عرض مشاركة مفردة
  #15  
قديم 21-10-2004, 07:05 AM
النسري النسري غير متصل
كاتب مغوار
 
تاريخ التّسجيل: Jun 2004
الإقامة: الأردن
المشاركات: 2,917
إرسال رسالة عبر ICQ إلى النسري
إفتراضي

رمضان شهر تلاوة ومدارسة القرآن



الشيخ : عمر عبيد حسنه




كيف لا يكون لرمضان هذا الفضل الكبير ، وهذا التميز العظيم ، عن سائر الشهور والأيام ، وفيه أنزل القرآن ، قال تعالى : { شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ }



هذا الكتاب الذي انتهت إليه أصول الرسالات السماوية جميعاً ، وحكى لنا قصة البنوة كمختبر بشري ، وتجاربها في الهداية ، على مدى تاريخ البشرية الطويل.



وكأن المؤمن به ، الملتزم بتعاليمه وأحكامه ، يقف على القمة لتجربة الأنبياء مع أقوامهم ، ووسائلهم في هدايتهم ، وخصائصهم ، كمحل للأسوة والاقتداء ، في الصبر والتحمل ، والإيثار ، والرحمة ، والعفو ، والإحسان ، والاحتساب في سبيل نشر الخير ، والفضيلة.



وكأن المؤمن بالقرآن ، إلى جانب أنه يتحصل على مواريث النبوات ، وينضم إلى قافلة الخير ، والاستقامة ، فإنه يمتلك أصول الخطاب الإلهي للبشر ، ابتداء مما أنزل الله من تعاليم في الصحف الأولى : { إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى } [ الأعلى : 18 ]



وانتهاء الرسالة الخاتمة التي جاءت مصدقة لما سبقها من الرسالات ، ومصوبة لتعاليمها،بعد أن داخلتها يد التحريف والتبديل ، قال تعالى : { وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ } [ المائدة :48] .



فبالقرآن ينضم المسلم إلى قافله الخلود ، التي ابتدأت مع بدء الخلق ، ويمتد به الخلود ويمتد حتى مرحلة الخلود ، المستقر في دار الخلد ، الجنة التي وعدها الله المؤمنين ، كل هذا كان محله ، ومدخله ، شهر رمضان.



والحقيقة التي لا بد من الإشارة إليها ، في شهر رمضان ، الذي بلغ تلك المكانة ، بسبب القرآن إلى جانب كل المعاني ، التي ينضحها القرآن ، أسوة بالرسول عليه الصلاة والسلام الذي تصفه عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها بقولها : كان خلقه القرآن. إن القرآن هو الخطاب الإلهي الأخير للبشرية ، وهو أقدم وثيقة تاريخية دينية وصلت بالتواتر : أي بما يفيد علم اليقين ، بسلامة النقل ، من جيل إلى جيل ، وهذا يعني فيما يعينه ، أن المسلمين ، يمتلكون دون غيرهم من العالم ، النص الديني السليم ، من التحريف ، والتبديل ، بل يمتلكون المعيار ، معيار التصويب والتصحيح ، لما داخل النبوات السابقة ، من تحريف وتبديل ، وامتلاك هذا النص الإلهي السليم يفوق لكل الكنوز ، والثروات ، والطاقات ، لأنه يأتي بكل تلك الكنوز والطاقات ، ولكنها لا تأتي به.



والمسلمون عندما تمسكوا بالقرآن ، كانوا خير أمة أخرجت للناس ، وألحقوا الرحمة بالناس ، وخرجوا بهم من الظلمات إلى النور : { كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ }.


وأصبحوا أمة الحضارة ، والعطاء العالمي ، وتخلصوا من الفرقة ، والشتات بالتناحر والتشاحن ، وتحولوا إلى التعاون والوحدة أصبحوا أمة مذكورة تاريخياً ، وحضارياً ، {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ } [ الزخرف : 44 ] .


إن امتلاك المسلمين اليوم للنص الإلهي السليم ، يمنحهم القدرة على إنقاذ البشرية ، ويمنحهم الإمكان الحضاري ، ويجعلهم في محل القيادة للناس ، والشهادة عليهم ، من موقع الوسطية والاعتدال. يقول تعالى : { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدا } .



