عرض مشاركة مفردة
  #73  
قديم 20-07-2004, 03:14 PM
الصورة الرمزية لـ الوافـــــي
الوافـــــي الوافـــــي غير متصل
عضو جديد
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2003
الإقامة: saudia
المشاركات: 24,409
إفتراضي

قال بعض السلف: يكتب حتى أنين المريض ، يعني: حتى ما لا يؤاخذ به فإنه يكتبه ، وهذا هو الراجح في أنه يكتب كل شيء ، ولا تختص كتابته بما فيه الثواب والعقاب ، وذلك لدليلين :
الأول : أن قوله: "من قول" هذه نكرة في سياق النفي ، وسبقتها من ، وهذا يدل على التنصيص الصريح في العموم يعني: الذي لا يتخلف معه شيء من أفراده ألبته ( مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ ) فأي قول لفظ فإنه يكتب .
الدليل الثاني : أن تقسيم ما يكتبه الملك إلى أنه يكتب ما فيه الثواب والعقاب ، هذا يُحتاج له ، أن يُثبت أن الملك الذي يكتب عنده التمييز في الأعمال ما بين ما فيه الثواب ، وما لا ثواب فيه ، والتمييز في النيات وأعمال القلب والأقوال التي تصدر عن أعمال القلوب ... وإلخ .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في كتاب الإيمان : وهذا لا دليل عليه ، يعني: أن الملك يعلم ما يثاب عليه من الأقوال ، وما لا يثاب عليه ، وإنما الملك كاتب ، كما قال -جل وعلا- : أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُم بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ {80}سورة الزخرف ( كِرَاماً كَاتِبِينَ {11}إلخ سورة الإنفطار . دل هذا على أن ترك ما لا يعني في الأقوال في القول لفظا أو سماعا أن هذا مما تعظم به درجة العبد .
( لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتَغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً {114}سورة النساء .. فلهذا يظهر من الحديث عند كثيرين أن المراد به -كما ذكرت- القول أو السماع ، فيدخل فيه إذن البحث عن أحوال لا تخصك ، أو لا تعنيك في دينك ، أو الحرص على معرفة الأخبار ، أخبار فلان ، وأيش عمل ، وأيش سوَّى وقال وفعل ، وخبره مع فلان ، وأيش عندك من الأخبار ، وأيش قال فلان ، والناس أيش عملوا ، ونحو ذلك .
فالاهتمام بهذه الأشياء بما لا يعني هذا مخالف لما يدل عليه حسن الإسلام ، فمن أدلة حسن الإسلام ترك ما لا يعني من فضول الأقوال ، وفضول ما يسمع .
فإذاً هذا الحديث من أحاديث الآداب العظيمة فينبغي لنا -وجوبا- أن نحرص على حسن الإسلام ؛ لأن فيه من الفضل العظيم ما فيه ، ومن حسن الإسلام أن نترك ما لا يعني من الكلام أو السماع ، الكلام ، الأسئلة التي ليس لها داع ، يأتي يستفصل وتارة مع من هو أكبر منه ، أو من قد يحرج باستفصاله ، وتدقيق في الأسئلة ، تجميع الأخبار عن الناس ، وهذا فعل ، وهذا ترك ، وهذا ذهب ، وهذا جاء ... إلخ .
والتحدث بها ، وتوسيع ذلك هذا كله مذموم ، ويسلب عن العبد حسن الإسلام إذا غلب عليه ، ولهذا نقول : في هذا الحديث وصية عظيمة في هذا الأدب العظيم من المصطفى -عليه الصلاة والسلام- فإن من حسن إسلام المرء أن يترك ما لا يعنيه ، ما لا يعنيه في دينه ، ما لا يعنيه في أمر دنياه ، ما لا يعنيه من الأقوال ، ومما يسمع أو مما لا يسمع ، وأشباه ذلك .
فإن في هذا الأثر الصالح له في صلاح قلبه ، وصلاح عمله ، والناس يؤتون من كثرة ما يسمعون أو يتكلمون ، ولهذا قال بعض السلف في أناس يكثرون الكلام والحديث مع بعضهم قال : هؤلاء خف عليهم العمل ، فأكثروا الكلام ، وهذا مذموم أن نكثر الكلام بلا عمل ، نجلس مجالس طويلة ساعة ، ساعتين ، ثلاث في كلام مكرر ، وضار لا نفع فيه والواجبات لو تأملها كثيرة ، تجد أنه يتوسع في مباح ، وربما كان معه بعض الحرام في الأقوال والأعمال ويترك واجبات كثيرة ، وهذا ليس من صفة طلاب العلم ، فطالب العلم يتحرى أن يكون عمله دائما فيما فيه نفع له ، يعني فيما يعنيه مما أمر به في الشريعة أو حُث عليه ، وأن يترك ما لا يعنيه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة .
هذا الحديث قال عنه النووي في آخره : حديث حسن رواه الترمذي وغيره هكذا ، وتحسينه من جهة كثرة طرقه ، من كثرة شواهده .
والراجح عند علماء العلل أنه مرسل ، فقد قال أحمد ويحيى بن معين وجماعة : إن الصواب فيه أنه مرسل ، ولكن له شواهد كثيرة قريبة من لفظه ؛ ولهذا حسنه النووي -رحمه الله- وقال : حديث حسن ، رواه الترمذي وغيره هكذا ، فالصواب أنه حسن لغيره لشواهده.

إنتهى شرح الحديث الثاني عشر

تحياتي

__________________


للتواصل .. ( alwafi_248@hotmail.com )

{ موضوعات أدرجها الوافـــــي }