أخويّ صلاح الدين القاسمي وعبود:
شكراً لكما جزيلاً على هذه المداخلة والتي لا أرتجي منها مدحاً وثناء ولا عجبا وإطراء لكن الذي أبهجني أن وجدت من بين هذ الكم الهائل من يقدر الأمور المفيدة حق التقدير . ومما قادني للحديث عن هذا الموضوع أني أجد الكثير من الناس لا هم لهم إلا الدفاع عن رأي أو التقريظ لرأي دون العلم والوعي بما يجنيه هذا الكلام.
للجدال أحبتي في رسول الله أسباب ، منها:
1- الكبر: قال تعالى " إن الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم إن كبر إلا في صدورهم ما هم ببالغيه فاستعذ بالله" سورة غافر. والكبر عباد الله يجعل الواحد مجادلاً وهو يعلم أنه على خطاً لكن يعز عليه أن يظهر أمام الناس في صورة من غُلٍب على رأيه وأُظهر فوق قوله. وفرعون عليه اللعنة كان من هذه النوعية. قال تعالى" وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلماً وعلواً" أي أنهم كانوا يؤمنون بوجود الخالق لكن العلو منعه وأشياعه من الاعتراف بذلك. وفي الواقع المُعاش نجد كثيراً من المثقفين يعز عليهم الاعتراف بأنهم على خطأ حتى لا يظهروا في صورة المنهزمين. وكأن لسان الواحد منهم "أنا الأستاذ الجامعي الدارس في جامعةات كامبردج وأوكسفورد وويست كانسن وسان لوانز....كيف أو أنى لي بعد دراسة القوانين والدساتير في الدول المتحضرة أن أصدق كلام مجموعة من رجال المساجد واللحى" مثلاً فيجادل في تشرعيات الله وأحكامه ويلوي عنق الحقيقة وسضع كل شيء في غير موضعه. ويجادل حتى لا يظهر في صورة المستسلم.
2- اتباع الهوى: وهو من أسباب الجدال فالمجادل في كثير من الأحيان هو إنسان برجماتي وما السفسظائيون إلا نموذجاُ من هذه الشاكلة من البشر وهم أناس عاشوا في عصر الدولة اليونانية كانوا يجادلون في كل شيء بغية تحقيق أهداف سياسية أو اقتصادية أو فكرية. وفي الإسلام يقول رب العالمين" إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس" ومتبع الهوى يجادل للهروب من التكليف أو للالتفاف حوله فمثلاً من صلى ولم يسبغ الوضوء عليه إعادة الوضوء والصلاة . لكن اتباعه الهوى يجعله يتخير من الآراء ما يوافق ما يريد ويجادل من أجل الهروب من إعادة الصلاة فيقول مثلاً "إن الله غفور رحيم" أو يقول "إنه لا إثم لطالما كنت ساهياً " أو مثلاً ومن أدراك .. هل كنت أنت من توضأ؟..." وهكذا وهناك ارتباط وثيق تفهمه أنت أيها القارئ بين الكبر واتباع الهوى .. أليس كذلك ؟ فإذا قلت لامرأة ياأمة الله لا يجوز لك الصلاة بالبنطال قالت مثلاً " وأنت لا تعرف أن الدين يسر؟ لطالما حُجٍب الشعر فقد صار الملبس شرعياً تجوز الصلاة والمشي به. كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خُيّر بين أمرين اختار أيسرهما. لا تغلوا في دينكم......"قال تعالى " فإن لم يستجيبوا لك فاعلم أنما يتبعون أهواءهم ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله"
3- الجهل : وهذا من أعظم الأسباب المؤدية إلى الجدال . قال تعالى " ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير " وكثير من الناس عافانا الله وإياكم لجهلهم بخطورة الجدال يصلون لمناطق لا يجوز الجدال فيها أنتم تعلمونها. والجاهل يجادل لعدم وجود دليل على صحة قوله فيواري هذا الجهل بما هو أشد دلالة على الجهل . مثلاً إذا قلت لإنسان يا أخي إن ما تقوم به من تبرك بالأولياء والصالحين مخالف لأمر الله ورسوله يقول لك مثلاً "يا أخي وهل فعلنا محرماً ؟ إنهم أولياء الله أفلا نحسن إليهم؟ألم يقل الله ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ...." والبدع الكثيرة التي ترسخت في وجدان الناس ترجع لوجود المدافعين عنها والمجادلين للحق" ها أنتم جادلتم عنهم في الحياة الدنيافمن يجادل الله عنهم يوم القيامة أم من يكون عليهم وكيلاً "
والجاهل يحسب نفسه عالماً فيفتي بغير علم ويجادل ولعل اتباع الهوى والكبر يرتبطان أيضاً بجهالة الجاهل. والجهل يقود صاحبه لارتكاب حماقات من ضمنها مثلا مجادلة العلماء والثقات بأهل المعرفة الضحلة من العوام ولبسطاء بل والاستدلال بالموضوع من الأحاديث والمكذوب والمدرج منها والضعيف وما أُوَّل تفسيرهعلى غير مراده. وعدم العلم بالشيء يقود الجاهل للجدال من أجل التظاهر بالمعرفة.
