عرض مشاركة مفردة
  #20  
قديم 25-10-2004, 02:02 AM
النسري النسري غير متصل
كاتب مغوار
 
تاريخ التّسجيل: Jun 2004
الإقامة: الأردن
المشاركات: 2,917
إرسال رسالة عبر ICQ إلى النسري
إفتراضي تلاوة القرآن :




تلاوة القرآن

وهي أول صلة وهي جسر إلى التدبر وطريقٌ إلى فهم المعاني وسبيلٌ إلى معرفة علوم القرآن وهي كذلك مُعينة على التزام الأوامر واجتناب النواهي وما يلحق بذلك من واجبات .
وهذه التلاوة القرآنية نزل بها أمر الله -عز وجل- للمصطفى -صلى الله عليه وسلم- ولأمته من بعده لأن الأمر له ولأمته كما جاء في قول الحق عز وجل:
{إنما أُمرت أن أعبد رب هذه البلدة الذي حرمها ووله كل شيء وأُمرت أن أكون من المسلمين وأن أتلو القرآن}.
أي وأُمرت أن أتلو القرآن قال ابن كثير أي أتلوه على الناس وأُبلغهم إياه والمقصود أن النبي أُمر بتلاوة القرآن لنفسه ولأمته ولتبليغه للناس وبيانه ولتحريك القلوب به وإحياء النفوس به بإذن الله -عز وجل-.

وقد جاء في دعاء إبراهيم:{ربنا وأبعث فيهم رسولٌ منهم يتلو عليهم آياتك }.
وقال جل وعلا:{هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويعلمهم الكتاب والحكمة}.
فالتلاوة هي الطريق إلى هذا العلم والجسر إلى ذلك الفهم.
وهي الباب الذي يلج منه الإنسان إلى تأثر قلبه وميل نفسه وهداية عقله واستقامة سلوكه بالقرآن الكريم:{وأتلو ما أوحي إليك من كتاب ربك لا مبدل لكلماته}.
أمرٌ للنبي -صلى الله عليه وسلم- أن يشغل لسانه بتلاوة القرآن وأن يجعله مِلئ الأسماع والآذان حتى يقع به تحريك النفوس والقلوب بإذنه -جل وعلا- وقال سبحانه وتعالى:{وما تكون في شأن وما تتلو منه من قرآن إلا كنا عليكم شهوداً إذ تفيضون فيه}.

وهذا يبيّن أن شأن النبي -صلى الله عليه وسلم- وشأن أهل الإيمان والآية في معنى اطلاع الله تعالى ومعرفته بكل أحوال الإنسان وذكر منها على وجه الخصوص الشأن والحال الذي ينشغل فيه المرء بتلاوة القرآن فهذه تلاوة القرآن أمر الله وهي النفع والفائدة والباب الذي يلج منه إلى كثير من الفوائد والمنافع.

ولنقف مع الأجر، ولننظر إلى الأثر، ولنعرف الآداب، ولنجتنب المحاذير في شأن تلاوة القرآن، أما الأجر فتأتينا الآيات التي تُهيّج النفوس المؤمنة والقلوب المُحبة المتشوقة إلى مثوبة الله ورضوانه:{إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سراً وعلانية يرجون تجارة لن تبور ليوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله إنه غفورٌ شكور}.
وصيغة المضارع كما نعلم أنها صيغة الاستمرار والدوام فألسنتهم دائمة مشغولة بذكر الله وتلاوة القرآن:{ الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة }.
والقرآن من إقامة الصلاة وهو لبّها في قراءة الفاتحة وما بعدها:{وأنفقوا مما رزقناهم سراً وعلانية يرجون تجارة لن تبور}.
فهو بابٌ عظيم من أبواب المتاجرة مع رب الأرباب وملك الملوك الذي لا تنفذ خزائنه والذي يعطي عطاء ليس له وصف ولا له حد والذي لو أعطى كل سائل مسألته ما نقص من مُلكه شيءٌ إلا كما ينقص المخيط إذا غُمس في ما البحر ثم أُخرج منه.

ويبيّن الحق جل وعلا أن المقبلين عليه بتلاوة كتابه وتدبر آياته أنه -سبحانه وتعالى- يقابله وفاءاً بالأجر منه ومن أوفى من الله -سبحانه وتعالى- وزيادة وإكراماً بالفضل والمزيد من الإحسان منه -سبحانه وتعالى- ومن أكرم منه جل وعلا.

