عرض مشاركة مفردة
  #20  
قديم 20-09-2004, 07:05 AM
ahmednou ahmednou غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Sep 2002
المشاركات: 477
إفتراضي

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله:
أما بعد، فيحكى أن:

كانت ليلى ترسل كل يوم طعاما شهيا لقيس، فتغير الخادم الذي كان ترسل معه الطعام، فأخذ الخادم الجديد الطعام وذهب يسأل عن قيس، فانتهز لص هذه الفرصة فقال له: أنا قيس.. فكان كل يوم يأخذ الطعام، ويعطيه للص بدلا من قيس.. وفي ذات مرة أرادت ليلى أن تختبر حب قيس لها، فقال للخادم خذ هذا السكين وقل لقيس إني أريد قطعة لحم من جسدك.. فذهب الخادم وكالعادة قال اللص له أنا قيس، فأعطاه السكين، فقال اللص: ما هذا؟ أين الطعام؟ فقال الخادم: إن سيدتي تقول لك إنها تريد قطعة من جسدك فاقطعها بهذه السكين.. فحينئذ بهت اللص ثم قال للخادم: أنا لست قيسا، أنا اسمي كذا وكذا، وأما قيس فهو الشاب الذي يجلس هناك، وأشار إلى قيس الحقيقي… فذهب الخادم إلى قيس فقال له: إن سيدتي تريد قطعة من جسدك، فقال قيس له: اذهب إليها وقل لها من أين مكان تريدين؟ من يدي أم من رجلي أم من قلبي أم من كبدي أم من عيني؟..
فهذا الاختبار قد كشف قيس الصادق من قيس الكاذب.. أو قل المحب الصادق من المحب الكاذب.. فالكاذب رفض أن يضحي، والصادق قال: أنا على استعداد للتضحية وبالوسيلة التي تريدينها يا ليلى..


والمقصد من هذه القصة هو تأصيل نظرية وقاعدة، وهي أن من أحب أحدا أو شيئا فإنه يكون على أتم الاستعداد للتضحية من أجله، ولو بقطعة من جسده.. وعلى استعداد أن يتحمل من أجله المشاق والمتاعب..

فإذا أردت أن تعرف ما هو أحب شيء إليك، فاعمل هذا الاختبار لنفسك، أي راقب تصرفات نفسك وتفكيرها.. ما هو الشيء الذي تضحي من أجله وتصرف فيه وقتك وعمرك وتفكيرك..؟؟ فيكون هذا الشيء هو محبوبك معبودك..


نحن نرى أن أحدنا يمكن أن يسافر إلى بلد غريب ويذوق ألم الغربة عدة سنوات ويهجر أهله وأصحابه وربما أيضا زوجته وأولاده من أجل تحصيل الدنانير والدراهم…

ونرى كذلك في بعض البلاد العربية الإسلامية التي نشر فيها عملاء الصهيونية الهوس الكروي، أو الخبل الكروي، البعض قد يذهب إلى المباراة قبل موعدها بعدة ساعات لينال ثواب الصف الأول [الصف الأول هنا ليس في الصلاة وإنما في الاستاد]

ولي صديق تزوج فتاة فأحبها، وكان قبل الدخول يزورها في قريتها التي تبعد عن قريته مسافة، وكان بين القريتين صحراء، فحكى لي أن الذئب قد طلع عليه يوما في الصحراء بعد أن تعطلت سيارته..

فمشاعر النماذج السابقة هي الحب الشديد الذي يؤدي إلى أن يغير المرء حياته ونظام معيشته من أجل من يحب.. والحب الذي يتحمل من أجله من يحب المشاق والمتاعب شدائد الأمور، ولا يسأم ولا يضجر ولا يمل بل يحب المشقة لأنها سوف توصله إلى محبوبه…


وكانت هذه المشاعر عند الصحابة الكرام أيضا، بنفس المقدار، ولكنها كانت في حب الدين وأعمال الدين وحب الآخرة وأعمال الآخرة..
فنرى بضعهم يترك أمواله ليهاجر، وبعضهم يترك زوجته وعياله، وبعضهم يترك كل شيء من مصنع أو متجر أو شركة أو [محل حلاقة] ليدعو إلى الله عز وجل في بلاد الفرس والروم… وإذا طالبهم القرآن أو النبي صلى الله عليه وسلم بذلك:{انفروا خفافا وثقالا وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون}(التوبة).. {إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما ويستخلف قوما غيركم ولا تضروه شيئا والله على كل شيء قدير}(التوبة)… {قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين} (التوبة24)
لم يجلسوا في مكانهم ويقولوا مثلما نقول: الدين يسر، إن الله غفور رحيم…

