلية لا تنمو إلا على ساق غيرها أو الدودة المعوية التي لا تكل إلا قوت غيرها، فمن حادثة بنى قينقاع حيث كان المنافقون هم الناطقين الرسميين والمدافعين الظاهرين إلى مؤامرة الأحزاب حيث كان الجند جند قريش وحلفائها لا جند قريظة وأخواتها ؛ إلى الإدارة الأمريكية حيث لا يزال اليهود - وهم يسيطرون على الجزء الأكبر من الاقتصاد والإعلام والتأثير السياسي . . الخ - يستخدمون أمثال نيكسون وكارتر وريجان وبوش وهم جميعَا نصارى! !
وقد عاشوا في أحشاء أوربا وتسلقوا شجرة الحقد الصليبي فكان لهم حبل من الناس .
وعندما أصبح لهم لأول مرة منذ قرابة ألفي سنة دولة وحكومة ظهرت السنة الربانية {تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ (14)} (الحشر: 4 ا) فهذه الدولة تعج بالمتناقضات والصراعات ، وتتكفف العالم كله وتعصر اليهود وغيرهم في كل مكان عصرًا لإدرار التبرعات ، ولا تستغني في أي محفل دولي عن المندوب الأمريكي ونظرائه ،وإن كانت في الظاهر تمثل مع أمريكا دور الثعلب مع النمر !! (2) .
إنهم دائمَا يحركون الدمى من وراء الستار ولو ظهروا على المسرح لانكشفت سوءاتهم وبطل سحرهم . إنهم يحرصون على تبنى أي رئيس أمريكي والإحاطة به ولكنهم لا يستطيعون أو لا يفكرون في أن يجعلوه رئيسًا يهوديًا وحكومته حكومة يهودية صريحة !!
وأمر آخر يقض مضاجع يهود دولة إسرائيل هو أنه ليس في وسع الشراهة اليهودية العمياء أن تظل حبيسة الأرض التي قالت عنها التوراة أنها تفيض لبنًا وعسلاً مع أن المنطقة الكبرى حولها تفيض نفطا وذهبًا ثم تظل رهينة الفكرة الداعية لقيام دولة ما بين الفرات والنيل وفق النموذج النازي العسكري الذي عجزوا عجزًا واضحًا عن السيطرة على ما تم لهم منه .
بل إن ما تحقق من هذا الحلم كاف للعدول إلى الفكرة الأخرى التي أقام عليها (روتشيلد) و ذريته مملكة لا نظير لها في التاريخ << مملكة الربا والإعلام والجاسوسية >> وهي مملكة تتفق تمامًا مع الجبلة الطفيلية وليكن ما احتلوا من الأرض في حروبهم المتعددة أو جزء منه منطلقًا لهذه المملكة وتربة لهذه الشجرة الطفيلية التي سوف تترعرع وتخترق بثقافتها وفكرها ومناهجها سائر المنطقة التي يسيل لُعاب العالم كله لثرواتها !
فإلى متى يظل وصولهم إلى هذه الثروات الهائلة والكنوز السائلة ملتويًا يمر بقناة الأمريكان والأوربيين ! ! وهم الجيران الأدنون ؟!
إن اليهود أكثر دهاء وأكثر شراهة من أن يظلوا موغلين في خطأ جسيم كهذا - خطأ التوسع الجغرافي غير المضمون حتى لو كان هذا هو ما تخيله أحبار التلمود منذ سحيق العهود، وسواء خرج المسيح أو لم يخرج ! !
ـــــــــــــــــــــــــ
(2) يقال في الأساطير أن الثعلب رغم أن الوحوش تهابه كما تهاب النمر فكذبه النمر في هذا، فقال الثعلب : البرهان أن تسير معي في الغابة وترى كيف تفر مني كلها، فسار النمر معه وكلما مر على حيوان هرب منه لا من الثعلب ، والثعلب يقول : هل صدقت الآن ؟ وهكذا اليهود مع الأمريكان !
ـــــــــــــــــــــــــ
|