وبيّن الحق -عز وجل- بعد ذلك أنه غفورٌ شكور يغفر لمن غَفَلَ أو سها أو قصّر أو فرّط ويشكر من ذكر وأقبل وتقدم لمرضاة الله سبحانه وتعالى.
وهذه أحاديث النبي -صلى الله عليه وسلم- التي تبيّن لنا عظيم الأجر والمنفعة التي نجنيها بتلاوة القرآن التي قصرّنا قيها وربما مرت بنا أيام وليالٍ لم نقرأ فيها آية ولم ننظر فيه في مصحف ولم نتفرغ فيها لإحياء قلوبنا بهذه الآيات.

هذه عائشة رضي الله عنها تروي عن رسول الهدى -صلى الله عليه وسلم- أنه قالالذي يقرأ القرآن وهو ماهرٌ به مع السفرة الكرام البررة –أي الذي يحسن التلاوة ويجيدها تصحيحاً وترتيلاً مع السفرة الكرام البررة، منزلته مع الملائكة الأطهار في منزلة عالية سمواً بإيمانه وارتفاعاً وقرباً لصلته بالله عز وجل ورفعة لمنزلته وتعظيماً لأجره- والذي يقرأ القرآن ويتعتع فيه وهو عليه شاق فله أجران).
الذي يُعاني مشقة في القراءة فهو لا يُجيدها ولا يُحسنها فليقبل على القراءة؛ فإن الله عز وجل يُعظم له أجره ويكون له أجر المشقة وأجر التلاوة بإذن الله.

وفي حديث ابن مسعودمن قرأ حرفاً من كتاب الله فله به حسنة والحسنة بعشرة أمثالها لا أقول ألم حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف).
فكم نُضيّع عندما نُقصّر في التلاوة من أجور وحسنات مضاعفة إلى أضعاف لا يعلمها إلا الله؟ وكم في كل آية من حرف؟ وكم في كل سورة من حرف؟ وكم في كل جزءٍ من حرف؟ وكم في القرآن كله من حرف؟ وكم في الحروف من حسنات؟ وكم في الحسنات من مضاعفات؟ وكم في هذا من فضل ونعيمٍ وأجر ومثوبة نحن في أمّس الحاجة إليها فضلاً عن ما يكون وراء ذلك من نفع القلوب والنفوس والعقول والسلوك.

وإذا تأملنا أيضاً؛ فإننا واجدون في هدي وحديث الرسول -صلى الله عليه وسلم- أيضاً ما يربط بالقراءة في شأنٍ هو عند المرء المؤمن عظيم ٌ وأمر هو عنده من الأمور المهمة وهو أمر الآخرة.
جاء في حديث أبي أمامة عن رسول الهدى -صلى الله عليه وسلم- أنه قالاقرءوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه).

وفي حديث عبد الله بن عمر عن المصطفى -عليه الصلاة والسلام- أنه قال:
(الصيام والقرآن يشفعان للمسلم، يقول الصيام أظمأته في الهواجر ويقول القرآن أسهرته في الليالي وكلٌ يطلب الشفاعة فيُشفعان فيه) والأحاديث كلها من الصحيحة.

وفي حديث أبي هريرة يبيّن النبي -صلى الله عليه وسلم- أن هذا الباب من أعظم الأبواب التي يتنافس فيها المتنافسون ويتطلع إليها المتطلعون المتشوقون إلى الإقبال على الله، وعلى نيل رضوانه وإلى تحصيل الأجر والثواب فهو عليه الصلاة والسلام يقوللا حسد إلا في اثنتين رجلٌ علمه الله القرآن فهو يتلوه أناء الليل وأناء النهار فقال رجلٌ "أي آخر" لو أن الله أعطاني مثله لفعلت فعله والآخر رجلٌ أتاه الله مال فسلطه على الحق في هلكته).

