المسلمون يؤمنون بان الإسلام سينتصر ويمنون أنفسهم بذلك، ولكن هل سيأتي "مارد" مثلا يقلب الضعف إلى قوة؟ وإلا فبأي وسيلة سيكون النصر وحالهم اليوم كما ترى؟
- أعتبر هذا من أهم الأسئلة، في الحقيقة نحن ليس لدينا حلولاً سحرية، ولا أحب أن نعيش الأوهام، الله (جل وعلا) قادر على نصر الأمة وإهلاك الأعداء بكلمة "كن"، ولكن هذا الدين دين بشري، نعم نقول ستنتصر الأمة لأن هكذا أتت نصوص الكتاب والسنة والأدلة، ولكن متى؟ أنا أعتبر ان من أعظم أسباب تأخر انتصار الأمة أنها غير مؤهلة للانتصار بسبب ذنوبها ومعاصيها وعدم استفادتها، فذلك الذي أوقعها في هذا الجانب، ولو أخذنا بالسنن الكونية وبالأدلة الشرعية، لا نشك بانتصار هذه الأمة لحظة واحدة، ومع هذا فنحن لا نشك في انتصارها، إلا أن النصر قد يتأخر لأن الأمة غير مؤهلة لذلك، ولم تأخذ بالأسباب الشرعية للانتصار.
تزعم الولايات المتحدة أنها تسعى للإصلاح السياسي في الدول العربية بزرع الديموقراطية ودعم الحريات، فكيف تنظرون إلى ذلك؟
- أنا أتعجب، كأن ما يأتي من الغرب قرآن منزل، فنظريات الغرب يجب أن تمحص، وكثير منها يطرح لأهداف لا تناسبنا، ما يناسب الغرب لا يناسبنا.
لما جاءني من يسألني ويقول هل انت تؤيد أن يكون في السعودية كذا وكذا من بعض الوسائل الديموقراطية، قلت: الثوب الذي يناسبكم لا يناسبنا، نحن عندنا وسائل لتحقيق الشورى ولغيرها غير الأساليب التي قد تفرضونها أنتم علينا، أنا لا أقبل فرضا أميركيا أو غربيا على الصورة التي يرونها، حتى لو كان لدي ملاحظات ووجهات نظر في تحقيق هذه المسائل، يجب ألا نخضع لنظريات الغرب.
فالغرب لا يمكن أن يأتي منه خير، إنما يأتي منه إن كان في ظاهره خير فهو لتحقيق أهدافهم هم، وهذا الذي أثبته التاريخ، أميركا تناقض مبادئها بتصرفاتها وقراراتها بالدول الأخرى، إذن هي دولة استعمارية تنطلق من منطلق المصلحة الفردية المحضة ليس للشعب الأميركي، وإنما لأفراد في الشعب الأميركي، أو لقوة مهيمنة على أميركا كاليهود أو النصارى الجدد هؤلاء، الذين يحكمون اميركا الآن.
وهل تعني بكلامك أن الإسلام ضد الديموقراطية والحرية؟
- كلا وحاشا، ولكن ماهي الديموقراطية؟ الإسلام دين الشورى (وشاورهم في الأمر)، و(وأمرهم شورى بينهم)، الإسلام مع العمل الجماعي، مع تقدير العمل الفردي، لكن من الخطأ أن أستعير مصطلحا يتعامل فيه عدوي وآتي لألزم به بلدي وأهلي، ولكن لدينا من المصطلحات ومن الأصول ومن المنطلقات ما تحقق أعظم مما يحققه لفظ الديموقراطية أو وسيلة الديموقراطية، لكن القصور فينا في تطبيقها وعدم القدرة على تفعيلها، وهذا هو القصور الذي نحن واقعون فيه.
