موضوع له علاقة بالموضوع
تستطيع أن تقول إنني كنت من الرعيل الأول الذي وصل إلى أرض أفغانستان، حدث هذا قبل عقدٍ ونصفٍ تقريباً، وذلك بعد حصولي على تخفيضٍ مقداره خمسة وسبعون في المائة من قيمة التذكرة على متن الخطوط السعودية، تلقيت هذا التخفيض الهائل من إحدى المكاتب المختصة برعاية مصالح المجاهدين الأفغان في حي الملز بمدينة الرياض، لا تسألوني عن سر هذا التكريم الغريب لنا من قبل الجميع، لقد كنا من مجاهدي المستقبل، على غرار أطباء المستقبل أو مهندسي المستقبل، أو لعلنا كنا ممن يتصف بصفات المجاهدين والله أعلم بالنوايا، ولكن يكفيك أيها القارئ الكريم أن العم سام الأمريكي الأقلف، أفتى للأمة بأن ما يحدث في أفغانستان هو جهاد شرعي ضد الإلحاد والكفر، ويجب دعمه بالنفس والنفيس من قبل جميع الدول العربية والإسلامية، حتى إن سيئ الذكر الصايع الإيطالي سيلفستر ستالون ( رامبو ) قام بتمثيل فيلمٍ أمريكيٍ يحكي قصة نضال جنديٍ أمريكيٍ مع المجاهدين الأفغان لفك أسر صاحبه الضابط في القوات الخاصة الأمريكية، والذي أوقعه حظه العاثر بين مخالب الجيش الأحمر، وفي نهاية الفيلم الذي انتهى بفوز البطل فوزاً ساحقاً كالعادة طبعاً، كتب المنتج بالخط العريض إن ريع هذا الفيلم لصالح المجاهدين الأفغان .
كانت أمريكا مع الجهاد إذن لأنه يتقاطع مع مصالحها الخاصة في تلك الحقبة ضد الدب الأحمر، والعكس صحيح أيضاً، فلو قالت أمريكا إن ما يحدث في أفغانستان إرهاب دولي لقال العالم بقولها، ولو قالت إن ما يحدث في العراق جهاد شرعي لهلل الشيخ عبد المحسن العبيكان لقولها، ولقال فضيلته عن وجوب الجهاد والاستشهاد في العراق مالم يقله مالك في الخمر، وأنا في الحقيقة لا أعلم ما قاله مالك رحمه الله في الخمر، على أية حال قاتل الله الاستطراد .
حصلت على التخفيض المنشود بعد أن اقترضت مبلغ التذكرة من أحد أساتذتي في المدرسة، نسيت أن أخبركم كنت طالباً في الصف الثاني ثانوي، وبعد رحلةٍ مضنيةٍ نوعاً ما وصلت أو وصلنا إلى مطار العاصمة الباكستانية إسلام أباد ليلاً، كانت هناك عاصفة باردة هوجاء تقصف المسافرين في جنونٍ، غير أنني فوجئت بالاستقبال الدافئ الذي شاهدته هناك، كانت وفود المستقبلين تضم العشرات من المكاتب، هذا من حزب كذا، وهذا من مكتب كذا، والثالث من مؤسسة كذا، تكاثرت الظباء على خراشٍ - فما يدري خراش ما يصيد، وبالمناسبة خراش هذا مجرد كلبٍ على غرار شقيقته الكلبة براقش التي جنت على أصحابها بطولة اللسان .
لا زلت أتذكر ذلك الأخ الذي استقبلني بملابسه السوداء القاتمة قائلاًَ : تفضل معنا يا مجاهد ! ما بين عشيةٍ وضحاها حصلت على اللقب الجميل ( مجاهد )، ما أسهل الحصول على اللقب، وما أصعب أن تكون مجاهداً حقيقياً، كان المستقبل ( بكسر الباء ) لي شاباً يتشح بملابسه السوداء القاتمة، وكان صاحبنا يعتم بعمامةٍ سوداء مهيبةٍ، وقد أطلق لخصلات شعره الكثيف العنان لتداعبها تيارات الهواء العاصف القارص، شبهته بحرس هتلر الأسود الخاص SS قوات النخبة المتحدرة من الجنس الآري الخالص، والتي اشتهرت بلباسها الأسود القاتم المميز، لباس يشعرك بالعزة والرهبة في آنٍ واحدٍ، تتضارب عواطفك وتتناقض مشاعرك للوهلة الأولى، حتى إنني هممت بتمزيق جواز سفري لأنني عزمت في لحظة جنونٍ على ألا أعود إلى الوطن، ولولا لطف الله تعالى بي ورحمته لقارفت تلك الحماقة .
