الحب بين الله وعباده
من كتاب ( الحب بين الله وعباده )
بسم الله الرحمن الرحيم الذي لا يضر مع اسمه شئ في الأرض ولا في السماء , بسم الله الواحد الأحد الفرد الصمد ،الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد، بسم الله مالك الملك يؤتى الملك من يشاء، وينزع الملك ممن يشاء ،ويعز من يشاء ويذل من يشاء بيده الخير، وهو على كل شيء قدير، اللهم صلى على سيدنا محمد إمام المتقين ،وسيد المرسلين،وخاتم النبيين ،وحبيب رب العالمين، أول من تنشق عنه الأرض يوم القيامة ،أول شافع و أول مشفع،و أول من يدخل الجنة صلى الله عليه وسلم، اللهم أحينا على سنته،وأمتنا على ملته ،واحشرنا تحت لواءه ،و أوردنا حوضه، واسقنا من يده الشريفة شربة لا نظمأ بعدها أبدا ،واجعلنا من رفقائه في الجنة صلى الله عليه وسلم.
إلى كل من ذاق حب الله تعالى ،وأحس بنعيم القرب منه ،وأيقن فضله عليه ،ورحمته به ،وعلم أن العزة في التذلل إليه. إلى كل قلب خاشع ،وصدر منشرح، وعين دامعة ،ولسان ذاكر,أهدي إليكم هذه الرسالة لتفرحوا بحب الله لكم ولتسعدوا بحبكم لله ، ولعلها تكون لكم استمرارا في طريق الهدى والنور، ولتكون لكم عونا في مواجهة الشيطان ،وإبطال حيله ،والتغلب علي وساوسه . إلى كل من انحرف عن طريق الله ،ولم يذق حبه ،وجذبه الشيطان جذبا إلى طريق الغواية ،أهدي إليكم هذه الرسالة علها تكون لكم هداية وإرشادا إلى معرفة الله ،والتقرب منه ،ليتسلل إليكم حبه، ولتتعرفوا على رحمته بكم ،ولتكون لكم بداية في إصلاح النفس ،وطهارة القلب من دنس المعاصي، حتى تستقبلوا حب الله لكم بنقاء سريرة، وصفاء نفس، وطهارة روح.
وإن هذه الرسالة أول كتاباتي،وقد شاء الله عز وجل بعد تفكير عميق أن تكون رسالة حب ،تجتمع عليه القلوب، فتزداد نورا وشفافية ،وأردت أن أبني بيني وبينكم جسورا من الحب، تمتد إلى أعماق القلوب ،فلم أجد أعظم وأجل من حب الله يجمعنا ويضمنا ،فلا تؤثر فيه رياح النفس، أو عواصف الهوى، أو وساوس الشيطان، أو ملذات الدنيا، أو شهوات الإنسان ،فمن أنعم الله عليه بالحب لا يكون في قلبه مكانا لغيره ؛وقد قلت لنفسي إن من أهم ما يجمع الحب بين مجموعة من الأشخاص ،هو اشتراك المحبوب بينهم، فيجتمعون يتدارسون سيرته ،ويتجاذبون أطراف الحديث عنه، وتعمهم السعادة إذا ذُكر اسمه ،ويتسابقون في الوصول إلى حبه، ويسهبون في مدحه ،ويساندون أفكاره ،ويتحمسون لها، ويثنون على أفعاله وتصرفاته،وإذا اجتمعوا اجتمعوا على سيرته، وإذا افترقوا افترقوا عليها أيضا، وإذا تحدث استمعوا له بآذان صاغية، وإذا أمر أو نهى أطاعوه، وإذا أراد أن يقابلهم تمنوا لقاءه ،وإذا التقى بهم تمنوا مصافحته و إطالة اللقاء معه ،ثم يحاولون أن يفعلوا ما يرضيه، وإذا تركهم أصابهم الحزن والهم ،وإذا بالغوا في حبه كونوا حزبا يرأسه يتبنون أفكاره ويحاولون أن ينشرونها ،ويستقطبون الناس إليها كل ذلك حباً له .نقول ولله المثل الأعلى، فلكي يتحقق الحب بين العباد وجب عليهم حب الله أولا،فإذا مُلئت قلوبُهم بحب الله اشتاقوا إلى لقاء بعضهم حتى يَطربوا آذانهم بالحديث عنه سبحانه وتعالى، وعن رحمته وعن فضله على العباد ، فيكون تعاملهم مع بعضهم في إطار حب الله كما قال تعالى: (إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا). ويكون حب الله هو العامل المشترك بين العباد، فيكون الحب في الله والبغض في الله ،كما في الحديث :عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ الْحُبُّ فِي اللَّهِ وَالْبُغْضُ فِي اللَّهِ (رواه أبوداود )