ولكن أليس "لا مشاحاة في الاصطلاح"؟
- لا، قد أقول لك في مشاحاة في الاصطلاح، عندما يكون الاصطلاح عندهم يعني شيئا محددا، أنا لا أقبل به، فكلمة الديموقراطية عندهم تعني شيئا محددا ومعينا، عدم الخضوع للنص، يقولون الديموقراطية هي أن تعاد الأمور للجماهير وللبشر، ولكننا نقول لا، فالأمر لله من قبل ومن بعد، الحكم لله (إن الحكم إلا لله)، ففرق بين الشورى والديموقراطية وليس مجرد مصطلح، وإنما هو مصطلح له دلالته الخاصة المعمقة، نحن نرفضه بهذا المفهوم، بينما إن كانوا يقصدون أن يعطى الفرد كرامته، نقول في الإسلام أكثر من ذلك، فبه حقوق الإنسان، وبه يعطى الشورى.
رسول الله (صلى الله عليه وسلم) المؤيد بالوحي والمعصوم يشاور أصحابه، ويستشيرهم، ويأخذ برأيهم في أكثر المواقع، وهكذا جاء الإسلام، وليس مجرد اختلاف مصطلحات، بل اختلاف حقائق ووسائل.
وما رأي فضيلتكم في دخول المرأة المجالات السياسية والبرلمانات تصويتا وترشيحا؟
- مع كل أسف هل لم يتبق لدينا من مشكلات إلا هذه؟! عندما جاءني مندوب صحافي أميركي وقال لي أنتم لم تعطوا المرأة حريتها، قلت له أسألك سؤالا: نشأت أميركا منذ كم سنة أليس من أكثر من مئتي سنة، قال: بلى، قلت له: عد لي كم امرأة صارت رئيسا في أميركا؟ فسكت، قلت له أسألك مرة أخرى: كم نسبة الوزيرات الأميركيات في الحكومة الأميركية؟ فسكت، قلت:كم عدد النساء في الكونغرس الأميركي ومجلس النواب الأميركي وكم نسبتهن لنسبة النساء في أميركا؟ فسكت، قلت له: نسبة النساء في أميركا أكثر من الرجال، قال: نعم، فقلت له: كم نسبة النساء اللواتي يمثلن الشعب الأميركي في الكونغرس؟ كم نسبتهن؟ هذا خداع، قلت له: لماذا أنتم تطالبون باسم المرأة؟ لماذا المرأة لا تطالب بحقوقها؟ قلت كل هذه نحن لا نقبل بها، المرأة لها كرامتها، وفي الإسلام قضايا لا يقبل فيها إلا قول المرأة ولا يقبل قول الرجل فيها، ولكن في حدود تخصصها وفي شأنها الخاص.
فهم يخادعوننا بالألفاظ وبعضنا ينعق من ورائهم، وهم لا يطبقونها وهم كفار، فكيف يطالبون بتطبيق ما يتعارض مع مبادئنا؟ فلا أقبل أصلا بالمبدأ فضلا عن أن أناقش التفاصيل.
برأيك فضيلة الشيخ لماذا تتخوف الدول الإسلامية من تطبيق الشريعة الإسلامية؟
- ليسوا كلهم كذلك، وعلى كل حال المسألة أن كل إنسان إلا من التزم بهذا الشرع يدور حول نفسه ومصالحه، ولأنهم يخشون، وهم واهمون في هذا، يخشون أن الإسلام سينازعهم صلاحياتهم، لأنه يطلب منهم إعطاء الآخرين حقوقهم، وهم يريدون أن تكون الحقوق لهم كلها، ويتفضلون على الشعوب في ما بقي من مال أو من صلاحيات، يهبونها هبة، ولكن الإسلام يعطي كل فرد حقه من المال والرأي والمكانة والمنزلة، فالذين يتخوفون من الإسلام لم يفهموا الإسلام حقيقة، ولم يتربوا على الإسلام، وإلا فقد مر في التاريخ أن أفضل من حكم هم الذين طبقوا الإسلام، قديما وحديثا.
وهل تقوض الشريعة صلاحيات الحاكم؟
- الشريعة تؤدب الحاكم المستبد، أما الحاكم العادل فإن الشريعة تقول انه أحد الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، وهي تحفظ له حقوقه الشرعية، وتطلب من الناس طاعته بالمعروف لان طاعته من طاعة الله.
|