عرض مشاركة مفردة
  #3  
قديم 06-12-2004, 07:01 PM
أبو إيهاب أبو إيهاب غير متصل
مشرف
 
تاريخ التّسجيل: Mar 2004
المشاركات: 1,234
إفتراضي

وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ {172} سورة الأعراف

إشتهر تفسير هذه الآية الكريمة ، على أنها آية الميثاق ، وأن الله سبحانه وتعالى مسح على ظهر سيدنا آدم وأخرج ذريته كالذر ثم أشهدهم على أنفسهم ... ولما كان مفهوم النفس هو كما ورد بالكتاب والسنة " جسد مستوى وروح " ، وكما بيناه فيما سبق ، فنخرج من هذا بأن الذر ليس نفسا ، وأن النفس ليست ذرا !!! ... لذلك أستسمحكم أن تصبروا على ، وأن تقرؤا هذا المقال إلى آخره قبل الحكم على المعنى الذى سأذكره .

الرأى اذى سأذكره ليس من عندى ، بل هو مذكور فى كتاب " الروح لإبن القيم " ، وقد أورده فى مقارنة بين رأيين ، أحدهما يقول بالمعنى المشهور ، والذى ذكرته أعلاه ، والمعنى الآخر أن هذا الميثاق هو فى الدنيا بعد أن تكتمل النفس نفسا ، من جسد مستوى وروح !!!

وفيما بعد ما ورد فى كتاب الروح ... ونظرا لطول الموضوع سأجزئه :::

الجزء الأول


فصل ونازع هؤلاء غيرهم في كون هذا معنى الآية ( المقصود أخذ الميثاق عليهم وهم ذر ) وقالوا معنى قوله

