الجزء الثانى
ونظم الآية إنما يدل على هذا من وجوه متعددة
أ
حدها أنه قال _ وإذ أخذ ربك من بنى آدم ولم يقل آدم وبنو آدم غير آدم
الثاني أنه قال _ من ظهورهم ولم يقل ظهر وهذا يدل بعض من كل أو بدل اشتمال وهو أحسن
الثالث أنه قال ذرياتهم ولم يقل ذريته
الرابع أنه قالا _ وأشهدهم على أنفسهم أي جعلهم شاهدين على أنفسهم فلا بد أن يكون الشاهد ذاكرا لما شهد به إنما يذكر شهادته بعد خروجه إلى هذه الدار لا يذكر شهادة قبلها
الخامس أنه سبحانه أخبر أن حكمة هذا الإشهاد إقامة الحجة عليهم لئلا يقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين والحجة إنما قامت عليهم بالرسل والفطرة التي فطروا عليها كما قال تعالى _ رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل
السادس تذكيرهم بذلك لئلا يقولوا يوم القيامة _ إنا كنا عن هذا غافلين ومعلوم أنهم غافلون بالإخراج لهم من صلب آدم كلهم وإشهادهم جميعا ذلك الوقت فهذا لا يذكره أحد منهم
السابع قوله تعالى _ أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم فذكر حكمتين في هذا التعريف والإشهاد إحداهما أن لا يدعوا الغفلة والثانية أن لا يدعوا التقليد فالغافل لا شعور والمقلد متبع في تقليده لغيره
الثامن قوله تعالى _ أفتهلكنا بما فعل المبطلون أي لو عذبهم بجحودهم وشركهم
لقالوا ذلك وهو سبحانه إنما يهلكهم لمخالفة رسله وتكذيبهم فلو أهلكهم بتقليد آبائهم في شركهم من غير إقامة الحجة عليهم بالرسل لأهلكهم بما فعل المبطلون أو أهلكهم مع غفلتهم عن معرفة بطلان ما كانوا عليه وقد أخبر سبحانه أنه لم يكن ليهلك القرى بظلم وأهلها غافلون وإنما يهلكهم بعد الأعذار والإنذار
التاسع أنه سبحانه أشهد كل واحد على نفسه أنه ربه وخالقه واحتج عليهم بهذا الإشهاد في غير موضع من كتابه كقوله تعالى ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله فأنى يؤفكون أي فكيف يصرفون عن التوحيد بعد هذا الإقرار منهم أن الله ربهم وخالقهم وهذا كثير في القرآن فهذه هي الحجة التي أشهدهم على أنفسهم بمضمونها وذكرتهم بها رسله بقوله تعالى أفي الله شك فاطر السموات والأرض فالله تعالى إنما ذكرهم على ألسنة رسله بهذا الإقرار والمعرفة ولم يذكرهم قط بإقرار سابق على إيجادهم ولا أقام به عليهم حجة
العاشر أنه جعل هذا آيه وهي الدلالة الواضحة البينة المستلزمة لمدلولها بحيث لا يتخلف عنها المدلول وهذا شأن آيات الرب تعالى فإنها أدلة معينة على مطلوب معين مستلزمة للعلم به فقال تعالى _ وكذلك نفصل الآيات أي مثل هذا التفصيل والتبيين نفصل الآيات لعلهم يرجعون من الشرك إلى التوحيد ومن الكفر إلى الإيمان وهذه الآيات التي فصلها هي التي بينها في كتابه من أنواع مخلوقاته وهي آيات أفقية وحسية آيات في نفوسهم وذواتهم وخلقهم وآيات في الأقطار والنواحي مما يحدثه الرب تبارك وتعالى مما يدل على وجوده ووحدانيته وصدق رسله وعلى المعاد والقيامة ومن أبينها ما أشهد به كل واحد على نفسه من أنه ربه وخالقه ومبدعه وأنه مربوب مخلوق مصنوع حادث بعد أن لم يكن ومحال أن يكون حدث بلا محدث أو يكون هو المحدث لنفسه فلا بد له من موجد أو جده ليس كمثله شيء وهذا الإقرار والمشاهدة فطرة فطروا عليها ليست بمكتسبة وهذه الآية وهي قوله تعالى _ وإذ أخذ ربك من بنى آدم من ظهورهم ذريتهم مطابقة لقول النبي كل مولود يولد على الفطرة ولقوله تعالى _ فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون منيبين إليه .
( انتهت المقتطفات من كتاب الروح لابن القيم ) .
بعد هذا الشرح للثلاث آيات التى استشكل فيها كلمة النفس ، آية سورة الأنعام ، الأعراف والفجر ... نستطيع أن نقول ، أن معنى النفس الذى كان واضحا فى آية سورة الزمر ، وبقية ورود الكلمة فى جميع أماكنها ومشتقاتها بكتاب الله ، يستقيم هذا المعنى ... " أن النفس لا تكتمل إلا إذا اجتمع مع الجسد الروح سواء فى الدنيا أو فى الآخرة " ... وبذلك فهى ليست روحا كما يرد فى كثير من التفاسير .
كذلك باعتمادنا لهذا الفهم للكلمة ... يكون الميثاق الذى يؤخذ على ابن آدم هو فى الدنيا بعد أن صارنفسا سوية مكلفة ، فالإشهاد هو لأنفسنا وليس للذر ، بعد أن تكون مكلفة ، واعية مسئولة ... فنحن نشاهد بأنفسنا أنفسنا ، كيف كانت نطفة ثم جنينا ثم طفلا ثم شابا ثم رجلا ثم شيخا ، ولا دخل لمخلوق فى هذه التطورات ، بل هى بقدرة الواحد الأحد ... فهذه هى الحجة علينا ، آمن الناس بها أو لم يؤمنوا ، فكفر من كفر على نفسه ، فذلك لن يغير من الواقع شيئا .
أقول قولى هذا وأستغفر الله لى ولكم .