عرض مشاركة مفردة
  #2  
قديم 31-10-2004, 08:05 AM
خوشناو خوشناو غير متصل
عضو جديد
 
تاريخ التّسجيل: Aug 2004
المشاركات: 26
إفتراضي

((ان الذين يخشون ربهم بالغيب لهم مغفرة واجر كبير)).
((ما يلفظ من قول الا لديه رقيب عتيد)).
فهو لا يسمح بانطلاق خلجاته الشعوريةوسبحاته الخيالية بدون ميزان،انه يريد ان يطهر بها النفوس،ويلطف الاحاسيس،ويجمل الحياة،ويشرح الصدور،ويزكي الاذواق الجمالية ويصقلها،وليس له ان يرتمي في احضان الشك او الرفض للالم والقدر،او يرضي اذواق اصحاب الاهواء..ترضي انتاجاته الاذواق الرفيعة للكاملين من الناس وتطمئنهم.
والتصور الذي يتصوره الفنان المسلم للاشياء غير الموجودة مما سمي بالتخيل لا يفتري على الواقع،ولا يتنكر للدين الحق،انما هو الذي يرى بشكل ادق،او اعمق،او افخم،او اوحلى او اوسع،مما يراه الاخرون،انه ينشيء((صلة ما بين الانسان واماله البعيدة،التي لا يحققها له الواقع،فيبعث اليها بشباك من خياله،ويدنيها منه،ويقربه منها..كما يقول سيدقطب(رحمه الله)..او هو الذي يجمع بين طائفة من الحقائق،وحقائق الوجدان،وانفعالاته،ويربط بين اشتاتها ربطا محكما لاينكره الحس ولا العقل ولا"الدين الحق"..فالقران كان –كما يقول النورسي مستغنيا عن الخيالات الكاذبة،وكذلك الادب الاسلامي والفن الذي ينتجه المسلم لا يقع في وهم الشطحات،ولا يخرق العادة بالتزوير والاكاذيب
"العذبة"وامثال القران هي الدليل المسلم في انتاجه الفني،اذ ان بيانه (يمزق غطاء الألفة وستار العادة الملقى على موجودات الكون قاطبة،والتي لا تذكر الا انها عادية ومالوفة مع انها خوارق قدرة بديعة ومعجزاتها العظيمة))..
لكنه لا يخاف الحق الثابت،ولا يماري،ولا يخلق إفكا،ليدهش المتلقي ويغمره في جو من الاندهاش،والحيرة،ويخلب لبه،ويتلاعب بوعيه،كما يفعل ادباء الحداثة بايراد احداث مثيرة مفردة شاذة،منقطعة عن السياقات المقبولة والمألوفة ليمنحوها دلالات بعيدة غامضة لانهائية..
يقول سعيد النورسي في المقارنة بين البيان القراني وبين هذا اللون من الشعر((ان شأن الشعر هو تجميل الحقائق الصغيرة الخامدة وتزيينها بالخيال البراق،وجعلها مقبولة تجلب الاعجاب..بينما حقائق القران من العظمة والسمو والجاذبية بحيث تبقى اعظم الخيالات واسطعها قاصرة دونها وخانقة امالها)).القران والادب الاسلامي الذي تمثل اصوله،يحيي الذاكرة الايمانية والحق المودع في الفطرة الانسانية،وادب الحداثة يلغي الذاكرة بكل انواعها ويقوم إلى فرض الانقطاع المعرفي الذي رآه "فوكو" ضروريا لتاسيس معرفة جديدة او فن حديث..
قال الله تعالى((قالوا طائركم معكم أئن ذكرتم بل انتم قوم مسرفون) لقد دعا شعراء الحداثة الى استبدال كل ما هو سائد والتحرر من كل ثابت،ففي ندوة اقامها صحيفة عكاظ في عددها
7412 في 1\2 بعنوان: (نحو مفهوم شمولي للحداثة)
..اكد المشاركون فيها ان الحداثة منهج شمولي يعيد تركيب علاقة الانسان مع نفسه ومع العالم الخارجي،وانها تمثل عملية تحرر مستمرة وثورة دائمة تنزع الى الوصول الى الفاعلية الحرة والنشاط المطلق،ومغادرة كل مألوف ومقبول..والغريب ان يشاد بهذا الادب الحداثي في صحف الحرمين!
فقد اشاد احدهم بقصيدة انتجها (د. عبدالعزيز) تتفق مع ما ذهب اليه نيتشه في المانيا من ان الله قد مات،وذلك في مجلة اليمامة رقم(78)
