عرض مشاركة مفردة
  #2  
قديم 26-09-2004, 02:41 AM
ذو يزن ذو يزن غير متصل
Banned
 
تاريخ التّسجيل: Nov 2003
الإقامة: تحت ظلال السيوف
المشاركات: 414
إفتراضي



واليوم نجد ان كل قبيلة تنبش تراثها وتاريخها وكل عائلة تبحث عن شجرتها وكأن المجتمع قد سئم الاسواق الاستهلاكية وملها، وها هو اليوم يبحث في سوق الانساب وما الحراك الفكري الذي يعود الي الذات الشخصية والفئة الاجتماعية المحلية المتمثلة بالروايات الادبية وتدوين الشعر المحلي والابحاث الاكاديمية عند هذه المنطقة او تلك، الا ظاهرة تعكس حالة التململ ورفض اسطورة التوحيد الرافضة للخصوصية المحلية والتي تصبو الي القضاء عليها ولو بالقوة وهذه عادة وسيلة الانظمة ذات الاساطير الهشة التي لا تلائم معطيات الواقع. ومن المستغرب ان هذه الرجعة الي ترسيخ الانساب والهويات المحلية ليست محصورة بالكتّاب فقط بل ان حتي بعض علماء الدين ذوي الفكر الاسلامي الاممي قد دون نسبه ونسب عشيرته حتي لا تندثر تحت المظلة الهشة المسماة الوطنية السعودية . وقد رد النظام على عودة المحلية وهجمة الانساب هذه بمحاولة احتوائها تحت مظلة احياء التراث كمهرجان الجنادرية مثلا تحت رعاية ولي العهد.

فمنذ منتصف الثمانينات دخل التراث المحلي وثقافته في حضانة الدولة حتي تتم عملية استيعابه والسيطرة علي سبل ظهوره وانتشاره. وكان من الطبيعي ان تطمس الابعاد السياسية لحركة احياء التراث والابقاء علي الفولكلور الشعبي، فمثلا اختصر تراث البادية بالخيمة والدلة والجمال اما الواحات والمدن والقرى فاختصرت حضارتها بصناعة النعال والخناجر والسيوف وغيره. واعتقد النظام انه سيطر علي التعددية حتي ينعدم تسيسها.

ولكن مقابل المنظورة السعودية الفوقية تفجرت الخصوصيات المحلية التي اختزلتها الدولة بالتراث المادي اما الجانب المعنوي فظل مغفلا ومحاصرا. وظلت المناطق في قبضة الحكومة المركزية تعتمد عليها اعتمادا كليا وظلت امارة المناطق محصورة في افراد العائلة الحاكمة او من ارتبط بها بالمصاهرة. مقابل مركزية الدولة تحققت لامركزية المجتمع الذي دأب النظام علي توزيعه علي المناطق المختلفة قاطعا بذلك انتماءه للمحل المخصص له والذي نشأ به. فالموظف الاداري والعسكري ورجل الامن وحتى المدرس والمدرسة مطلوب منه ان ينتقل الي المنطقة المحددة له دون اي اعتبار لمنطقته الاصل لينسلخ عن محيطه وينخرط في اسطورة الوحدة الوطنية. كان هدف هذه السياسة اقتلاع الفرد من انتمائه المحلي لتكريس الهيمنة السعودية.

وعندما تعالت الاصوات محتجة علي هذا الانسلاخ بدأ النظام يصف المجتمع وكأنه شارع غوغائي معدوم الهدف والتوجه.

وما ان اطل القرن الحالي حتي بدأت الوحدة المزعومة والوطنية المفروضة تفرز ردة فعل تشكك بالوحدة واعلامها بل ان بعض الاصوات تطالب باعادة صياغتها ورسم حدود جديدة لها. ومؤخراً ردت الدولة علي هذه المطالب بقرار وزاري يعاقب موظفي الدولة الذين يشاركون بأي عمل او خطاب او اتصال بالاعلام هدفه تقويض سياسة الدولة او انتقادها. وبهذا القرار حول النظام الشارع السعودي الي فضاء فسيح يشبه العدم.

واذا عرفنا ان القطاع العام ما زال الموظف الرئيسي اذ انه يستوعب اكثر من 40% من اليد العاملة نجد ان هذا القرار يزيل هذه الفئة العاملة من الوجود. برر النظام القرار علي انه يرتكز علي مبدأ الحيادية والولاء للوظيفة العامة، وبذلك كرس النظام معادلة الوظيفة مقابل العبودية المطلقة. تطلب الدولة من موظفيها ان يتجردوا من انسانيتهم لانها تختصرهم وتعتبرهم آلة ميكانية او روبوت اي انسان آلي ينظر ولا يري ينصت ولا يسمع يتكلم ولا يقول بل هو منفذ للاوامر فقط وما ابشع العيش عندما ينسلخ الانسان من انسانيته وقدرته علي طرح علامات الاستفهام.

اليوم يحتفل النظام بهذا الانجاز العظيم.

ومن الضروري الاشارة الى كيفية تسويق هذا الاحتفال عالمياً وخاصة الي المجتمع الانغلوسكسوني. وجرت العادة ان يشتري النظام صفحات كاملة في جرائد ومجلات عالمية انكليزية مقابل مبالغ باهظة، وفي عدد الايكونوميست 17/9/2004 نجد اعلانا يختلف عن اعلانات السنوات الماضية والتي كنا دوماً نرصدها.

في الماضي كانت احصاءات انجازات النظام المزعومة المتمثلة بعدد المصانع والطرقات والمطارات تتصدر الصفحة الدعائية كوسيلة لكسب الشرعية عن طريق الدور التحضيري والتنموي. وربما كان هذا ملائماً لقراء هذه المجلة من رجال الاعمال والصناعيين والقائمين علي المؤسسات المصرفية اذ ان الصفحة الاعلامية المشتراة انما هي ايضا احتفال بدورهم هم كشركاء في الوطن وهم بالفعل شركاء فيه وشراكتهم متمثلة في حصص التنمية التي تربحها مؤسساتهم. هذا العام كانت الصفحة الاعلامية تختلف كليا اذ انها توجه رسالة مضمونها ان النظام يعارض الارهاب.. ويتبني سياسة تحارب الارهاب.. وهو يؤيد الحرب علي الارهاب.. ويعارض اطروحة صراع الحضارات هذه رسالة النظام اليوم الي شركائه:

نستميت في سبيل ارضائكم . انها صرخة لا تحتفل بوحدة وطنية بل انها تبيع الوطن على صفحات المجلات الاقتصادية الغربية.

اليوم نتساءل: اي وحدة وطنية؟ اي احتفال؟ وبأي حال عدت يا عيد؟
__________________

[poem font="Traditional Arabic,5,purple,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="ridge,4,darkred" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
فديتك يا اسامة و القوافي=سلاحي ضد أرباب الفساد
فديتك لست اقوى غير هذا=وبعض القول اوقع من زناد
احبك يا اسامة مثل نفسي=بلى و الله حبك في ازدياد [/poem]

نشيد الفلوجه