عرض مشاركة مفردة
  #4  
قديم 06-11-2004, 08:02 PM
ابن الأمل ابن الأمل غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Jul 2004
الإقامة: مصر
المشاركات: 46
إفتراضي

( 3 )

آثار هذه الليلة على البشرية جمعاء

قبل أن أتكلم على آثار هذه الليلة على البشرية كلها أود أن أذكر آيتين كريمتين من كتاب الله تعالى

يقول الله تبارك وتعالى (( هو الذى بعث فى الأميين رسولا منهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفى ضلال مبين )) ( * الجمعة 2 ) ويقول سبحانه (( لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفى ضلال مبين )) ( * المؤمنون 32 )

إن أول سؤال يتبادر إلى الذهن عند سماع هاتين الآيتين هو ما الذى صرف كلمة ( منهم ) فى وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أن تكون ( من أنفسهم ) ؟!

قد يقول قائل أن الصارف هو كون الأميين فى ذلك الوقت كفارا وكونه صلى الله عليه وسلم من المؤمنين وليس من الأميين وهذا مردود عليه بأن الآيتين قد تشابهتا فى أنهما تحدثتا عن رسول يتلوا آيات الله على قوم ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإذا كانت التلاوة متصورة مع اختلاف الدين إلا أنه لا يتصور أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم هو معلم الأميين وهم على كفرهم وشركهم كما لا يتحقق فيهم قوله تعالى (( ويزكيهم )) لأنهم على كفرهم ومعاداتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم ليس لهم وزن عند الله تعالى فلا يزكون عند الله تعالى ولا يزكون فى أنفسهم كما أن قوله تعالى فى حق الأميين (( وإن كانوا من قبل لفى ضلال مبين )) يدل على أنهم وقت المخاطبة كانوا فى نور وعلى نور وكون بعض الأميين فى ذلك الوقت كفارا يدل على أن المخاطب بهذه الآية هم الأميون الذين اتبعوا رضوان الله تعالى وآمنوا بنبيه صلى الله عليه وسلم بدليل قوله تعالى بعد هذه الآية (( وآخرين منهم لما يلحقوا بهم وهو العزيز الحكيم )) ( * الجمعة 3 ) وقال الإمام ابن كثير ( قال الإمام أبو عبد الله البخارى رحمه الله تعالى – وذكر سندا – عن أبى هريرة رضى الله تعالى عنه قال : كنا جلوسا عند النبى صلى الله عليه وسلم فأنزلت عليه سورة الجمعة (( وآخرين منهم لما يلحقوا بهم )) قالوا : من هم يا سول الله ؟ فلم يراجعهم حتى سئل ثلاثا وفينا سلمان الفارسى فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على سلمان الفارسى ثم قال (( لو كان الإيمان عند الثريا لناله رجاله أو رجل من هؤلاء ))- ثم قال- ففى هذا الحديث دليل على أن هذه السورة مدنية ) انتهى كلامه

وعلى ذلك يكون الممتن عليهم فى الآيتين هم المؤمنون فما الصارف الذى صرف وصفه صلى الله عليه وسلم بأنه منهم إلى أنه من أنفسهم ؟!

إنى لا أتصور سوى أن هذا الصارف هو اختلاف التعميم والتخصيص فرسول الله صلى الله عليه وسلم من الأميين أى واحد منهم وهذا يقتضى كونه غيرهم هذا بالنظر إلى صفة هذه الأمة أما بالنظر إلى دينهم فهو من أنفسهم وهذا يقتضى كونه صلى الله عليه وسلم معهم واحدا لا يتجزأ ويقارب هذا المعنى قوله تعالى فى الأزواج (( يا أيها الناس اتقوا ربكم الذى خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذى تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا )) ( * النساء 1 ) وقوله تعالى (( ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن فى ذلك لآيات لقوم يتفكرون )) ( * الروم 21 ) فهما بالنظر إلى الخلقة اثنان بدليل قوله تعالى (( وبث منهما )) أما بالنظر إلى الحياة المشتركة بينهما فهى من نفسه والنفس كل لا يتجزأ

