الحديث الخامس عشر
من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت ، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره ، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه ) رواه البخاري ومسلم .
هذا الحديث أدب من الآداب العظيمة ، وهو صنو حديث : ( من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه ) من جهة أنه أصل في الآداب العامة ، وهذا الحديث دل على أن من صفات المؤمن بالله وباليوم الآخر ، الذي يخاف الله ويتقيه ، ويخاف ما يحصل له في اليوم الآخر ، ويرجو أن يكون ناجيا في اليوم الآخر ، أن من صفاته أنه يقول الخير أو يصمت .
ومن صفاته أنه يكرم الجار .
ومن صفاته أنه يكرم الضيف .
ومن صفاته أنه يكرم الجار ، هذا بعموم ما دل عليه الحديث ، الحديث دل على أن الحقوق منقسمة إلى : حقوق لله ، وحقوق للعباد.
وحقوق الله -جل وعلا- مدارها على مراقبته ، ومراقبة الحق -جل وعلا- أعسر شيء أن تكون في اللسان ، ولهذا نبه بقوله : ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت ) على حقوق الله -جل وعلا- ، والتي من أعسرها من حيث العمل والتطبيق : حفظ اللسان ، وهنا أمره بأن يقول خيرا أو أن يصمت ، فدل على أن الصمت متراخ في المرتبة عن قول الخير ؛ لأنه ابتدأ الأمر بقول الخير فقال : ( فليقل خيرا ) فهذا هو الاختيار ، هو المقدم أن يسعى في أن يقول الخير .
والمرتبة الثانية : أنه إذا لم يجد خيرا يقوله أن يختار الصمت ؛ وهذا لأن الإنسان محاسب على ما يتكلم به ، وقد قال -جل وعلا- : لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتَغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً {114}سورة النساء .
فهذا الحديث فيه : ( فليقل خيرا ) وعلق هذا بالإيمان بالله واليوم الآخر ، وقول الخير متعلق بالثلاثة التي في آية النساء قال : ( لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ } فالصدقة واضحة والإصلاح أيضا واضح ، والمعروف هو ما عرف حسنه في الشريعة ، ويدخل في ذلك جميع الأمر بالواجبات والمستحبات ، وجميع النهي عن المحرمات والمكروهات ، وتعليم العلم والأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ... إلخ .
فإذن قوله -عليه الصلاة والسلام- : ( فليقل خيرا ) يعني : فليقل أمرا بالصدقة ، فليقل أمرا بالمعروف ، فليقل بما فيه إصلاح بين الناس ، وغير هذه ليس فيها خير ، ما خرج عن هذه فإنه ليس فيها خير ، وقد تكون من المباحة ، وقد تكون من المكروهة ، وإذا كان كذلك فالاختيار أن يصمت ، وخاصة إذا كان في ذلك إحداث لإصلاح ذات البين ، يعني أن يكون ما بينه وبين الناس صالحا على جهة الاستقامة بين المؤمنين الأخوة .
.. يتبع ..