عرض مشاركة مفردة
  #17  
قديم 24-10-2004, 04:34 AM
النسري النسري غير متصل
كاتب مغوار
 
تاريخ التّسجيل: Jun 2004
الإقامة: الأردن
المشاركات: 2,917
إرسال رسالة عبر ICQ إلى النسري
Talking الصيام النعمة العظيمة :



الصيام النعمة العظيمة



إن شهر رمضان نعمة عظيمة من الله بها على هذه الأمة، ومن واجب الإنسان تجاه نعمة ربه أن يشكره عليها، وشكره لله حق الشكر هو أن يؤدي حقه عليه فيما أنعم به، وشهر رمضان من هذه النعم التي يجب أن نشكر الله عليها، وشكرنا له عليها هو أن نحرص على أن تكون كما أراد منا أن تكون. في هذا الشهر وفي غيره. وما جعل الله هذا الشهر إلا ليؤدبنا ويدربنا لنكون دائما كما كنا فيه، وعظمة رمضان تتجلى فيما وقع فيه من أحداث، فهو الشهر الذي أنزل الله فيه القرآن، وهذا أعظم حدث وقع فيه، ونحن نعلم مدى عظمة هذا الكتاب، وفيه حدثت معركة الفرقان ببدر، والتي كانت حدا فاصلا بين الشرك والتوحيد، والإسلام والكفر، وتحدد فيها مصير كل منهما. وفيه حدث الفتح الأعظم "فتح مكة" الذي به انفتح الطريق أمام الإسلام لينساح إلى بقاع الأرض كلها وفيه حدث عظيم آخر يتكرر كل عام، وهو "ليلة القدر" التي نزل القرآن فيها أول مرة. هذه الليلة التي هي خير من ألف شهر، والتي من صادفها نال مغفرة الله ورحمته، وهذا خير كثير هنيئا لمن فاز به، هذه أبرز الأحداث التي وقعت وتقع في رمضان المبارك.

ومن مزايا شهر رمضان، وحكمة فرض صيامه ووجوبه على القادر والمستطيع أن الله سبحانه يريد لعباده الخير والفلاح والجنة، ولا يريد لهم الشر والخسران والنار، وقد علم أن عباده ضعفاء، وأن الأرض قد تجذبهم، وتنجذب لها النفوس، فيركنوا إلى شهوات الدنيا وملذاتها ويعكفوا عليها. وفي ذلك خطر عظيم عليهم، وكما هو معلوم فالإنسان مركب من عنصرين مختلفين هما الروح والمادة، ونفس الإنسان بينهما، قد تنجذب إلى هذا أو ذاك


علم الله سبحانه كل هذا فجعل لعباده محطات في حياتهم يقفون عندها، يتزودون منها ما يعينهم على تتبع السير في طريقهم إليه، ومن هذه المحطات البارزة هذا الشهر الكريم. يتوقف عنده المسلم، كما يتوقف المسافر على طول الطريق بسيارته أمام محطة الوقود ليملأ خزان سيارته، حتى لا يتعطل في الطريق عندما ينفذ ما معه من وقود ويتعرض للخطر.

والله سبحانه جعل شهر رمضان وشرع صيامه ليدرب عباده على مجاهدة نفوسهم، واعتقل فيه أعداءهم ليسهل عليهم المجاهدة، وفتح عليهم أبواب نفحات رحمته وهداه. كل ذلك ليتخلصوا من سيطرة شهواتهم وأهوائهم ويعودوا إلى رحاب ربهم يتلون كتابه ويناجونه بذكره ويستغفرونه على ما كان منهم، وهذا سر الحديث الذي قاله صلى الله عليه وسلم "إذا دخل رمضان فتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب النار وصفدت الشياطين". إن نفس الإنسان متمردة بطبعها، فإذا لبى لها صاحبها كل رغائبها فإنها تتمرد عليه ولا يسلس له قيادتها، وتبدأ هي في توجيهه إلى حيث تشتهي، دون أن يملك من أمره شيئا، كذلك الفرس الجموح الذي ينفر من صاحبه، ولا يقدر عليه، ولكن ما الذي يجعل هذه النفس المتمردة تذعن وتخضع لأمر الله، إنه الجوع، ولهذا فرض الله صيام رمضان ليكسر غرور النفوس ويحد من أنانيتها المفرطة، ويعلم الإنسان كيف يحس بآلام أخيه المحتاج فيعطيه مما أعطاه الله. ويدربه حتى يكون طول العام كذلك، لا في رمضان وحده، ومن حكمة نزول القرآن في هذا الشهر أن يتذكر المسلم الصائم فضل هذا الكتاب ويقترب منه تاليا متدبرا وأن يحرص على تنفيذ الأوامر الموجودة فيه ويجتنب النواهي كذلك، ويعرف فضل الإنسان العظيم الذي جاء به من عند ربه بلغه للناس، فيحرص على إتباع

