عرض مشاركة مفردة
  #66  
قديم 10-06-2004, 02:54 AM
الصورة الرمزية لـ الوافـــــي
الوافـــــي الوافـــــي غير متصل
عضو جديد
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2003
الإقامة: saudia
المشاركات: 24,409
إفتراضي

هنا ( إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا ) تحتمل بحسب العمل، أن يكون المنفي الإجزاء، أو أن يكون المنفي الأجر والثواب، أو أن يكون المنفي الرضا به والمحبة له، يعني: لهذا العبد حين عمل هذا العمل.
فقال : ( لا يقبل إلا طيبا ) يعني الذي يوصف بأنه مجزئ، وأنه مرضي عنه عند الله -جل وعلا- وأنه يثاب عليه العبد هو الطيب، وأما غير الطيب فليس كذلك، فقد يكون غير مرضي، أو غير مثاب عليه، وقد يكون غير مجزئ أصلا، بحسب تفاصيل ذلك في الفروع الفقهية.
إذا تقرر هذا فقوله -عليه الصلاة والسلام- هنا: ( لا يقبل إلا طيبا ) هذا فيه أن الله -جل وعلا- إنما يقبل الطيب على الحصر.
و"الطيب" جاءت النصوص ببيان أن الطيب يرجع إلى الأقوال، وإلى الأعمال، وإلى الاعتقادات.
فحصل أن الله -جل وعلا- من آثار أنه طيب أنه لا يقبل من الأقوال إلا الطيب، ولا يقبل من الأعمال إلا الطيب، ولا يقبل من الاعتقادات إلا الطيب.
ما هو القول الطيب، والعمل الطيب، والاعتقاد الطيب؟
فسرنا الطيب -أولا- بأنه هو المبرأ من النقائص والعيوب ، وكذلك القول والعمل والاعتقاد هو المبرأ من النقص والعيب، يعني: الذي صار بريئا من خلاف الشريعة.
فالطيب هو الذي وُوفِق فيه الشرع، فالقول والطيب هو الذي كان على منهاج الشريعة، والعمل الطيب هو الذي كان على منهاج المصطفى صلى الله عليه وسلم والاعتقاد الطيب ما كان عليه الدليل من الكتاب ومن السنة.
فهذا هو الطيب من الأقوال والأعمال والاعتقادات.
وإذا صار قول المرء طيبا فإنه لا يكون خبيثا، والخبيث لا يستوي والطيب، كما في آية "المائدة": قُل لاَّ يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُواْ اللّهَ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ {100}.
وكذلك في الأعمال والاعتقادات، فنتج من ذلك أن العبد -إذا تحقق بالطِيبِ في قوله وعمله واعتقاده- صار طيبا في ذاته، والطيب له دار الطيبين ، كما قال -جل وعلا- : الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُواْ الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ {32} سورة النحل .
ومن صار عنده خبث في بدنه وروحه، نتيجة لخبث قوله، أو خبث عمله، أو خبث اعتقاد، ولم يغفر الله -جل وعلا- له، فإنه يُطَهَّر بالنار حتى يدخل الجنة طيبا؛ لأن الجنة طيبة لا يصلح لها إلا الطيب.
وهذا -في الحقيقة- فيه تحذير شديد، ووعيد وتخويف من كل قول أو عمل أو اعتقاد خبيث، يعني: لم يكن على وفق الشريعة، فالطيب هو المبرأ من النقص، وأعظم النقص في العمل، أو من أعظم ما ينقص العمل أن يتوجه به إلى غير الله -جل وعلا-، وأن تُقْصَد به الدنيا.
فتَحَصَّل هنا أن قوله : ( إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا ) يعني: لا يقبل من العمل والقول والاعتقاد إلا ما كان على وفق الشريعة، وأُرِيدَ به وجهه -جل وعلا-، هذا حاصل تعريف الطيب؛ لأن العلماء نظروا في كلمة "طيب" في وصف الله -جل وعلا- وفيما ما يقابلها، وتنوعت أقوالهم، والذي يحقق المقام هو ما ذكرته لك.
قال -عليه الصلاة والسلام-: ( وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين ) .
المرسلون أُمِرُوا وأتباع المرسلين -الذين هم المؤمنون- أُمروا -أيضا- بما أُمر به المرسلون، فقال -جل وعلا- في قوله : يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ {51}في آية "المؤمنون".
وقال -جل وعلا- في وصف المؤمنين، أو في أمره للمؤمنين في آية "البقرة" : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُواْ لِلّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ {172}.
فأمر المؤمنين بأن يأكلوا من الطيبات، وأمر المرسلين بأن يأكلوا من الطيبات، وأمر الجميع بأن يعملوا صالحا، وهذا يدل على أثر أكل الطيبات في العمل الصالح؛ لأن الاقتران في قوله : يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ {51}سورة المؤمنون ، لأن الاقتران يدل على أن بينهما صلة، والصلة ما بين أكل الطيب والعمل الصالح هي تأثير الأكل الطيب في العمل الصالح.
ولهذا قال كثير من أهل العلم : إن العمل لا يكون صالحا حتى يكون من مال طيب. فالصلاة لا تكون صلاة صالحة مقبولة حتى يكون فيها الطيب من الأقوال، ويكون لباس المرء طيبا، ويكون تخلص من الخبيث من النجاسات وغيرها، إلى آخر ذلك .
والزكاة لا تكون مقبولة حتى تكون طيبة، بأن تكون عن نفس طيبة، وألا يراد بها رياء ولا سمعة إلى آخر ذلك.
والحج كذلك؛ فمن حج من مال حرام لم يُقْبَل حجه؛ لأن الله -جل وعلا- لا يقبل إلا الطيب.

.. يتبع ..
__________________


للتواصل .. ( alwafi_248@hotmail.com )

{ موضوعات أدرجها الوافـــــي }