هكذا يبيّن لنا النبي -عليه الصلاة والسلام- أن الأمنيات تتعلق بهذه التلاوة والقراءة والصلة بالقرآن الكريم، وأن ميدان التنافس والحسد المحمود وهو الغبطة إنما يكون في هذا ولم تكن النفوس تتطلع ولا الأعناق تشرأب إلى الأموال وكثرتها ولا إلى الجاه وعظمته ولا إلى السلطان وقوته وسطوته وإنما إلى القرآن وتلاوته وأجره ومثوبته وفتحه وتأثيره في القلوب والنفوس وهذا الذي ينبغي أن نتنبه له.
وأما الأثر بعد الأجر فما أدراك ما هذا الأثر أثرٌ لا يقتصر على الإنسان المسلم المؤمن بل يتعداه حتى إلى الكافر بل يتجاوز الإنس إلى الجن بل يتجاوز عالم الأحياء إلى عالم الجمادات تأمل ما جاء في كتاب الله لبيان هذه الحقيقة في شأن أهل الكفر قال الله جل وعلا:{وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون}.
قال ابن كثير: "أي إذا تُليّ لا تسمعوه ".
ورُوي عن مجاهد أنه قال:"ألغوا فيه بالمكاء والصفير والتخليط في المنطق"، ولماذا كانوا يصنعون ذلك ؟ لماذا كانوا يتبعون النبي -صلى الله عليه وسلم- فإذا قرأ القرآن صفروا وصفقوا وخلطوا أو جاء قائلهم يروي القصص ؟ لأنهم كانوا يخشون الأثر الذي يتوجه إلى القلوب والنفوس فيغيّرها، ومن هنا كانوا يعرفون أنهم لو تركوا القرآن يُتلى حتى دون تفسير وحتى دون تعريفٍ بالمعاني؛ فإنه له تأثيره الذي لا يُنكر مطلقاً.

بل قد وقع هذا في هذا العصر بتجارب مخبرية معملية طبية أن القرآن قد وُجد له تأثير في كافر لا يعرف اللغة العربية.. وُجِدَ أنه عند قياس كهربية جسمه واضطرابه وتوتره أنه عند سماع القرآن يحصل له نوع تغير فيه نوع سكينة وهدوء وطمأنينة، وهو كافر غير مسلم وهو لا يعرف العربية، وهو لا يعرف ما الذي يُتلى عليه حتى نقول إنه تأثر به.

وهذا الوليد -وهو أحد أعلام الكفر في الجاهلية وأحد صناديد قريش وأحد بلغاء العرب وفصحائهم- عندما تُلي عليه القرآن قال للنبي -عليه الصلاة والسلام-:أعد عليّ، فأعاد ثم قال:"والله إن له لحلاوة وإن عليه لطلاوة وإن أسفله لمغدق وإن أعلاه لمثمر وإنه يعلو ولا يُعلى عليه وما هذا بقول بشر".
هكذا شهد الأعداء بأثر تلاوة القرآن، ومثل الوليد كان يعرف المعاني وكان يُدرك الإعجاز وكان يلمس البيان والبلاغة التي يعرف مدى تأثيرها عند العرب.

وهذا القرآن أيضاً يقص علينا التأثير:{قل أوحي إليّ أنه استمع نفرٌ من الجن فقالوا إنا سمعنا قراءناً عجباً * يهدي إلى الرشد فآمنا به ولن نُشرك بربنا أحدا}.
حتى هذا العالم الذي لا نراه من الجن مخلوقات الله قد أقبلت واستمعت وأنصتت وتأثرت وءامنت وأسلمت.
بل انظر إلى ما هو أعظم من ذلك وأجلى.. {لو أنزلنا هذا القرآن على جبلٍ لرأيته خاشعاً متصدعاً من خشية الله}..{ولو أن قرآناً سُيرت به الجبال أو قُطعت به الأرض أو كُلم به الموتى} والتقدير لكان هذا القرآن هو الذي يُحدث مثل هذا الأثر، فكيف لا تتأثر به قلوب ءامنت بربها، وأسلمت لمولاها، واتبعت رسولها، ورضيت هذا الإسلام ديناً لها.. كيف لا يحصل هذا الأثر؟ إننا قد انقطعنا عن التلاوة وانقطعنا عن الأسباب المؤدية لهذا التأثير فكيف حينئذٍ نشكو انعدام الأثر ونحن لم نبدأ بإيجاد المؤثر؟ الذي يتأمل ينظر إلى هذا فيعرف ما ينبغي أن تكون عليه التلاوة.

يتبــعـــــ........>>>


__________________