
21-06-2004, 01:52 AM
|
كاتب مغوار
|
|
تاريخ التّسجيل: Jun 2004
الإقامة: الأردن
المشاركات: 2,917
|
|
تابع حكم سب أمهات المسلمين رضي الله عنهن وأرضاهن
.... تابع لما قبله....
وذكر القاضي عياض عن ابن شعبان –محمد بن القاسم بن شعبان أبو إسحاق ابن القرطبي من نسل عمار بن ياسر، رأس الفقهاء المالكيين بمصر ت355هـ–أنه قال: ومن سب غير عائشة من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ففيها قولان:
أحدهما: يقتل لأنه سب النبي صلى الله عليه وسلم، بسب حليلته.
والآخر: أنها كسائر الصحابة يجلد حد المفتري، قال: وبالأول أقول.[14]
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وأما منسب غير عائشة من أزواجه صلى الله عليه وسلم ففيه قولان:
أحدهما: أنه كساب غيرهن من الصحابة.
والثاني: وهو الأصح أنه من قذف واحدة من أمهات المؤمنين فهو كقذف عائشة رضي الله عنها..وذلك لأن هذا فيه عار وغضاضة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأذى له أعظم من أذاه بنكاحهن.[15]
و قال الحافظ ابن كثير رحمه الله بعد قوله تعالى {إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا في الدنيا والآخرة ولهم عذاب عظيم}: هذا وعيد من الله تعالى للذين يرمون المحصنات الغافلات ، خرج مخرج الغالب المؤمنات، فأمهات المؤمنين أولى بالدخول في هذا من كل محصنة ولا سيما التي كانت سبب النزول، وهي عائشة بنت الصديق رضي الله عنهما –إلى أن قال-: وفي بقية أمهات المؤمنين قولان: أصحهما أنهن كهي والله أعلم.[16]
ومما يرجح القول بأن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم غير عائشة في الحكم وجوه:
الوجه الأول: أن لعنة الله في الدنيا والآخرة لا تستوجب بمجرد القذف، وأن اللام في قوله تعالى {المحصنات الغافلات المؤمنات} لتعريف المعهود، والمعهود هنا أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، لأن الكلام في قصة الإفك ووقوع من وقع في أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، أو قصر اللفظ العام على سببه للدليل الذي يوجب ذلك.
الوجه الثاني: أن الله سبحانه رتب هذا الوعيد على قذف محصنات غافلات مؤمنات، وقال في أول سورة النور: {والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة..الآية} فترتب الجلد ورد الشهادة والفسق على مجرد قذف المحصنات، فلا بد أن تكون المحصنات الغافلات المؤمنات لهن مزية على مجرد المحصنات وذلك –والله أعلم– لأن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم مشهود لهن بالإيمان لأنهن أمهات المؤمنين وهن أزواج نبيه في الدنيا والآخرة وعوام المسلمات إنما يعلم منهن في الغالب ظاهر الإيمان ولأن الله سبحانه قال في قصة عائشة {والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم} فتخصيصه بتولي كبره دون غيره دليل على اختصاصه بالعذاب العظيم، وقال تعالى {ولولا فضل الله عليكم ورحمته في الدنيا والآخرة لمسكم في ما أفضتم فيه عذاب عظيم}، فعلم أن العذاب العظيم لا يمس كل من قذف، وإنما يمس متولي كبره فقط، وقال تعالى هنا {له عذاب عظيم} فعلم أنه الذي رمى أمهات المؤمنين ويعيب بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وتولى كبر الإفك، وهذه صفة المنافق ابن أبي سلول.
الوجه الثالث: لمّا كان رمي أمهات المؤمنين أذى للنبي صلى الله عليه وسلم لعن صاحبه في الدنيا والآخرة، ولهذا قال ابن عباس: ليس فيها توبة، لأن مؤذي النبي صلى الله عليه وسلم لا تقبل توبته إذا تاب من القذف حتى يسلم إسلاماً جديداً، وعلى هذا فرميهن نفاق مبيح للدم إذا قصد به أذى النبي صلى الله عليه وسلم أو أذاهن بعد العلم بأنهن أزواجه في الآخرة، فإنه ما لعنت امرأة نبي قط.
ومما يدل على أن قذفهن أذىً للنبي صلى الله عليه وسلم ما خرجاه في الصحيحين في حديث الإفك عن عائشة، قالت: فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستعذر من عبد الله بن أبي بن سلول، قالت: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر : يا معشر المسلمين من يعذرني من رجل قد بلغني أذاه في أهل بيتي، فو الله ما علمت على أهلي إلا خيراً، ولقد ذكروا رجلاً ما علمت عليه إلا خيراً، وما كان يدخل على أهلي إلا معي.[17]
فهذه الوجوه الثلاثة فيها تقوية وترجيح لقول من ذهب إلى أن قذف غير عائشة رضي الله عنها من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم حكمه كقاذف عائشة رضي الله عنها، لما فيه من العار والغضاضة على النبي صلى الله عليه وسلم، كما أن في ذلك أذى عظيماً للنبي عليه الصلاة والسلام.
--------------
[1] المحلى (13/504).
[2] الشفاء للقاضي عياض (2/267-268).
[3] أحكام القرآن لابن العربي (3/1356).
[4] الصارم المسلول ( ص 566-568).
[5] لمعة الاعتقاد (ص 29 ).
[6] شرح النووي على صحيح مسلم (17/ 117-118).
[7] زاد المعاد (1/106).
[8] تفسير القرآن العظيم (5/76).
[9] الإجابة لإيراد ما استدركته عائشة على الصحابة (ص 45).
[10] الإكليل في استنباط التنزيل ( ص 190).
[11] الدر المنثور (6/165) و جامع البيان (18/ 104).
[12] الصارم المسلول (ص 45).
[13] المحلى (13/504).
[14] الشفاء للقاضي عياض (2/ 269).
[15] الصارم المسلول (ص 567 ).
[16] تفسير القرآن العظيم (5/76).
[17] البخاري (3/163) ومسلم (4/2129-2136).
|