عرض مشاركة مفردة
  #2  
قديم 06-09-2004, 07:24 AM
tijani tijani غير متصل
عضو جديد
 
تاريخ التّسجيل: Sep 2004
الإقامة: Netherlands/Marocco
المشاركات: 32
إفتراضي tijanib@yahoo.com

المسلمون في الغرب بين تناقضات الواقع وتحديات المستقبل
الجزء الثاني
بقلم التجاني بولعوالي

أخلاق الغرب وحيرة المسلمين

في بداية هذا المقال أشرنا إلى أن ثمة أمورا خفية بدأت تنخر الحضارة الغربية، لكن لم نعلنها بعد إلا تلميحا، هي أمور تقترن في أغلبها بالجانب الأخلاقي الذي تميع كل التميع، فصارت أمور كالحياء والعفة والقناعة وهلم جرا، تنعدم من القاموس الأخلاقي الغربي، بل والمرهب بدأ ذلك يتسرب إلى قيمنا الإسلامية بشكل سريع إلى درجة أن الجيل الثالث من الجالية الإسلامية المقيمة بالغرب أضحى لا يعلم من قيم دينه ومعالم ثقافته إلا الأعياد بألبستها الجميلة وحلوياتها اللذيذة.

من هذه الأمور استوقفتني ظواهر شتى تشيع بسرعة البرق، مثل اللواط الذي اعترفت به دول ومجتمعات غربية عدة، بل وتعاطف معه الكثير من رجال الكنيسة، فأصبحت تنتشر المهيآت والمنظمات التي تدافع عن اللواطيين، فآخر الأخبار بهولندا تشير إلى أن الإحصائيات تقول إن ثمة تصاعدا كبير للعداء الذي يمارس على اللواطيين خصوصا من لدن المسلمين، حيث يزعمون أن الفتوى التي ضمنها الإمام المغربي خليل المومني إحدى خطبه والتي مؤداها؛ أن اللواط مرض قد يعادي باقي المجتمع بما فيه المسلمين المقيمين بالغرب ساهمت في نشوء ذلك العداء وانتشاره، كما أن ترجمة كتاب منهاج المسلم لأبي بكر عبد القادر الجزائري له باعه في عداء المسلمين للواطيين، وهم لا يعلمون أن هذا العداء قائم منذ ظهور الإسلام، الذي يحرم مثل هذا السلوك البوهيمي الشنيع الذي لا يقبله المنطق السليم. زد على ذلك أن الإسلام يعادي ويحارب كل من يخرج عن طاعة الخالق سبحانه وتعالى. إلا أن وقوع مثل هذه الأمور في الغرب تتخذ أبعادا أخرى ليست كالتي قد تتخذها داخل الواقع الإسلامي لسببين: أولهما؛ إن فعل اللواط في المجتمع الإسلامي ممنوع أصلا، لذا فمرتكبه معاقب من طرف الشريعة الإسلامية، ومرفوض من قبل المجتمع برمته. أما في الغرب فالقوانين الوضعية وأحيانا حتى المسيحية أو اليهودية تبارك مثل هذا الفعل الشائن، والمجتمع يقبل فاعل هذا الفعل ويتعاطف معه، فهو يملك الحرية التامة و ويستطيع فعل ما يحلو له بعقله ونفسه وجسمه ونحو ذلك. والسبب الثاني هو أن وجود المسلم بديار الغرب مشروط بالقوانين الغربية وبأخلاق الغرب وعاداتهم. فكيف له أن يشق عصا الطاعة وينكر الجميل و يخدع مضيفه الذي وفر له المأوى والمأكل والمشرب الذي لم يوفره له مجتمعه الذي يحسب على الإسلام.

هكذا يجد ذلك المهاجر المسلم المقيم بديار الغرب نفسه متراوحا بين نارين؛ هل يوالي تعاليم دينه، فيطبقها بالتمام، فيطلق اللحية، ولا يحيي مديرة عمله باليد، ويعادي اللواطيين فيبصق في وجوههم ويلعنهم وهكذا، فيسقط في دوامة البغض لكل ما هو غير إسلامي، لكن في ذات الوقت يسعى إليهم بكل السبل لنيل لقمة العيش، فيراوغ ويداور وأحيانا يكذب قصد نيل مساعدة اجتماعية أو تعويض أو ما شابه ذلك. وإذا ما استفتى مفتيا عن حالته وحيرته نصحه بالعودة إلى وطنه، أو الاستقرار في أي بلد إسلامي، وكيف السبيل إلى ذلك وهو مرفوض في بلده. والبلاد الإسلامية الغنية لا تسمح بالهجرة إليها إلا للأوروبيين والأمريكيين والأسيويين.

