الحديث الثامن عشر
اتق الله حيثما كنت
عن أبي ذر جندب بن جنادة ، وأبي عبد الرحمن معاذ بن جبل -رضي الله عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( اتق الله حيثما كنت ، وأتبع السيئة الحسنة تمحها ، وخالق الناس بخلق حسن ) رواه الترمذي ، وقال : حديث حسن ، وفي بعض النسخ حسن صحيح
هذا الحديث حديث أبي ذر ، ومعاذ بن جبل -رضي الله عنهما- عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( اتق الله حيثما كنت ، وأتبع السيئة الحسنة تمحها ، وخالق الناس بخلق حسن ) .
قوله : ( اتق الله حيثما كنت ) هذا أمر بالتقوى ، وحيثما هذه متعلقة بالأزمنة والأمكنة ، يعني: في أي زمان كنت ، وفي أي مكان كنت؛ لأن كلمة "حيث" قد تتوجه إلى الأمكنة ، وقد تتوجه إلى الأزمنة ، يعني: قد تكون ظرف مكان ، وقد تكون ظرف زمان ، وهي هنا محتملة للأمرين ( اتق الله حيثما كنت ) يعني: اتق الله في أي مكان أو في أي زمان كنت .
والأمر بتقوى الله -جل وعلا- هنا على الوجوب؛ لأن التقوى أصل عظيم من أصول الدين ، وقد أمر الله -جل وعلا- نبيه صلى الله عليه وسلم بأن يتقي الله ، فقال -جل وعلا- : ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً {1}سورة الأحزاب ، وأمر المؤمنين بأن يتقوا الله حق تقاته : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً {70} سورة الأحزاب ، وقوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ {18}سورة الحشر ، وأشباه ذلك .
وتقوى الله -جل وعلا- جاءت في القرآن في مواضع كثيرة ، وأتت التقوى في مواضع أُخر بتقوى عذاب الله -جل وعلا- ، وبأن يتقي النار ، وأن يتقي يوم القيامة كما قال -جل وعلا- : ( وَاتَّقُواْ يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ {281}سورة البقرة ، وقال -جل وعلا- : وَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ {131}سورة آل عمران ، وهكذا في آيات أُخر .
فهذان إذن نوعان ، فإذا توجهت التقوى ، وصارَ مفعولُها لفظَ الجلالةِ : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ {278}سورة البقرة ، فمعنى تقوى الله -جل وعلا- هنا : أن تجعل بينك وبين عذاب الله وسخطه وأليم عقابه في الدنيا وفي الآخرة وقاية تقيك منه ، وهذه الوقاية بالتوحيد ، ونبذ الشرك ، وهذه هي التقوى التي أُمر الناس جميعا بها؛ لأن تقوى الله -كما ذكرت لك من معناها- راجعة إلى المعنى اللغوي ، وهي أن التقوى أصلها "وَقْوَى" فالتاء فيها منقلبة عن واو ، وهي من الوقاية ، وقاه يقيه وقاية .
.. يتبع ..