الموضوع: الثقة بالنفس :
عرض مشاركة مفردة
  #1  
قديم 26-10-2004, 06:09 AM
أوراق الخريف أوراق الخريف غير متصل
وداعا خيميتي الحبيبة
 
تاريخ التّسجيل: Aug 2004
المشاركات: 1,892
إفتراضي الثقة بالنفس :

الثقة بالنفس :



الثقة بالنفس هي نقطة البداية‏..‏ ولكن ما هي الثقة بالنفس؟ ونقطة البداية إلي أي شيء؟‏!‏
والأمر قد يختلط‏..‏ من يثق بمن؟‏!‏ وهل أنا شيء ونفسي شيء آخر؟‏..‏ وهل الأنا الأعلي التي يقول بها علم النفس تحل المعضلة؟‏!‏

مهما يكن من أمر‏,‏ فكلنا يقول أشياء تنبيء عن الإنسان ونفسه‏,‏ من قبيل‏:‏ لقد لمت نفسي علي أني فعلت كذا وكذا‏..‏ أو لقد رضيت عن نفسي أن فعلت كيت وكيت‏..‏ أو يقول أحدهما للآخر وهما يتشاجران‏:‏ احترم نفسك‏!‏
والنفس الأمارة بالسوء‏..‏ تأمر من؟ تأمر صاحبها (وما أبريء نفسي إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي)‏(‏ يوسف‏53)‏ والنفس اللوامة‏..‏ تلوم من؟ تلوم صاحبها علي تهاونه أو تخاذله في أشياء كان يجب عليه أن يفعلها أو أشياء كان ينبغي عليه أن يمتنع عنها‏..‏ وقد أقسم الله بها( ولا أقسم بالنفس اللوامة‏)(‏ القيامة‏2)..‏ هاتان الآيتان قد يبدو منهما أن الإنسان ونفسه شيئان متمايزان‏..‏ وفي مواضع أخري يمتزجان فيصبحان شيئا واحدا كما هو الحال يوم القيامة0 (يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها‏)(‏ النحل‏111)‏ وأيضا يخاطب رب العزة النفس يوم القيامة علي أنها وصاحبها شيء واحد( يا أيتها النفس المطمئنة‏..‏ ارجعي إلي ربك راضية مرضية‏..‏ فادخلي في عبادي‏..‏ وادخلي جنتي)‏(‏ الفجر‏27‏ ـ‏30).‏

ولكن الإنسان يستطيع أن يتحكم في نفسه في الدنيا (وأما من خاف مقام ربه ونهي النفس عن الهوي‏..‏ فإن الجنة هي المأوي)‏(‏ النازعات‏40)..‏
لندع الآن تكييف العلاقة بين الإنسان ونفسه جانبا‏(‏ إن كانا حقا اثنين‏)‏ ونأتي إلي الجانب العملي من الموضوع‏..‏ فهو أمر مألوف أن نقول‏:‏ إن فلانا عديم الثقة في نفسه‏..‏ ولا يستطيع أن يتخذ قرارا دون الرجوع إلي زوجته مثلا‏!‏ أو نقول‏:‏ فلان يثق في نفسه ويواجه المواقف الصعبة بلا تهيب‏,‏ إذن هناك شيء اسمه ثقة أو عدم ثقة في النفس‏..‏

وهل الثقة في النفس مرادفة للاعتداد بالنفس؟‏!‏ وهل هناك حد فاصل بين الاعتداد بالنفس وبين الغرور؟‏!‏ وأقول إن الذي يثق في نفسه له أن يعتد بها‏,‏ ولكن ينبغي ألا يصل الأمر إلي درجة الغرور‏..‏ فالغرور مرحلة متقدمة من الاعتداد بالنفس‏..‏ والناس قد يختلط عليهم الأمر بالنسبة لشخص ما‏..‏ فقد يقول أحد إنه معتد بنفسه‏..‏ في حين يقول آخر إنه مغرور‏(!)‏
فأن نثق بأنفسنا فذلك مطلوب‏,‏ وأن نعتد بها جائز‏..‏ ولكن أن نغتر بأنفسنا فهذا ما لا ينبغي أبدا أن يكون‏..‏ فالغرور له محاذير كثيرة جدا‏..‏ وإن لم يلجم الإنسان نفسه وسيطر عليه الغرور فقد يقع ـ بل بالتأكيد سيقع ـ في شر أعماله كما يقولون وسوف نتعرض لهذا بعد قليل‏..‏

