عرض مشاركة مفردة
  #7  
قديم 27-06-2004, 08:37 AM
الموريتاني الموريتاني غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Jun 2004
المشاركات: 18
إفتراضي نص الكاتب الجديد الذي صدر في موريتانيا حول التفجيرات(الجزء الرابع والأخير)

الخــــاتمة
وبما إني قد ذكرت في الديباجة أن الله أنزل الكتاب والميزان، ليسلم الإنسان من خطر إتباع الهوى جعلت الخاتمة في هذه الخطورة ، وصعب الاستقامة ،وذكر أشياء من محاسن الشريعة .
فأقول إن طاعة الهوى هلاك و وبار ومدعاة للعار و الشنار والخلود في النار، قال تعالى (فأما من طغى وآثر الحياة الدنيا فإن الجحيم هي المأوى وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى ) وهي مجلبة للبخل منقصة في العقل ومن حكم الشعر :
إنارة العقل مكسوف بطوع هوى
وعقل عاصي الهوى يزداد تنويرا

فمن أجل طاعة الهوى مكر الكافرون السيئات ، فحلت بهم المثلات ، فأصبحوا في دارهم جاثمين ، وما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون ،بل جعلوا سلفا ومثلا للآخرين، فانزجروا عن مسارهم ، واعتبروا بآثارهم ، وابكوا إذا حللتم بديارهم، كيلا يحل بكم ما حل بهم ( ويا قوم لا يجرمنكم شقاقي أن يصيبكم مثل ما أصاب قوم نوح أو قوم هود أو قوم صالح وما قوم لوط منكم ببعيد ) ففي هذا النكال الشديد أبلغ الوعيد والتهديد وما هو من الظالمين ببعيد ، وذلك أن السهم الذي أصابهم ما زال مريشا معدا لمن شابههم وسار على مسارهم من المجرمين ، ( فأرسلنا عليهم حجارة من طين مسومة عند ربك للمسرفين ) وإعداد آلة التعذيب ، نوع من التحذير والترهيب ،
خذا حـذرا يا جـارتي فإنــني