سنته والإقتداء بهديه صلى الله عليه وسلم، ويتدرب على ذلك في رمضان ويحرص على أن يكون بعده، لا أن يلتزم بطاعة الله في رمضان فإذا خرج عاد إلى ما كان عليه قبله، فقد قال الحسن البصري: بئس القوم الذين لا يعرفون الله، إلا في رمضان.

ورمضان شهر الصبر، فالصيام يعلم الإنسان الصبر على الطعام والشراب، فالصبر على شهوات النفس كلها، يعلمه كيف يكظم غيظه، كيف يضبط لسانه، ويزن كلامه قبل النطق به، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا كان صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابه أحد أو شاتمه، وفي رواية أو قاتله، فليقل إني صائم، إني صائم". هكذا يعلمنا رسولنا صلى الله عليه وسلم كيف نكون في رمضان حتى نتدرب على أن نكون كذلك طول العام.

إن الصيام يعلم الإنسان الصبر على شهوات نفسه ورغباتها أيام رمضان، وهو بهذا يدربه ويعده للصبر في مواطن أخرى يحتاج الإنسان فيها إلى الصبر أكثر من أيام رمضان، وهي مواطن الجهاد في سبيل الله وإعلاء كلمة الله في الأرض، في هذه المواطن يحتاج الإنسان إلى المؤمن إلى الصبر ليقف الموقف الذي يشرفه، ويشرف الدين الذي يتبعه ويؤمن به، ومن هنا نعرف الحكمة في وقوع معركة بدر في هذا الشهر الكريم، حيث كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه قلة بالنسبة لأعدائهم ولكنهم كانوا صائمين، ففعلوا بأعدائهم الأفاعيل، إن الإنسان في صيامه يصبر على الجوع والعطش باختياره هو، ولكنه في هذه المواطن ،مواطن الجهاد، يصبر رغما عنه، فليس له اختيار في الصبر حينئذٍ، فإن انتصر على نفسه وصبر، فصبره هذا على نفسه وانتصاره عليها يرشحه لكي ينتصر عدوه، وهذا ما وقع لصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، في بدر وغيرها، إنهم انتصروا على أنفسهم فنصرهم الله على عدوهم، والصيام يعلم الإنسان المراقبة لله سبحانه، والإخلاص له في القول والعمل، فالإنسان عندما يصوم لا يعلم الناس هل هو صائم أم لا ؟! قد يدخل بيته وحده، ويأكل ويشرب ويخرج، ولا يدري الناس عنه شيئا، ولكنه لا يفعل هذا، ويظل جائعا عطشانا حتى تنتهي المهلة التي حددها الله للصوم، وهي الغروب، فهذه هي المراقبة لله، إنه لا يستطيع أن يخترق الحد الذي حده الله، وهذا ما نتمنى أن يكون مع جميع الحدود التي حدها الله والشرائع التي شرعها، حتى نكون كما أراد الله لنا أن نكون.

والصيام يعلم الإنسان الإخلاص لله في أعماله وأقواله، فعبادة الصوم ليست كسائر العبادات، فالصلوات الخمس عبادة جماعية، تحضر فيها مع الجماعة، تراهم ويرونك، والزكاة كذلك، قد يراك الناس وأنت تخرجها، والحج فأنت تحج مع الناس وليس وحدك، ولكن الصيام يظل سرا بينك وبين مولاك، إن لم تظهره أنت بنفسك، فالصيام عبادة تظل بعيدة عن الرياء، وما شابه ذلك من الأمراض، ولا تستطيع أن تخترقها، إلا إذا فتح صاحبها لها الأبواب لتدخل عليه منها ولعل هذا سر ما جاء في الحديث القدسي: "كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به".

كتبها: عبد الله القادري






__________________