وبات رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الليلة يصلي الى جذم شجرة هناك وكانت ليلة الجمعة السابع عشر من رمضان فلما أصبح وأقبلت قريش في كتائبها قال صلى الله عليه وسلم اللهم هذه قريش قد أقبلت في فخرها وخيلائها تحادك وتحاد رسولك ورام حكيم بن حزام وعتبة بن ربيعة أن يرجعا بقريش فلا يكون قتال فأبى ذلك أبو جهل وتقاول هو وعتبة وأمر أبو جهل أخا عمرو بن الحضرمي ان يطلب دم أخيه عمرو فكشف عن إسته وصرخ واعمراه فحمي القوم ونشبت الحرب وعدل رسول الله صلى الله عليه وسلم الصفوف ثم رجع الى العريش هو وأبو بكر وحده وقام سعد بن معاذ وقوم من الأنصار على باب العريش يحمون رسول الله صلى الله عليه وسلم وخرج عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة والوليد بن عتبة ثلاثتهم جميعا يطلبون البراز فخرج إليهم من المسلمين ثلاثة من الأنصار وهم عوف ومعوذ ابنا عفراء وعبدالله بن رواحة فقالوا لهم من أنتم فقالوا من الأنصار فقالوا أكفاء كرام وإنما نريد بني عمنا فبرز لهم علي وعبيدة بن الحارث وحمزة رضي الله عنهم فقتل علي الوليد وقتل حمزة عتبة وقيل شيبة واختلف عبيدة وقرنه بضربتين فأجهد كل منهما صاحبه فكر حمزة وعلي فتمما عليه واحتملا عبيدة وقد قطعت رجله فلم يزل طمثا حتى مات بالصفراء رحمه الله تعالى ورضي عنه وفي الصحيح أن عليا رضي الله عنه كان يتأول قوله تعالى هذان خصمان اختصموا في ربهم في برازهم يوم بدر ولا شك أن هذه الآية في سورة الحج وهي مكية ووقعة بدر بعد ذلك الا أن برازهم من أول ما دخل في معنى الآية ثم حي الوطيس واشتد القتال ونزل النصر واجتهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدعاء وابتهل ابتهالا شديدا حتى جعل رداؤه يسقط عن منكبيه وجعل ابو بكر يصلحه عليه ويقول يا رسول الله بعض مناشدتك ربك فإنه منجز لك ما وعدك ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض فذلك قوله تعالى إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين ثم أغفى رسول الله صلى الله عليه وسلم إغفاءه ثم رفع رأسه وهو يقول أبشر يا أبا بكر هذا جبريل على ثناياه النقع وكان الشيطان قد تبدى لقريش في صورة سراقة بن مالك بن جعشم زعيم مدلج فأجارهم وزين لهم الذهاب الى ما هم فيه وذلك أنهم خشوا بني مدلج أن يخلفوهم في أهاليهم وأموالهم فذلك قوله تعالى وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم وقال لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم فلما تراءت الفئتان نكص على عقبيه وقال إني برئ منكم إني أرى ما لا ترون وذلك أنه رأى الملائكة حين نزلت القتال ورأى ما لا قبل له به ففر وقاتلت الملائكة كما أمرها الله وكان الرجل من المسلمين يطلب قرنه فإذا به وقد سقط أمامه ومنح الله المسلمين أكتاف المشركين فكان أول من فر منهم خالد بن الأعلم فأدرك فأسر وتبعهم المسلمون في آثارهم يقتلون ويأسرون فقتلوا منهم سبعين وأسروا سبعين وأخذوا غنائمهم فكان من جملة من قتل من المشركين ممن سمى رسول الله صلى الله عليه وسلم موضعه بالأمس أبو جهل وهو أبو الحكم عمرو بن هشام لعنه الله قتله معاذ بن عمرو بن الجموح ومعوذ بن عفراء وتمم عليه عبدالله بن مسعود فاحتز رأسه وأتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم فسر بذلك وعتبة وشيبة ابنا ربيعة والوليد بن عتبة وأمية بن خلف فأمر بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فسحبوا إلى القليب ثم وقف عليهم ليلا فبكتهم وقرعهم وقال بئس عشيرة النبي كنتم لنبيكم كذبتموني وصدقني الناس وخذلتموني ونصرني الناس وأخرجتموني وآواني الناس ثم أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعرصة ثلاثا ثم ارتحل بالأسارى والمغانم وقد جعل عليها عبدالله بن كعب بن عمرو النجاري وأنزل الله في غزوة بدر سورة الأنفال فلما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصفراء قسم المغانم كما أمره الله تعالى وأمر بالنضر بن الحارث فضربت عنقه صبرا وذلك لكثرة فساده وأذاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فرثته أخته وقيل ابنته قتيلة بقصيدة مشهورة ذكرها ابن هشام فلما بلغت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فيما زعموا لو سمعتها قبل أن أقتله لم أقتله ولما نزل عرق الظبية أمر بعقبة بن أبي معيط فضربت عنقه أيضا صبرا ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم استشار أصحابه في الأسارى ماذا يصنع بهم فأشار عمر بن الخطاب رضي الله عنه بأن يقتلوا وأشار أبو بكر رضي الله عنه بالفداء وهوي رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال أبو بكر فحلل لهم ذلك وعاتب الله في ذلك بعض المعاتبة في قوله تعالى ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة والله عزيز حكيم الآيات وقد روى مسلم في صحيحه عن ابن عباس رضي الله عنهما حديثا طويلا فيه بيان هذا كله فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم فداءهم أربعمائة أربعمائة ورجع رسول الله صلى الله عليه وسلم الى المدينة مظفرا منصورا قد أعلى الله كلمته ومكن له وأعز نصره فأسلم حينئذ بشر كثير من أهل المدينة تقية ومن ثم دخل عبد الله بن أبي بن سلول وجماعته من المنافقين في الدين
.. يتبع ..