عرض مشاركة مفردة
  #15  
قديم 21-06-2004, 01:48 AM
النسري النسري غير متصل
كاتب مغوار
 
تاريخ التّسجيل: Jun 2004
الإقامة: الأردن
المشاركات: 2,917
إرسال رسالة عبر ICQ إلى النسري
إفتراضي الحكم الإسلامي على ساب أمهات المؤمنين الطاهرات

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، ثم أما بعد:
جزاك الله خيرا أخي الوافي وأفادك الله من علمه وعلمك ما يفيدك وجعله الله في ميزان حسناتك إنه لا يخلف الميعاد

إن أمهات المؤمنين رضي الله عنهن داخلات في عموم الصحابة رضي الله عنهم، لأنهن منهم، وكل ما جاء في تحريم سب الصحابة من آيات قرآنية وأحاديث نبوية فإن ذلك يشملهن، ولما لهن من المنزلة العظيمة وقوة قرابتهن من سيد الخلق صلى الله عليه وسلم، ولم يغفل أهل العلم عن حكم سابهن وعقوبته، بل بينوا ذلك أوضح بيان في أقوالهم المأثورة ومؤلفاتهم المختلفة.

أقول: إن أهل العلم من أهل السنة والجماعة أجمعوا قاطبة على أن من طعن في عائشة رضي الله عنها بما برأها الله منه وبما رماها به المنافقون من الإفك فإنه كافر مكذب بما ذكره الله في كتابه من إخباره ببراءتها وطهارتها، وقالوا إنه يجب قتله.
وقد ساق أبو محمد بن حزم الظاهري بإسناده إلى هشام بن عمار قال: سمعت مالك بن أنس يقول من سب أبا بكر وعمر جلد، ومن سب عائشة قتل، قيل له : لم يقتل في عائشة؟ قال : لأن الله تعالى يقول في عائشة رضي الله عنها {يعظكم الله أن تعودوا لمثله أبداً إن كنتم مؤمنين }، قال مالك فمن رماها فقد خالف القرآن، ومن خالف القرآن قتل. قال أبو محمد رحمه الله: قول مالك هانا صحيح وهي ردة تامة وتكذيب لله تعالى في قطعه ببراءتها.[1]
وحكى أبو الحسن الصقلي أن القاضي أبا بكر الطيب قال: إن الله تعالى إذا ذكر في القرآن ما نسبه إليه المشركون سبح نفسه لنفسه، كقوله {وقالوا اتخذ الله ولدا سبحانه }، وذكر تعالى ما نسبه المنافقون إلى عائشة فقال {ولولا إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا سبحانك }، سبح نفسه في تبرئتها من السوء كما سبح نفسه في تبرئته من السوء، وهذا يشهد لقول مالك في قتل من سب عائشة، ومعنى هذا والله أعلم أن الله لما عظم سبها كما عظم سبه وكان سبها سباً لنبيه، وقرن سب نبيه وأذاه بأذاه تعالى، وكان حكم مؤذيه تعالى القتل، كان مؤذي نبيه كذلك.[2]
وقال أبو بكر بن العربي: إن أهل الإفك رموا عائشة المطهرة بالفاحشة فبرأها الله، فكل من سبها بما برأها الله منه فهو مكذب لله، ومن كذب الله فهو كافر، فهذا طريق قول مالك، وهي سبيل لائحة لأهل البصائر ولو أن رجلاً سب عائشة بغير ما برأها الله منه لكان جزاؤه الأدب.[3]
وذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله بعض الوقائع التي قتل فيها من رماها رضي الله عنها بما برأها الله منه، حيث يقول: وقال أبو بكر بن زياد النيسابوري : سمعت القاسم بن محمد يقول لإسماعيل بن إسحاق أتى المأمون بالرقة برجلين شتم أحدهما فاطمة والآخر عائشة، فأمر بقتل الذي شتم فاطمة و ترك الآخر، فقال إسماعيل: ما حكمهما إلا أن يقتلا لأن الذي شتم عائشة رد القرآن.
قال شيخ الإسلام: وعلى هذا مضت سيرة أهل الفقه والعلم من أهل البيت وغيرهم.