اذ يقول:صار الله رمادا،صمتا رعبا في كف الجلادين،حقلا،سبحات وعمائم.
بين الرب الاغنية الثروة والرب القادم من هوليود
كان الله قديما حبا،كان سحابة،كان نهارا في الليل اغنته بالافكار الخضراء تجاعيد الارض..
كما دافع عن هذه القصيدة الشاعر الحداثي المعروف ادونيس الذي يرى في الشعر ((فاعلية معرفية كشفية قائمة بذاتها)) ..وقد ابدى عدم رضاه بالشعر الحداثي المعاصر في ديارنا لانه لا يخرق ما هو سائد جزريا،واكد ان الحداثة تعني الاختلاف مع السائد(من مفهومات الهوية والوحدة والثبات والنهائية،تؤكد على القطيعة والكثرة والتنوع والتحول والتفتحالمستمر واللانهائية)) وتعني كذلك((الرفض والتمرد على الاسس والجذور والمعايير الثابتة)).وهو يعرف الحداثة بانها((حركة تقوم على قول ما لم يقل في هذا المجتمع،على رؤية عوالم متححرة من جميع العوائق النظرية والعملية في حرية تخيل كاملة،وحرية تعبير كاملة)).
انها عنده ديننة الدنيا،هذا الشاعر قد تنبأ بشعر مستقبلي يتمركز حول الرغبة واللذة وانبجاسا عنهما وفيهما القصيدة منه تشبه النهر الذي(تصب فيه انهار كثيرة،سوف تكون بوصفها رغبة ومتعة،اختراقا واباحة،وتشكيلا خلاقا متواصلا لما لم يشكل))فبماذا اعتذر هذا الشاعر لهذه القصيدة التي تخلق هذا الافك،وتفتري على الله،ولا تقدره حق قدره،ولا تدعوه باسمائه الحسنى،وتتناسى ان الله حي قيوم لا ينام ولا يموت،وان الله سبحانه ليس مسؤولا عن تحريفات عبيد له لدينه واشترائهم به ثمنا قليلا،وتشويههم لدلالات اياته..؟ اعتذر له بعذر اقبح من تطاوله،وهو ان لغة الشعر مجازية،و((ما تنقله اذا لا يدخل في مجال الحق والباطل،او هو احتمالي يرتبط بالتخيل والرمز،وليس وثوقيا يرتبط بالمعتقدات والمذاهب)).
وانه-أي ذلك الشاعر المتطاول على الله سبحانه-يرمز في شعره الى ابتذال ممارسة الدينية لـ(فكرة)
الله سبحانه له الاسماء الحسنى وتعالى عما يقولون علوا كبيرا..وليس للشعر ان((يخدم غاية مفيدة او يحمل معنى مفيد)) لانه –كما يزعمون مفيد بطبيعته- ..اما الفنون والاداب فانها تشكل سلطة ادبية قاهرة يجب ان يستسلم لها المتلقي ويؤمن بعصمتها وقداستها،لا تسأل عما تقول وتنتج((فللفنون والاداب خصوصية-عنده-تحتم النظر اليها في ذاتها،والاستسلام لسحرها التخيلي وحركيتها الخلاقة))..
ان ادونيس يكرر ماقاله (رولان بارت) من ان الشعر يجب ان يتمركز حول اللذة والشهوة والمتعة،وتتصادم فيه الموجات الشعورية بدون نظام ثوابت..وتضيع فيه الحدود بين العلم والحلم والتخيل..ولذلك رفض الامام سعيد النورسي مثل هذا الشعر الذي يفتري على الواقع،ويتعدى حدود الله،ويتنكر للعلم،ويتبع الهوى والرغبة اللامحدودة،ولا يمارس التقوى.
ويعتبر"رولان بارت"اباً للبنيوية الحديثة واحد كبار مؤسسي النقد الحديث وعاش طفولة محرومة في فرنسا،واصيب بمرض السل وهو صبي،يعتبر واحدا من اربعةٍ هدموا ما بقي من ثوابت الفكر الغربي،وكشفوا سيئات واقع الحضارة الغربية وهم:ماركس،فرويد،نيتشه..تأثر بـ(ساد وفورييه).
اقر باعتقاده بالمتعية مذهبا في الحياة..من كتبه:درجة الصفر في الكتابة..وهو مؤسس لعلم العلاقات.وقد اعترف بتخليه عنه فيما بعد.ولمزيد من التفاصيل عنه اقرأ كتاب"متاهات" لكاتبه حسونة المصباحي،وكتاب"حوارات مع مفكري الغرب"للكاتبة حميدة نعناع.

( نقلا من مجلة الايمان)
الرد مع إقتباس