4- الفراغ : فالفرد الذي يعاني من الفراغ يدفعه هذا الفراغ للمجادلة في أي شيء فلو قلت لواحد مثلاً سأسافر بالطائرة بإذن الله يقول لك السيارة أشد أمناً . فإذا قلت له لكنها أكثر راحة- أي الطائرة- يقول لك لكن السيارة أرخص تكلفة. وإذا قلت له لكني لا أستطيع السفر بالسيارة سيقول لك مثلاً هذا في أول الأمر وبعد ذلك تتعودها والطائرة قد تتعطل فلا يكون بينهما فرق كبير. لا حظوا أن الدولة العباسية لما أصابت من الترف نصيباُ موفوراً أصبح لدى الفرد فراغ كبير هذا الفراغ حولوا أن يملأوه فبدأوا بالخوض في الجدال لتفسير كل شيء بالعقل كأسماء الله وصفاته والمعجزات الحسية والمعنوية. مما أدى بالشعب إلى الانغماس في الأمور التافهة والانشغال بما لا ينفع من العلم ونسوا الجهاد وعاشوا ترفاً تسبب بشكل غير مباشر في سقوط الدولة العباسية . بمعنى أن الكثير اقتنعوا بأفكار الملاحدة والزنادقة من أهل الجدال والمعتزلة فكسلت نفوسهم عن اتباع أمر الله وهديه فصار لهم ما صار . والفراغ نجده عند الكثير من البسطاء ممن يكونون قد أحيلوا على المعاش ولم يجدوا ما يشغلون به أنفسهم فيشغلونها بالجدال الطويل عن طريق المجالس التي تمتد لأنصاف الليالي وعلى المقاهي أو عن طريق الاتصالات الهاتفية ونجد الامر نفسه عند النساء وغير المتعلمين. فمن وجد فراغاً ولم يجد ما يشغله به تاقت نفسه إلى الثرثرة والتي هي طريق الجدال المولد للحقد والشحناء.
وقد تتفرع من هذه الأسباب أسباب فرعية كالشك وضعف اليقين والإيمان أو الفضول .
أحبائي .. بالتطبيق على واقع المنتديات .. نستطيع أن نعرف كيف صار الجدال في كثير من الخيام والتي كا من الأولى بالأشخاص التزام الأدب فيها بدلاً من التجريح والتطاول ولن تخرج أسباب الجدال عن هذه الأسباب الأربعة والله أعلم لا سيما الجهل والفراغ. فالذي أوجد عنده هذا الكم من الأوقات للنقاش والجدل هو لا شك إنسان فارغ يعاني من فراغ كما يدل أسلوبه على الجهل على الأقل بأخلاقيات الجدال ثم الموضوع الذي يجادل فيه . عموماً نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعل ممن يقرؤن هذا القول من يستفيدون ويفيدون ويعلمون فيعملون بما يعلمون فيبارك الله فيهم وينفهع بهم غيرهم ولا تحرمونا من تعقيبكم .
سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين
__________________
هذا هو رأيي الشخصي الخاص المتواضع، وسبحان من تفرّد بالكمال
|