ولعل هذا هو أكبر آثار تلك الليلة على البشرية كلها وهو أن هذه الليلة كانت بداية تجميع البشر كلهم تحت راية واحدة وعلم واحد فصارت الرسالة الجديدة عامة لكل زمان ومكان وصار الرسول من نفس المؤمنين فتوحد الوصف لكل من يقبل الدخول تحت هذه الراية الجديدة فالوصف الجديد ليس ( قرشى ) أو ( يثربى ) وإنما صار الوصف الجديد الموحد ( مؤمنا ) فالرسول وإن كان من الأميين إلا أن قرابته من المؤمنين أقوى وأشد آصرة فهو لهم من أنفسهم

وتحت هذا الأثر الجديد على هذه الأمة الجديدة يأتى كل أثر آخر فإن أهم ما يحتاجه البشر فى كل زمان ومكان هو التوحد تحت راية واحدة فقد عرف الحواريون الله تعالى كما عرفه صالحوا اليهود كما عرفه صالحوا البشر على مر العصور غير أنهم جميعا كانوا مشتتين ممزقين فكانت هذه الرسالة التى أنزلت على هذا الرسول فى هذه الليلة رسالة عامة لكل بنى آدم فهى لواء جديد يتجمع تحت رايته كل متشوق للحرية وكل ظامئ للسعادة فكانت هذه الرسالة فى هذا الوقت لهؤلاء البشر كالماء البارد على الظمأ وقد رأينا فرحة ورقة بن نوفل العامرة لما سمع قصة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد تمثل هذا الأثر الهام كلماته التى تقطر فرحة ولهفة وهو يقول ( هذا الناموس الذى نزل الله على موسى يا ليتنى فيها جذعا ليتنى أكون حيا إذ يخرجك قومك ) إنه الشوق الجارف إلى الإنضمام إلى الوحدة الإنسانية الجديدة والحنين إلى الموت تحت ظلال هذه الراية هو ذات الحنين الذى يؤرق مضاجعنا ويبكينا نحن المؤمنين فى كل زمان ومكان ونحن نقرأ عن حروبه وغزواته صلى الله عليه وسلم ونتمنى أن نكون هناك إذ ليس مهما ما سنفعله ولا ما سنقدر عليه ولكن المهم فقط هو أن نكون هناك أن نموت هناك تحت هذه الراية

وشئ كهذا لا يخفى على رب العزة سبحانه وتعالى فقد ظهر حرصه سبحانه على هذه الوحدة فى كل أوامره لنا فى تشريعه لصلاة الجماعة والصوم أياما مخصوصة فى جماعة (( شهر رمضان الذى أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون )) ( * البقرة 185 ) والحج أياما معلومة فى جماعة (( الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال فى الحج وما تفعلوا من خير يعلمه الله وتزودوا فإن خير الزاد التقوى واتقون يا أولى الألباب )) ( * البقرة 197 ) حتى أنه سبحانه أنزل سورة سماها سورة ( الحج ) وقال فيها (( وأذن فى الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق )) ( * الحج 27 ) وحتى أنه سبحانه أنزل فى كتابه سورة سماها سورة الجمعة قال فيها (( يا أيها الذين آمنوا إذا نودى للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكم إن كنت تعلمون )) ( * الجمعة 9 ) بل حتى أنه أنزل سورة مخصوصة لتعليم المؤمنين كيف يصفوا أنفسهم صفوفا وأطلق عليها هذا الإسم الرائع ( الصف ) حتى يشعرهم وكأنه هو سبحانه الذى يصفهم بيديه الكريمتين وقال فيها (( إن الله يحب الذين يقاتلون فى سبيله صفا كأنهم بنيان مخصوص )) ( * الصف 4 ) فأى كلام بعد كلام الله تعالى ؟

__________________

الأمل
ابــــ ـــن