أيها السادة : وبعد التدريب القاسي، والدخول إلى الجبهات، وخوض المعارك اكتسبنا التدريب اللازم الذي أهلنا وحولنا من شبابٍ غضٍ طريٍ، إلى رجالٍ قساةٍ غلاظٍ، نستطيع أن ننحر وأن نقتل دون أن يرف لنا جفن، لا أتحدث عن هذا ولا أريد الحديث عنه، هي صفحة طويت منذ عقدٍ ونصفٍ ولا أريد أن أفتح منها إلا جزءً يسيراً فقط في نهاية المقال، لأنني أمهد إلى الموضوع الأهم في هذه الخاطرة .
عرض التلفزيون السعودي يوم الثلاثاء الماضي بعض الوقفات ولا أسميها اعترافات مع الفراج والرشود، تحدث الرجلان عن الخلايا الإجرامية وطريقة التجنيد لصغار السن من الشباب من قبل أولئك القتلة، واستئثار القادة منهم بالرأي واتخاذ القرار دون مشاركة بقية الأعضاء من صغار السن، وقد تباينت وجهات النظر واختلفت من قبل المشاهدين حول تلك الاعترافات، البعض قال إنها تمثيلية حكومية، والبعض قال : إن الفراج يغازل النظام حتى ينال حكماً مخففاً إلخ ..... والثالث يقول : هي توبة وأوبة صادقة بعد مقتل والد الفراج على يد الأوباش الأوغاد، غير أنني أقول : إن ما ذكره الفراج وصاحبه هو غيض من فيضٍ، ولا أقول إنني كنت عضواً في خليةٍ إجراميةٍ ولله الحمد والشكر على الدين والعقل، لكنني أقول : إن سفري إلى تلك الديار ورصدي لبعض الأمور الخاصة التي سأذكر بعضاً منها وسأعرض عن الباقي لعدم وجود المصلحة في نشرها، أقول : إن سفري إلى هناك وملحوظاتي أوصلتني إلى أن ما ذكره الفراج والرشود هو أقل من القليل .
من ضمن المشاهد التي عرضها التلفاز يوم الثلاثاء والتي توقفت عندها كثيراً متأملاً إلى أين وصل الحال بأولئك القتلة الفجرة، صورة الجنديين اللذين أرديا قتيلين عند باب المسجد وقد فرغا للتو من الصلاة، تخيلوا أيها السادة رجلين مسلمين من الأمن خرجا من المسجد، تقوم مجموعة أو يقوم مجرم أو اثنان بإطلاق النار عليهما وبدمٍ باردٍ عند بيتٍ من بيوت الله، بأي كتابٍ أم بأية حجةٍ ؟ لا ويجيك بعض المجرمين من مجاهدي النت ويقول : تمثيلية حكومية ! أضف إلى ذلك التفجيرات التي سقط فيها العشرات من المسلمين، تفجيرات غرناطة والحمراء كم سقط فيها من المسلمين، الميحا أو غزوة ( ظلام الرياض ) بدر الرياض كم سقط فيها، هل تتذكرون تلك الطفلة التي أنتشلها رجال الأمن من بين الأنقاض جثةً هامدةً، وقد اغبر شعرها كأنها ضحية لقصفٍ أمريكيٍ على العراق أو يهوديٍ على غزة ؟ هل تذكرون تلك العائلة المصرية المسلمة التي طالتها يد الجبن تحت جنح الظلام ؟ تفجير مبنى قوات الطوارئ وتمزيق الطفلة وجدان، وعندما شعر الخونة القتلة بالاستياء الشعبي من تلك العملية، خرج بيان الأوغاد الأبتر يتبرأ من تلك العملية ومن منفذيها، محاولاً في نفس الوقت إلصاقها بتنظيمٍ وهميٍ آخر، ولم تنطلي الحيلة على العقلاء، فشهاب الدين أضرط من أخيه وذيل الكلب عمره ما ينعدل .
لا ألوم الرؤوس الإجرامية الكبيرة العفنة التي تحرك هذه الأدوات من وراء الستار، حيث استحكم بها الجهل، وسيطر عليها الهوى وتصفية الحسابات، بل إنني ألوم المتعاطفين معهم من بعض العامة، فأقول لهم : لقد عاصرت تلك الفترة وأحسنت الظن بالعشرات من القادة الذي يشار إليهم بالبنان في أفغانستان، قبل أن ينجلي لي الغبار، وتنقشع العاصفة وتظهر الحقائق حول ما يدور خلف الكواليس، حدثني صديقي الذي التقيته في إحدى الجبهات قائلاً : اختلفت مع أمير دار الضيافة في بيشاور بباكستان حول مسألةٍ ما، فما كان منه إلا أن أمر بسجني داخل تلك الدار لمدة شهرٍ كاملٍ مع الجلد لقدماي، وبعد تمام الشهر أمر بإخراجي وطردي ( دولة داخل دولة ) .
يتبع