وإذ أخذ ربك من بنى آدم من ظهورهم ذريتهم أي إخرجهم وأنشأهم بعد أن كانوا نطفا في أصلاب الآباء إلى الدنيا على ترتيبهم في الوجود وأشهدهم على أنفسهم أنه ربهم بما أظهر لهم من آياته وبراهينه التي تضطرهم إلى أن يعلموا أنه خالقهم فليس من أحد إلا وفيه من صنعة ربه ما يشهد على أنه بارئه ونافذ الحكم فيه فلما عرفوا ذلك ودعاهم كل ما يرون ويشاهدون إلى التصديق به كانوا بمنزلة الشاهدين والمشهدين على أنفسهم بصحته كما قال في غير هذا الموضع شاهدين على أنفسهم بالكفر يريدهم بمنزلة الشاهدين وإن لم يقولوا نحن كفرة كما تقول كما شهدت جوارحي بقولك تريد قد عرفته فكأن جوارحى لو استشهدت وفي وسعها أن تنطق لشهدت ومن هذا إعلامه وتبيينه أيضا شهد الله أن لا إله إلا هو يريد أعلم وبين فأشه ذلك شهادة من شهد عند الحكام وغيرهم هذا كلام ابن الأنبارى
وزاد الجرجاني بيانا لهذا القول فقال حاكما عن أصحابه أن الله لما خلق الخلق ونفذ علمه فيهم بما هو كائن وما لم يكن بعد مما هو كائن كالكائن إذ علمه بكونه مانع من غير كونه شائع في مجاز العربية أن يوضع ما هو منتظر بعد مما لم يقع بعد موقع الواقع لسبق علمه بوقوعه كما قال عز وجل في مواضع من القرآن كقوله تعالى ونادى أصحاب النار ونادى أصحاب الجنة ونادى أصحاب الأعراف قال فيكون تأويل قوله وإذ أخذ ربك وإذ يأخذ ربك وكذلك قوله وأشهدهم على أنفسهم أي ويشهدهم مما ركبه فيهم من العقل الذى يكون به الفهم ويجب به الثواب والعقاب وكل من ولد وبلغ الحنث وعقل الضر والنفع وفهم الوعد والوعيد والثواب والعقاب صار كأن الله تعالى أخذ عليه الميثاق في التوحيد بما ركب فيه من العقل وأراه من الآيات والدلائل على حدوثه وأنه لا يجوز أن يكون قد خلق نفسه وإذا لم يجز ذلك فلا بد له من خالق هو غيره ليس كمثله وليس من مخلوق يبلغ هذا المبلغ ولم يقدح فيه مانع من فهم إلا إذا حز به أمر يفزع إلى الله عز وجل حين يرفع رأسه إلى السماء ويشير إليها بإصبعه علما منه بأن خالقه تعالى فوقه وإذا كان العقل الذى منه الفهم والإفهام مؤديا إلى معرفة ما ذكرنا ودالا عليه فكل من بلغ هذا المبلغ فقد أخذ عليه العهد والميثاق وجائز أن يقال له قد أقر وأذعن وأسلم كما قال الله عز وجل ولله يسجد من في السموات والأرض طوعا وكرها
قال واحتجوا بقوله رفع القلم عن ثلاث عن الصبى حتى يحتلم وعن المجنون حتى يفيق وعن النائم حتى ينتبه وقوله عز وجل إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها ثم قال تعالى وحملها الإنسان الأمانة ها هنا عهد وميثاق فامتناع السموات والأرض والجبال من حمل الأمانة لأجل خلوها من العقل الذى يكون به الفهم والإفهام وحمل الإنسان إياها لمكان العقل فيه قال وللعرب فيها ضروب نظم فمنها قوله
ضمن القنان الفقعس بثباتها % ان القنان لفقعس لا يأتلى
والفنان جبل فذكر أنه قد ضمن لفقعس وضمانه لها أنهمكانوا إذا حزبهم أمر من هزيمة أو خوف لجأوا إليه فجعل ذلك كالضمان لهم ومنه قول النابغة
كأرجاف الجولان هلل ربه % وجوران منها خاشع متضائل
وأرجاف الجولان جبالها وجوران الأرض التي إلى جانبها وقال هذا القائل إن في قوله
تعالى أن تقولوا يوم القيامة انا كنا عن هذا غافلين أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم دليلا على هذا التأويل لأنه عز وجل أعلم أن هذا الأخذ للعهد عليهم لئلا يقولوا يوم القيامة انا كنا عن هذا غافلين والغفلة ها هنا لا تخلو من أحد وجهين أما أن تكون عن يوم القيامة أو عن أخذ الميثاق فأما يوم القيامة فلم يذكر سبحانه في كتابه أنه أخذ عليهم عهدا وميثاقا بمعرفة البعث والحساب وإنما ذكر معرفته فقط وأما أخذ الميثاق فالأطفال والإسقاط إن كان هذا العهد مأخوذا عليهم كما قال المخالف فهم لم يبلغوا بعد أخذ هذا الميثاق عليهم مبلغا يكون منهم غفلة عنه فيجحدونه وينكرونه فمتى تكون هذه الغفلة منهم وهو عز وجل لا يؤاخذهم بما لم يكن منهم وذكر ما لا يجوز ولا يكون محال وقوله تعالى أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم فلا يخلو هذا الشرك الذى يؤاخذون به أن يكون منهم أنفسهم أو من آبائهم فان كان منهم فلا يجوز أن يكون ذلك إلا بعد البلوغ وثبوت الحجة عليهم إذ الطفل لا يكون منه شرك ولا غيره وان كان من غيرهم فالأمة مجمعة على أن لا تزر وازرة وزر أخرى كما قال عز وجل في الكتاب وليس هذا بمخالف لما روى عن النبي أن الله مسح ظهر آدم وأخرج منه ذريته فأخذ عليهم العهد لأنه اقتص قول الله عز وجل فجاء مثل نظمه فوضع الماضي من اللفظ موضع المستقبل قال وهذا شبيه القصة بقصة قوله تعالى وإذ أخذ
ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لنؤمن به فجعل سبحانه ما أنزل على الأنبياء من الكتاب والحكمة ميثاقا أخذه من أممهم بعدهم يدل على ذلك قوله تعالى ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه ثم قال للأمم أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصرى قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين فجعل سبحانه الأمم كتابه المنزل على أنبيائهم حجة كأخذ الميثاق عليهم وجعل معرفتهم به إقرارا منهم قلت وشبيه به أيضا قوله تعالى واذكروا نعمة الله عليكم وميثاقه الذى واثقكم به إذ قلتم سمعنا وأطعنا فهذا ميثاقه الذى أخذه عليهم بعد إرسال رسله إليهم بالإيمان به وتصديقه ونظيره قوله تعالى والذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق وقوله تعالى ألم أعهد إليكم يا بنى آدم أن لا تعبدوا الشيطان انه لكم عدو مبين وأن اعبدونى هذا صراط مستقيم فهذا عهده إليهم على السنة رسله ومثله قوله تعالى لبنى إسرائيل وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم ومثله وإذ أخذ ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبينه للناس ولا تكتمونه وقوله تعالى وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم وأخذنا منهم ميثاقا غليظا فهذا ميثاق أخذه منهم بعثهم كما أخذ من أممهم بعدهم يدل على ذلك قوله تعالى ( ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به والتنصرنه ) ثم قال للأمم ( أأقررتم وأخذتم على ذلك إصرى قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين ) فجعل سبحانه بلوغ الأمم كتابه المنزل على أنبيائهم حجة عليهم كأخذ الميثاف عليهم وجعل معرفتهم به إقرارا منهم .