فهم يتركون من أجل ما يحبون، كما نحن نترك من أجل ما نحب.. ولكن الفرق ههنا هو في: ما هو الأمر الذي كانوا يحبون فمن أجله يضحون؟ وما هو الذي نحب ومن أجله نضحي.؟



نحن لسنا على استعداد أن نغير من أمور حياتنا ودنيانا أي شيء ولو صغير من أجل الدين، ولا نريد أن نضحي بأي شيء من أجل الدين..
والخلل ههنا في أن قيمة الدين عندنا رخيصة، وقيمة الأموال والمساكن والدنانير والدراهم والزوجات والأولاد والمراكب والمصايف ثمينة… فلا يمكن أن نترك ما هو رخيص عندنا من أجل ما هو ثمين في قلوبنا..

أما الصحابة فعلى العكس تماما.. الدين شيء ثمين، والدنيا شيء رخيص، فتركوا الرخيص من أجل الثمين..

نحن لسنا على استعداد أن نفرغ للدين وللآخرة عاما كاملا، ولا شهرا كاملا ولا يوما كاملا، لتعلم العلم الشرعي والتفقه في الدين أو لعبادة أو لدعوة غير المسلمين للدخول في الإسلام وتعريفهم بالله..
ولكننا على أتم استعداد أن نفرغ للدراهم والدنانير والزوجة والأولاد والمصايف أياما وشهورا وأعواما بلا سأم ولا ضجر ولا ملل.. ولا نقول: المصايف يسر لا تتعب نفسك لحصيلها، الدنانير والدرهم يسر لا تفرغ كثير من الوقت لجمعها، الزوجة والأولاد يسر لا تضيع وقتك معهم..


عندما واصل النبي صلى الله عليه وسلم الصيام في رمضان، وجد أن الصحابة رضوان الله عليهم يواصلون مثله، دون أن يأمرهم بذلك..
ولما نهاهم عن الوصال… لم يقولوا مثلما نقول عندما نريد أن نهرب من أي تكليف شرعي: لعل ذلك من خصوصيات النبي صلى الله عليه وسلم، ما لنا وهذا الأمر، نحن لم نؤمر بذلك، بركة يا جامع، لا يعنينا هذا الأمر.إلخ….
ولكنهم قالوا: إنك تواصل.. أي إن أمر الدين هنا يأخذونه بنشاط ومحبة فلذلك يتحملون المشاق من أجله… ولا يسمحون لأنفسهم أن يسبقهم أحد بعبادة إلى الله عز وجل، فهذا هو مجال التنافس والتسابق والفرار..

أما نحن الآن فنتسابق على أي شيء دنيوي وله نعلن النفير العام، ونوجه كل طاقاتنا وقوتنا ومالنا لأمور الدنيا بنشاط ومحبة وإن كان فيه بعض المشاق والتعب والإرهاق لأننا نحب ذلك… فإذا جاء أمر الدين ووجدنا أنه سوف يغير بعض حياتنا وقد يمس بعض أمور ديننا قلنا: الدين يسر، لم يأمر الله بهذا، أأنتم أفضل عبادة من النبي صلى الله عليه وسلم.. إلخ هذا الكلام الذي كله تثبيط وتكاسل وتثاقل…

إننا والحمد لله عندنا دين مثلما كان الصحابة عندهم دين، ولكن الفرق أن الدين عندنا شيء هامشي في الحياة، لا نقدمه على أي أمر من أمور الدنيا، بل نؤخره على جميع أمور الدنيا ولا نضحي بشيء من دنيانا لأجله أبدا… وأفضلنا من جعل الدين كالعباءة أو الجلباب الذي يلبسه في رمضان، فإذا انقضى رمضان انقضى نظام الدين، وتحولنا إلى نظام الدنيا وإن كان مخالفا لنظام الدين..

أما الصحابة الكرام فلم يكن الدين عندهم شيئا خارجيا عن جسمهم، لقد كان الدين عندهم كما ورد:"دينك دينك لحمك دمك" لقد كان مثل دمهم ولحمهم لا يفرطون في أي شيء منه كما لا يفرط عاقل في أي شيء من لحمه ودمه…
__________________
أبو سعيد