إنهم يمتلكون التاريخ النبوي ، ويمتلكون المعيار ، ويمتلكون قيم الهداية ، يمتلكون الهدى والبينات ، يمتلكون الفرقان ، الذي يمنحهم البعد والتاريخي ، والعطاء العالمي ، والمدى المستقبلي ، لدعوتهم ورسالتهم.



لذلك نرى أن من الأخطاء الفكرية ، والدينية ، والثقافية ، والتاريخية ، محاولات اختزال الإسلام في زمن معين ، أو جماعة معينة ، أو إقليم معين ، أو جنس بشري معين ، أو صراع مع نظام ، أو حاكم ، أو واقع ما ، كائناً ما كان.



إن الإسلام بما يمتلك من قيم الكتاب الخاتمة ، للنبوة الخالدة ، على الزمن ، أكبر بكثير من الإنسان ، والزمان ، والمكان ، والأشخاص والأحوال ، والأحزاب ، والجماعات ، والحكام ، وحتى المحكومين.



إنه النور الذي لا يطفأ ، ولا ينطفئ ، مهما حاولت الأفواه الصغيرة ، أن تقذفه لتطفئه متمثلة صورة النمرود ، والمتجددة ، في حواره مع سيدنا إبراهيم أبي الأنبياء عليه السلام ، عندما قال : أنا أحي وأميت ، ذلك أن خلود الآيات على الزمن ، يعني خلود المشكلات ، وتجدد الجدال والمواجهة ، بين النبوة ، متمثلة بسيدنا إبرهيم ، أبي الأنبياء ، والنماريد المستمرة ، التي تتوهم أنها تحيى وتميت فلا تلبث أن تموت ، ويخلد الإسلام والمسلمين ولو لم تتكرر أمثال هذه الصورة ، لتوقف ، التاريخ البشري ، وانتهت رحلة الصراع بين الخير والشر ، وألغيت سنن المدافعة ، وضرب الحق بالباطل : { كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ }



فلولا الضرب ، لما ظهر الزبد ، ولما تحصحص الحق الذي ينفع الناس.



نعود إلى القول : أي فضل لشهر رمضان ، إلى جانب فضائله العظيمة ، والكثيرة أكبر من أنه شهر القرآن ، ذلك الشهر الذي خصه الله من بين الشهور كلها ، بنزول القرآن ، كما خصه بتلاوة ومدارسة القرآن ؟



فلقد كان جبريل أمين الوحي ، ينزل على الرسول صلى الله عليه وسلم في رمضان، فيدارسه القرآن ، فالمدارسة والمراجعة ، والتجدد ، كان محله شهر رمضان، فرمضان مائدة القرآن ، بما فيه من إقبال على التلاوة الفردية، والمدارسة الجماعية ، والدروس في المساجد ، وتلاوات الصلوات الجهرية، وصلاة القيام ، تلك التلاوات المتعددة ، التي إن أحسنا تدبرها ، وحسن التعامل معها ، والتلقي لها ، فسوف تفعم نفوسنا بالإيمان ، وتحقق لنا النقلة الكبيرة ، في سلوكنا وواقعنا.



وبذلك يشكل رمضان ، من كل عام ، مرحلة التصحيح والتصويب ، لأحوالنا والارتقاء لمواقعنا ومراتبنا.



روى عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال : ( يقال لصاحب القرآن اقرآ وارق ، ورتل كما كنت ترتل في دار الدنيا ، فإن منزلتك عند آخر آية كنت تقرؤها ) [ السنن لابن ماجه ].



فهل يدرك المسلمون رسالة ومكانة شهر القرآن ، ويدركون أهمية المدارسة ، والتدبر ، والتلاوة ، يدركون أن القراءة سبيل الرقي ، والارتقاء ، فيكون رمضان مرحلة التحول الكبير في حياتهم ، من الجهل إلى العلم ، ومن الأمية إلى القراءة ، ومن الظلمات إلى النور ؟
__________________