رأيت جران العود قد كاد يصلح

(إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد ) وقد أرادت الآية القلب المستمع ، الواعي المنتفع لمخالفته الهوى قال تعالى ( أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله أفلا تذكرون ) فالقلب المختوم عليه بطابع الهوى يمر على هذه العبر، ولا يتذكر ولا يتفكر وتتلى عليه هذه المواعظ وتقرأ عليه هذه الزواجر فلا ينتهي بالنواهي ولا يأتمر بالأوامر ، لا يرتجي عند المرجيات ولا يخاف عند المخوفات فكأن وعدها له مضمون و وعيدها مأمون ، فكأن وعدها مضمون له بخيريته ، ووعيدها مأمون منه ببراءته وشدته ، ( فأهلكنا أشد منهم بطشا ومضى مثل الأولين) ( أكفاركم خير من أولئكم أم لكم براءة في الزبر ) .
فهذه طاعة الهوى وقد رأيتم نتيجتها ،وقد بين عمر ـ رضي الله عنه ـ حقيقتها فقال الإمارة بلوى دائرة بين الهوى والهدى فمن اتبع الهوى قطع أوداج الهدى ومن أتبع الهدى قطع أوداج الهوى .
هذا مع أن الشريعة إنما جاءت لإخراج المكلف عن داعية الهوى ، إذ دعت إلى السبيل السوا ،الذي لا اعوجاج فيه ولا التوى، ومن شأن الهوى أن يدعو أولا إلى التثبيط ، ليحصل التفريط ، فإن أعوزه ذلك دعا إلى الإفراط بالبدع والتخليط ، فإن ظفر بالخطتين شبع، أو بإحداهما قنع، ولا يخرجه عن شأنه هذا إلا الانقياد للشريعة والاستسلام لأمرها والاستمساك بغرزها، قال صلى الله عليه وسلم ( لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به ).
وهذا السبيل السواء الذي دعت إليه الشريعة الغراء ، ممر دقيق بين السيئتين ، ولذا كان الانحراف عنه دائرا بين أمرين ، الغلو والتقصير ، الإقتار والتبذير ، فادح الرجاء المؤدي إلى الكسل ، فادح الخوف الموجب للقنوط والفشل ، الفرح المؤدي إلى المرح ، الفزع الموجب لسوء الأدب ، الرفاهية والرهبانية ، التكسب والتوكل، تمني المغفرة والاعتماد على العمل ، إذن فهو التنزيه الذي لا تشبيه فيه ولا تعطيل، إثبات الكسب الذي ليس تسييرا ولا تخييرا ، إمكان الرؤية في العاجلة و وقوعها في الآخرة ، العفو وتنفيذ العقوبة .
فهذا هو الصراط المستقيم، والدين القويم ، صراط المنعم عليهم غير المغضوب عليهم ولاالضالين ، وعلى ظهره مزالق الشهوات ، معترك المكفرات والسيئات إلى الممات ، وبحافتيه المخترعات و المحدثات ، وعلى باب كل محدثة منها داعية كث اللحية، حسن العمة، كثير العبادة، ظاهر الكرامة ، مستميت في دعوته ، لما يرى من انحصار الخير في محدثة .
من أجل ذا كانت الاستقامة عليه عظيما أمرها ، جليلا خطرها ، صعبا منالها ، وهي الأمانة التي ذكر في القرآن حالها ، ( إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا ) وقد أجري لنا في هذه الدنيا امتحانها، والعرض على الله ميزانها و محك نقودها ، وتطاير الصحف مفصح عن المقصود منها ، (يؤتى بالشهيد يوم القيامة فيقال له لم قاتلت؟ فيقول قاتلت لتكون كلمة الله هي العليا ، فيقال له كذبت إنما قاتلت ليقال شجاع وقد قيل ) وسوف تعرض بحضرة الأنبياء والمرسلين والملائكة المقربين نتائجها ، فليت شعري من الفائز فيها ؟ ( فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور).
وهذا الصراط المستقيم هو الذي تصح عليه الاستقامة لاستقامته ، لأن الاستقامة على المعوج انحراف عن الصراط المستقيم ، وابتداع في الدين القويم ، ولذا ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذم أهل البدع و وصفهم، يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم .
وهذا الصراط المستقيم هو الشريعة الغراء ، ولا بد للتعرض في هذه الخاتمة لشيء من محاسنها تفاؤلا بحسن الخاتمة ، فهي دين ودولة ، وأخلاق وثقافة ، سياسة وعبادة ، تهتم بتربية الإنسان ، وتعلمه البيان ، وتكتب عليه في كل شيء الإحسان حتى في القتلة والذبحة ، قال صلى الله عليه وسلم ( إن الله كتب الإحسان على كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته ) .
تهتم قبل خلقه بنسبه ، وتهدد الأم أن يدعى لغير أبه ، ( ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن إن كن يؤمن بالله واليوم الآخر ) تهتم به رضيعا ، وتجعل له من والديه مكانا رفيعا ، وحصنا منيعا ، فيجدان به أنسا ، ويطيبان بالتعب له نفسا، يمهدان له الوطاء ويحسنان له الغذاء .
الشريعة التي أسست للمكلف أسس اعتقاده ، وبينت له حسنات معاده ونظمت له خطط اقتصاده ، تضع الإصر ، وتكثر الأجر ، تؤجر على الأكلة والشربة ، وتجعل من الصدقة إتيان الشهوة ( أياتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر قال أرأيتم لو وضعها في الحرام كان عليه وزر كذلك لو وضعها في الحلال كان له أجر ) تؤجر على النكاية كما تؤجر على العبادة ( ذلك بأنهم لا يصيبهم ظمأ ولا نصب ولا مخمصة في سبيل الله ولا يطئون موطئا يغيظ الكفار ولا ينالون من عدو نيلا إلا كتب لهم به عمل صالح إن الله لا يضيع أجر المحسنين ).
تهتم بالأسرة ، وتوصي بالمرأة لأنها أول كيان في الدولة ، ترتب الإمامة ، وتوجب للإمام الطاعة، وتعلم الرعية كل شيء حتى الخراءة ، تبعث الجباة والعمال ، وتأمرهم باتقاء كرائم الأموال ، تزيل الألغام المتفجرة ، والأسلاك الشائكة التي زرعتها العنصرية ، بما تري كل طائفة في نفسها من الخيرية ، فاقتلعت الشريعة جذورها ، وحرقت بذورها بقوله تعالى ( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم ) وبقوله صلى الله عليه وسلم (المؤمنون تتكافؤ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم ) .
الشريعة التي أستعطف الله إليها عباده استعطافا تذوب له القلوب، وتلين منه الجلود، ( يريد الله ليبين لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم ويتوب عليكم والله عليم حكيم والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلا عظيما يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفا ).
وهذا آخر ما رأيت أن أبينه وأكتبه عن ميزان المعاملات والعلاقات وتنظيم الصلات، ورعاية جميع التنظيمات، وحل كل المشكلات، وعدم تتبع الشهوات، وجماعه في مخالفة الهوى ، و وجود المشتكى .
أما كتاب العبادات الحائل دون التعبد بالمخترعات والمحدثات، فسأكتب فيه - إن شاء الله- رسالة تميز السنة من البدعة ، والحق من الباطل ، وتكون هذه الرسالة من الوضوح بمكان يستوي فيها العالم و الجاهل ،وتستبين مذاهب الفرق وأدلتهم ، ومحل خطئهم في حجتهم .
والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين ورضي الله عن الصحابة والتابعين الذين أصلوا وصول الشريعة ، وفصلوا فصولها، وبينوا علل أحكامها، فشملت ولم تقتصر على أيامها ، فكانت قواعدها ثابتة ، وعللها متطورة، فأشبع العالم من هذا التطور والثبوت نهمته ، و وجد الباحث فهيما بغيته ، وقاموا بعده ـ صلى الله عليه وسلم ـ بتبليغ هذه الرسالة، وتوضيح هذه المحجة ، حتى وصلت أبعد الأقطار وآخرا القرون وليدة يومها ، لم تتغير أعلامها ، ولم تتبدل أحكامها ، ولم تخلق أثوابها ، فواكبت كل المستجدات ، ووسعت كل التطورات، من أنواع المهن والصناعات ، أحكمت ثم فصلت من لدن حكيما خبير ، أحاط بما لديهم وأحصى كل شيء عددا ، ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير فنعم المولى ونعم النصير الذي إليه عاقبة الأمور.


كتبه بتوفيق ربه أسير ذنبه أباه ولد الحسين ولد محمذن ولد حيمود الجكني يوم 21 صفر الخير عام 1425هجرية .