هل يأخذ من دينه جانب التسامح، فيحترم هؤلاء الغربيين الذين عاملوه بالمعروف فعاش بينهم معززا مكرما عندما رفضه إخوانه وعشيرته، فيغض الطرف عن تلك الأمور الشنيعة التي تقترف في الغرب، فلا يكترث بها ما دامت لا تسئ إليه ولا إلى دينه؛ فهو يصلي ويصوم ويزكي ويحج، و لكنه يحيي مديرة عمله باليد، ويحترم جاره اللواطي وما إلى ذلك. لكن عندما يفكر في المستقبل تأخذه الرهبة ويتملكه الفزع؛ ماذا سيكون مصير أبنائه الذين يتلقون هذه القيم الغربية المنحرفة في المدرسة من معلم لواطي، ومع تلاميذ منهم نسبة لا يستهان بها شاذة جنسيا، حتى إن هذه الأمور المرفوضة شرعا عندنا أصبحت جد عادية في الغرب، وعما قريب قد تصبح كذلك عند أبناء المسلمين فيمارسوها ببرودة دم، بل وإن كثيرا منهم لا محالة سائر على هذا الدرب، إلى درجة أن بعض المصادر تؤكد
بأن ثمة جمعيات لها صلة بالسلطة تشجع على نشر ظاهرة اللواط بين أطفال وشباب المسلمين.