قال أبو السائب القاضي: كنت يوماً بحضرة الحسن بن زيد الدعي بطبرستان، وكان بحضرته رجل فذكر عائشة بذكر قبيح من الفاحشة، فقال : يا غلام اضرب عنقه، فقال له العلويون: هذا رجل من شيعتنا، فقال: معاذ الله إن هذا رجل طعن على النبي صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى {الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات، والطيبات للطيبين والطيبون للطيبات، أولئك مبرءون مما يقولون، لهم مغفرة ورزق كريم}، فإن كانت عائشة خبيثة فالنبي صلى الله عليه وسلم خبيث، فهو كافر فاضربوا عنقه، فضربوا عنقه وأنا حاضر.
و روي عن محمد بن زيد أخي الحسن بن زيد أنه قدم عليه رجل من العراق فذكر عائشة بسوء فقام إليه بعمود فضرب دماغه فقتله، فقيل له: هذا من شيعتنا ومن بني الآباء، فقلا: هذا سمى جدي قرنان –أي من لا غيرة له-، ومن سمى جدي قرنان استحق القتل فقتلته.
وقال القاضي أبو يعلى: من قذف عائشة بما برأها الله منه كفر بلا خلاف، وقد حكي الإجماع على هذا غير واحد، وصرح غير واحد من الأئمة بهذا الحكم.
وقال أبي موسى –وهو عبد الخالق بن عيسى بن أحمد بن جعفر الشريف الهاشمي إمام الحنابلة ببغداد في عصره-: ومن رمى عائشة رضي الله عنها بما برأها الله منه فقد مرق من الدين ولم ينعقد له نكاح على مسلمة.[4]
وقال ابن قدامة المقدسي: ومن السنة الترضي عن أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم أمهات المؤمنين المطهرات المبرآت من كل سوء، أفضلهم خديجة بن خويلد وعائشة الصديقة بنت الصديق التي برأها الله في كتابه، زوج النبي صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة، فمن قذفها بما برأها الله منه فقد كفر بالله العظيم.[5]
وقال الإمام النووي في صدد تعداده الفوائد التي اشتمل عليها حديث الإفك: الحادية والأربعون: براءة عائشة رضي الله عنها من الإفك وهي براءة قطعية بنص القرآن العزيز، فلو تشكك فيها إنسان والعياذ بالله صار كافراً مرتداً بإجماع المسلمين، قال ابن عباس و غيره: لم تزن امرأة نبي من الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، وهذا إكرام من الله تعالى لهم.[6]
وقد حكى العلامة ابن القيم اتفاق الأمة على كفر قاذف عائشة رضي الله عنها، حيث قال:واتفقت الأمة على كفر قاذفها.[7]
وقال الحافظ ابن كثير عند قوله تعالى {إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا في الدنيا والآخرة ولهم عذاب عظيم}، قال: أجمع العلماء رحمهم الله قاطبة على أن من سبها بعد هذا ورماها بما رماها به بعد هذا الذي ذكر في هذه الآية،فإنه كافر لأنه معاند للقرآن.[8]
وقال بدر الدين الزركشي:من قذفها فقد كفر لتصريح القرآن الكريم ببراءتها.[9]
وقال السيوطي عند آيات سورة النور التي نزلت في براءة عائشة رضي الله عنها من قوله تعالى{إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم..الآيات}،قال:نزلت في براءة عائشة فيما قذفت به،فاستدل به الفقهاء على أن قاذفها يقتل لتكذيبه لنص القرآن،قال العلماء: قذف عائشة كفر لأن الله سبح نفسه عند ذكره فقال سبحانك هذا بهتان عظيم،كما سبح نفسه عند ذكر ما وصفه به المشركون من الزوجة والولد.[10]
قلت:هذه الأقوال المتقدمة عن هؤلاء الأئمة كلها فيها بيان واضح أن الأمة مجمعة على أن من سب أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وقذفها بما رماها به أهل الإفك،فإنه كافر حيث كذب الله فيما أخبر به من براءتها وطهارتها رضي الله عنها،وأن عقوبته أن يقتل مرتداً عن ملة الإسلام.