وإذا تحقق في قلوبنا حب الله أطعناه ، والتزمنا منهجه لأنه من أحب أحداً أطاعه، فنتعامل ونسير وفق منهج الله،ويسود بيننا شرع الله، فلا توجد لدينا مشكلة ليس لها حل طالما طبقنا شرعه ،بل يمكن أن نقول أنه لن تظهر بيننا أي مشكلة ،فيسود بيننا الحب والرحمة التي يجب أن يتعامل بهما المسلون، فنحن كالجسد الواحد نحس بالألم جميعا إذا اشتكى منه أي عضو كما قال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :تَرَى الْمُؤْمِنِينَ فِي تَرَاحُمِهِمْ وَتَوَادِّهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ كَمَثَلِ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى عُضْوًا تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ جَسَدِهِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى (رواه البخاري)
فإذا تعاملنا في إطار الحب لله خضع لنا كل شيء ،وكُتِب لنا جميعا القبول في الأرض، وهان علينا أمر الدنيا، وساد بيننا الود، وذقنا حلاوة الإيمان ،وابتعدنا عن كل الأخلاق السيئة كالحسد والحقد، وكنا كالبناء الواحد يشد بعضه بعضا كما في الحديث قال رسول الله صلى الله علية وسلم: الْمُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ (رواه البخاري)
وقبل أن نُسهب في الحديث لابد من معرفة الآتي
1. ما هو الحب
2. معني الحب بين الناس
3. العلاقة بين المحب والحبيب
4. أنواع الحب و أعظمها
5. حب الله للعباد
6. حب الرسول صلى الله عليه وسلم لأُمته
7. حب الملائكة للمؤمنين
8. حب العباد لله
أولا - معنى الحب في اللغة
الحب أصله في لغة العرب الصفاء لأن العرب تقول لصفاء الأسنان حبب، وقيل مأخوذ من الحـُباب الذي يعلوا المطر الشديد وعليه عرفوا المحبة بأنها : غليان القلب عند الاحتياج للقاء المحبوب، وقيل غير ذلك .
ثانيا-معنى الحب بين الناس
وأما كلام الناس في وصفه فقيل هو ميل القلب للمحبوب ، و موافقة الحبيب في وجوده وغيبته ، ،وأن يستولي ذكر المحبوب على قلب المحب ،و أن تهب نفسك وروحك لمن أحببته ،وإلا تفكر في أحد غيره ،وأن تغار عليه وأن تحفظ حدوده، وتقوم لمحبوبك بكل ما يحبه منك ،وأن يعمى القلب عن رؤية غير المحبوب وفي الحديث :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حبك للشيء يعمي ويصم (رواه الإمام أحمد)
ثالثا-العلاقة بين المحب والمحبوب
يجب أن توجد رابطة تمثل الموافقة بين المحب والمحبوب، إذ أن أطراف العلاقة ثلاث: أولها المحبوب ولابد أن تتوافر فيه أسباب الجذب من جمال وكمال تجعل الطرف الثاني- وهو المحب - يتعلق وَيُعجَب به ،ويجب أن تتوافر في المحبوب صفات لا يجدها المحب في غيره ؛و أما الطرف الثالث :هي الرابطة التي بينهما فمتى قَويت وتفردت صفات المحبوب زادت الرابطة بين المحب ومحبوبه ،ومتى ضعفت صفاته ضعفت الرابطة بينهما ،ولا يوجد محبوب أعظم من الله سبحانه وتعالى له صفات جمال وجلال ،فإنه جميل يحب الجمال بل الجمال كله له والإجلال كله منه
وإلى لقاء آخر إن شاء الله
__________________
نبيل عطوه
مصر الاسلامية
|