تقف وراء نشر مثل هذه الظواهر الشاذة ترسانة من الأجهزة المختلفة التي تستعمل شتى الآليات إعلامية كانت أم تربوية أم سياسية أم ثقافية أم غير ذلك، وفي ميادين ومجالات متنوعة ابتداء من الشارع ومرورا بالمؤسسات العامة ووصولا إلى المدرسة، بغض النظر عن ذلك الكم الهائل من المنظمات والجمعيات المرخص لها حكوميا بإشاعة الرذيلة والشذوذ، والمدعمة ماديا لممارسة أنشطتها الفاضحة وتنفيذ برامجها المدمرة، ومن بين هذه الأنشطة ذلك المهرجان السنوي الذي يحتفل به اللواطيون كل صيف في شوارع ومرافق وأودية أمستردم، حيث يتعرى الكل أمام الملأ ممارسين أغرب الحماقات والسخافات بدون وازع أو رادع، بل و تساهم السلطات في تحميس هؤلاء عن طريق الترخيص لهم بالقيام بمثل هذه الأنشطة وتعزيز الجانب الأمني أثناء هذه الأنشطة، وتمكينهم من التغطية الإعلامية اللازمة، ناهيك عن الكم الهائل من الناس المتتبعين لهذا المهرجان بشغف لا ينطفئ وظمأ لا يروى، حيث ينعدم الضمير الإنساني السليم الذي يرفض هذا الفحش البين.
تنضاف إلى ذلك تلك الملاهي والدور الحمراء العلنية أم الخفية التي تعلن فيها الرذيلة على مرأى من الدولة وأجهزتها، حتى أن الكثرة الكاثرة من ذوي القرار وأصحاب الحل والعقد لهم دورهم الخاصة، التي يزاولون فيها كل أشكال الشذوذ والبوهيمية واللاإنسانية، لهذا يبدو هذا الفعل عبر الشارع الغربي عموما، والهولندي خصوصا جد عاد، فهو يشكل القاعدة الذهبية في مقابل الاستثناء، الذي يمكن إطلاقه في هذا الصدد على كل إنسان سوي يرفض الانحراف عما هو طبيعي ومنطقي، قد يقول قائل إنما هذا كلام إنشائي لا أساس له من الصحة والواقعية، ولا يملك الدليل والحجة التي تعضده.
بغض الطرف عن الوقائع الهامشية التي تلتقطها وسائل الإعلام المختلفة الأشكال، والتي تكون أحيانا عرضة للمزايدة أو المناقصة، للتركيب أو التشذيب... أدلك على ما هو ثابت ينقل إليك الصورة التي أحاول رسمها وتوضيحها منذ البداية بكل أبعادها المستفزة والمؤلمة والمفضحة والناطقة بما آل إليه بنو البشر وهم في عز تطورهم وازدهارهم الفكري والثقافي والصناعي والتكنولوجي وما إلى ذلك، إذ ولجوا مرحلة تاريخية انطبعت بميزات لم يسبق لها نظير، فالكومبيوتر والإنترنت أحدثا ثورة معلوماتية هائلة يمكن وصفها بذلك النزيف الفكري والمعرفي الذي لا يريد أن يتوقف، حتى إن تراكم المعارف والمعلومات فاق كل الحدود، لكن للأسف هذا النزيف الإيجابي لم يواكب إلا بنزيف آخر سلبي حيث ينزف إنسان الجنوب جوعا ودما وغبنا واضطهادا وتمويتا بل وأقسى من ذلك. لم أسق هذا الكلام المرير إلا لأن أجعل لك من الإنترنت دليلا قاطعا، ما دام يشكل آلية ناجعة لأولئك المنحرفين؛ آلية ذات حدين: فهم يستخدمونها من جهة لنشر فضائحهم عبر العالم قاطبة، ويستعملونها من جهة أخرى للتواصل مع الآخر، وهذا التواصل يكون بمثابة نسيج العنكبوت؛ فهو فخ ذهبي مخادع لصيد الفرائس، وخطاب التواصل هنا يركز بشكل مكثف على رافضي الشذوذ الجنسي واللواط ومحاربيه من المتدينين والعقلاء، وكما هو معروف فأكبر نسبة من هؤلاء الرافضين تتجلى في المسلمين الذين يدينون بعقيدة تعادي مثل هذا السلوك وما يشابهه، فأحيانا وأنت تتجول بين أروقة مكتبات أمستردم العمومية تفاجأ بوجود مطبوعات ومنشورات مكتوبة باللغة العربية، تخاطب المراهق والشاب المسلم بأسلوب رهيف ومقنع، يوضح أن اللواط سلوك جد عادي لا يسئ إلى الدين ولا يعاديه، فمن خلال ممارسته يحقق الإنسان المتعة والحيوية، ويوفر ذلك المنشور معلومات وعناوين خطيرة تساعد ذلك المراهق بشكل سريع على إيجاد المساعدة اللازمة إن هو يرغب في اقتحام هذه التجربة.
ناهيك عن الممارسات اللاأخلاقية الأخرى التي قد يعادل تأثيرها أو يضاهي ظاهرة اللواط مثل السحاق، والمقصود به تلك العلاقات الجِماعية التي تجمع المرأة بالمرأة، حيث يصبح بمقدور المرأة التخلي عن الرجل، ليس على مستوى النفقة التي يوفرها لها المجتمع الغربي، أو على مستوى شعور الأمومة الذي تعوضه بتبني أطفال الغير الذين يستوردون في غالب الأحيان من الدول الفقيرة، أو غير ذلك، وإنما على مستوى فطرة الجماع والسكن الذي يعتبر قانونا إلهيا به يتحقق توازن الإنسان والطبيعة والكون، لكن هؤلاء المتمردين الذين يصرون على نكران وجود الله تعالى، أبوا إلا أن يخرقوا هذا القانون الإلهي، ويختلقوا لأنفسهم قوانينا هي من وحي الشيطان.
ينضاف إلى ذلك ظاهرة الاغتصابات التي استشرت في الآونة الأخيرة بشكل مرهب، وتجدر الإشارة هاهنا إلى أن المقصود الاغتصابات في هذا الصدد ليس تلك الممارسات التي نعهد في مجتمعاتنا الإسلامية أو العربية، كأن يختطف إنسان ما امرأة فيمارس عليها التحرشات الجنسية أو ما إلى ذلك، بل تلك الاغتصابات المنظمة التي تنفذ بكل برودة على أطفال وبنات في عمر الزهر، لا يدركون بعد معنى ما يمارس عليهم، أو على صبيان في سن المراهقة مقابل إغراءات مالية. فآخر ما تناقلته وسائل الإعلام المختلفة من أنباء لا يصدق عاقل من العقلاء أنها تحدث بهذه البشاعة في هذا المجتمع الديمقراطي، يتحدد في حدثين مهمين؛ أولهما فحواه أن المدير المالي لفريق ب س ف إندهوفن الهولندي قام بممارسة الجنس على صبيان تتراوح أعمارهم بين ثنتا عشر وخمسة عشر سنة مقابل مبالغ مالية، مستغلا بذلك منصبه في الفريق غير مكترث بإصابته بفيروس الإيدز الذي قد يعادي أولئك الصبيان، وأثناء المحاكمة حكم عليه القاضي بسنتين سجنا. والحدث الثاني بطله رجل هولندي عجوز في سن السبعين مارس في صمت ولزمن طويل الاغتصاب على حفيداته الثلاث اللائى لم يتجاوزن حينذاك سن الطفولة، والآن بعدما كبرن وأدركن ما كان الجد يزاوله عليهن كشفن أمره فبادرن بتقديم الشكوى إلى المحكمة.
هذا بالإضافة إلى ظواهر عدة كالإدمان على مختلف أنواع المخدرات والمسكرات التي خلفت قطيعا من المشردين والمهمشين والمتسكعين عبر المدن الغربية الذين تتصاعد منهم رائحة الموت البطيء، والمجتمع لا يني يعالجهم بجرعات من المخدرات. نحو ذلك من الظواهر المرضية التي تنخر الجسد الغربي في خفاء. لذلك ارتأينا منذ البداية نعت هذه الأمور بالخفية؛ فهي ظاهرة للعيان ولكن مفعولها وسريانها خفي، حتى يأتي الدور على هذه الحضارة المتجبرة والمتغطرسة كما أتى على مثيلاتها في الأزمنة الغابرة، وفي هذا الشأن يبدو الخطاب القرآني جلي غاية الجلاء، حيث يقول الله عز وجل في سورة الأنعام، الآية السادسة:{ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم من قرن مكناهم في الأرض ما لم نمكن لكم وأرسلنا السماء عليكم مدرارا وجعلنا الأنهار تجري من تحتهم فأهلكناهم بذنوبهم وانشأنا من بعدهم قرنا آخرين.}

أمستردام في صيف 2004
__________________
التجاني بولعوالي
شاعروكاتب مغربي مقيم بهولندا