وأما حكم من سب غير عائشة من أزواجه صلى الله عليه وسلم،ففيه قولان:
أحدهما:أن حكمه كحكم ساب غيرهن من الصحابة؛وحكم ساب الصحابة وعقوبته هي:
1– ذهب جمع من أهل العلم إلى القول بتكفير من سب الصحابة رضي الله عنهم أو تنقصهم وطعن في عدالتهم وصرح ببغضهم وأن من كانت هذه صفته فقد أباح دم نفسه وحل قتله،إلا أن يتوب من ذلك وترحم عليهم.
وممن ذهب إلى ذلك:الصحابي الجليل عبد الرحمن بن أزى وعبدالرحمن بن عمرو الأوزاعي وأبو بكر بن عياش، وسفيان بن عيينة،ومحمد بن يوسف الفريابي وبشربن الحارث المروزي وغير كثير.
فهؤلاء الأئمة صرحوا بكفر من سب الصحابة وبعضهم صرح مع ذلك أنه يعاقب بالقتل،وإلى هذا القول ذهب بعض العلماء من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة والظاهرية.
2- وذهب فريق آخر من أهل العلم إلى أن ساب الصحابة لا يكفر بسبهم بل يفسق ويضلل ولا يعاقب بالقتل، بل يكتفي بتأديبه وتعزيره تعزيراً شديداً يروعه ويزجره حتى يرجع عن ارتكاب هذا الجرم الذي يعتبر من كبائر الذنوب والفواحش المحرمات، وإن لم يرجع تُكرر عليه العقوبة حتى يظهر التوبة.
وممن ذهب إلى هذا القول : عمر بن عبد العزيز وعاصم الأحول والإمام مالك والإمام أحمد وكثير من العلماء مما جاء بعدهم.
الثاني: وهو الأصح من القولين على ما سيتضح من أقوال أهل العلم أن من قذف واحدة منهن فهو كقذف عائشة رضي الله عنها.
التوضيح: أخرج سعيد بن منصور وابن جرير الطبري والطبراني وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما أن قرأ سورة النور ففسرها،فلما أتى على هذه الآية {إن الذين يرمون المحصنات الغافلات}، قال: هذه في عائشة وأزواج النبي صلى الله علية وسلم،ولم يجعل لمن فعل ذلك توبة،وجعل لمن رمى امرأة من المؤمنات من غير أزواج النبي صلى الله عليه وسلم التوبة،ثم قرأ {والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء}إلى قوله{إلا الذين تابوا}،ولم يجعل لمن قذف امرأة من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم توبة، ثم تلا هذه الآية {لعنوا في الدنيا والآخرة ولهم عذاب عظيم}، فهمّ بعض القوم أن يقوم إلى ابن عباس فيقبل رأسه لحُسنِ ما فسّر.[11]
قال ابن تيمية: فقد بين ابن عباس أن هذه الآية إنما نزلت فيمن يقذف عائشة وأمهات المؤمنين لما في قذفهن من الطعن على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعيبه، فإن قذف المرأة أذىً لزوجها كما هو أذى لابنها،لأنه نسبة له إلى الدياثة وإظهار لفساد فراشه، فإن زناء امرأته يؤذيه أذىً عظيماً،ولهذا جوز له الشارع أن يقذفها إذا زنت، ودرء الحد عنه باللعان ولم يبح لغيره أن يقذف امرأة بحال.[12]
وقد قال كثير من أهل العلم أن بقية أزواج النبي صلى الله عليه وسلم لهن حكم أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها.
فقد قال أبو محمد ابن حزم بعد أن ذكر أن رمي عائشة رضي الله عنها ردة تامة و تكذيب للرب –جلا وعلا– في قطعه ببراءتها، قال: وكذلك القول في سائر أمهات المؤمنين ولا فرق، لأن الله تعالى يقول {والطيبات للطيبين والطيبون للطيبات، أولئك مبرؤون مما يقولون}، فكلهن مبرآت من قول إفك والحمد لله رب العالمين.[13]

يتبع ............
__________________