نعود إلي الثقة بالنفس ـ وجودا وعدما‏..‏ أو شدة وضعفا ـ فنقول إن غياب الثقة بالنفس يؤذي الإنسان ويكاد يشل حركته في الحياة‏..‏ فهو يخشي أن يقدم علي أي شيء‏..‏ ويحتاج دائما إلي من يوجهه أو يأخذ بيده‏..‏ فهو بطيء الحركة وهو متردد‏..‏ ولا يكاد يبرم أمرا حتي ينقضه بعد ذلك‏..‏
وهذا شيء يمكن ـ بل ينبغي ـ علاجه‏..‏ بالتفكير والحوار المتأني بين الشخص ونفسه‏..‏ لماذا أنا فاقد الثقة أو هكذا ضعيف الثقة في نفسي؟‏!‏ ليس هناك سبب يدعوني إلي ذلك‏..‏ والإيمان هنا من أقوي الأسلحة‏..‏ لأن الله يطلب منا أن نتوكل عليه‏..‏ فإذا توكلنا عليه فهو يكفينا أمرنا( ومن يتوكل علي الله فهو حسبه)‏(‏ الطلاق‏3)..‏

وفي الأمور المصيرية لا مانع ـ بعد أن نفكر في الأمر مليا ـ أن نستشير من نطمئن إليه‏,‏ وبعدها نقلب الأمر علي وجوهه المختلفة‏,‏ ثم نتخذ القرار بأنفسنا‏,‏ وأن نعزم ونتوكل علي الله (فإذا عزمت فتوكل علي الله إن الله يحب المتوكلين‏)(‏ آل عمران‏159)..‏ اللهم إلا إذا ظهرت لنا قبل المضي فيما نحن بصدده‏,‏ أشياء من شأنها أن تحسم الأمر علي نحو مختلف‏..‏ فهنا لا بأس من تغيير القرار‏..‏ ليس عن تردد‏..‏ وإنما نتيجة لمعلومة مؤكدة وصلت لنا‏..‏
قلت إن الإيمان والتوكل علي الله ييسر علي الإنسان أن يثق في نفسه وألا يخشي شيئا‏,‏ فكل شيء بقضاء‏,‏ ولن يكون في النهاية إلا ما قدر الله لنا( قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا هو مولانا وعلي الله فليتوكل المؤمنون)‏(‏ التوبة‏51)‏ والذي يثبت الثقة بالنفس هو الممارسة‏..‏ وأضع خطوطا تحت كلمة الممارسة‏,‏ فالثقة ـ كغيرها من أمور كثيرة ـ لا نكتسبها إلا بالممارسة‏..‏ فالممارسة تدعم الثقة وتؤكدها‏..‏

ولا غني عن اكتساب الثقة بالنفس لأنه بدونها تصبح حياة الإنسان نهبا للمخاوف والهواجس‏,‏ والإقدام والإحجام‏,‏ والاعتماد المفرط علي الآخرين في اتخاذ القرارات التي ينبغي علينا اتخاذها في أمور حياتنا‏,‏ كما نصبح هدفا يمكن أن يستغله الآخرون في تنفيذ مآربهم‏,‏ طالما نثق فيهم ولا نثق في أنفسنا‏..‏ فيزينون لنا أشياء قد تنفعهم وتضرنا‏..‏ أو يحولون بيننا وبين أشياء تنفعنا ولا تنفعهم‏.‏
الاعتماد علي النفس ضروري‏..‏ وهو لا يتأتي إلا بأن نمارس الثقة في أنفسنا‏..‏ ونتعود ذلك حتي نتخذ قراراتنا في سهولة ويسر‏..‏ غير خائفين ولا وجلين‏..‏ متوكلين علي الله في كل ما نأتي وما ندع‏..‏

والاعتماد علي النفس يؤدي إلي الاعتداد بالنفس‏..‏ ولا شيء في هذا علي الإطلاق‏..‏ أما أن يتحول الاعتداد بالنفس إلي الغرور فهذا من أسوأ ما يكون‏..‏ فالإنسان المغرور لا يطيق الناس صحبته أو التعامل معه‏..‏ والإنسان المغرور هو إنسان مزهو بنفسه‏..‏ فتراه يمشي بين الناس مختالا فخورا( إن الله لا يحب من كان مختالا فخورا)‏(‏ النساء‏36)‏ وهو يتكبر علي الناس لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر‏(‏ حديث شريف‏)..‏
وهو يؤذي نفسه حين يضخم من ثقته فيها‏..‏ فتراه يتورط في أمور لا يحسن تقديرها ولا يقدر عواقبها‏,‏ ظنا منه بأنه فوق مستوي البشر‏!!‏ وتكون هذه الثقة المتضخمة والزائدة عن الحد وبالا عليه‏..‏

الاعتدال في كل شيء مطلوب‏..‏ والوسطية هي الطريق الآمن‏..‏ لا تفريط ولا إفراط‏..‏ والإفراط في الثقة بالنفس مهلكة‏..‏
بقي أن الثقة هي البداية‏..‏ إلي أي شيء؟‏!‏ إلي تحقيق ذواتنا‏..‏ بأن تكون لنا أهداف في الحياة نحققها بإذن الله‏,‏ ونسعي إلي ما وراءها‏..‏ أي إلي تأمين حياتنا الأخري التي تبدأ بالبعث والنشور وتدوم إلي أبد الآبدين‏..‏ والتي نرجو أن تكون في جنات النعيم‏..‏
__________________

شكرا لك اخي ابو معاذ على التوقيع