عرض مشاركة مفردة
  #3  
قديم 13-12-2004, 10:43 AM
فارس ترجل فارس ترجل غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Jun 2004
المشاركات: 563
إفتراضي

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير الهداة والمصلحين وعلى آله وصحبه سادة المتقين وبعد:


فقد قال الله تعالى في محكم كتابه (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ )(النساء: من الآية135) وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( الدين النصيحة ) ولما سئل لمن؟لم يخص بها فئة دون أخرى , بل قال: ( لله ولرسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم).




وكان مما بايع النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه عليه كما في حديث جرير بن عبد الله رضي الله عنه ( النصح لكل مسلم). ومقتضى هذه الأدلة وغيرها أن ينصح العبد المؤمن للخلق وأن يوصل إليهم كلمة الحق، سواءً كانوا حكاماً أو محكومين, موافقين له أو مخالفين يبتغي بذلك وجه الله تعالى ويحتسب عند الله ما يلقى من الأذى في سبيل ذلك فإن أي موقف من مواقف الحق لا يخلو من الأذى واللوم , ولهذا أثنى الله تعالى على عباده المخلصين بقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) (المائدة:54) وكان أيضاًَ مما بايع النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه ( أن يقولوا الحق ولا يخشوا في الله لومة لائم ).










بدأ الشيخ بالآيات الكريمة الدالة على عظم أهمية النصيحة. و سوف نرى الهدف من هذه البداية بعد قليل في خطابه و هو أن التدرج بالقاريء لكي يستنتج بأن منتهى مسؤولية الأمة هي النصيحة للحكام و أن الأمة لم تستنفذ بعد الوسائل لنصح الحكام و توجيههم. و بالتالي فأن القاريء سوف يستشف بعد هذه النصيحة بأن الأمة هي المخطئة بحق حكامها و أن اللوم يقع علينا.


و لك عزيزي أن تتخيل لو أن الشيخ تفكر قليلا في الآية التي ساقها نسخا و لصقا دون تفكر فيها. و هي قول الله تعالى عن القوم الذين يحبون الله و يحبهم "أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين" و أضاف الله تعالى وصفا آخر ليخزي الكاذبين فقل "يجاهدون في سبيل الله" ثم أراد الله أن يفضحه فقال "و لا يخافون لومة لائم" ثم قصم ظهر الحاسد الغيور فقال "ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء و الله واسع عليم".


و لا أعتقد أن الشيخ فيه من المغامرة أن يدعي بأن آل سعود هم الأذلة على المؤمنين الأعزة على الكافرين. و لكن الشيخ يحب أن يقف في المنتصف فهو أيضا لا يحب أن يعترف بأنهم هم "من يرتد منكم عن دينه" لذلك وقف موقفا وسطا و فضل أن يكون "لائم" للمجاهدين. و فضل الواسع العليم لا يؤتيه الله الا لمن يحبهم الله و هم يحبونه.













فمن كان يريد الله و الدار الآخرة ويدعو للإصلاح حقاً فإنه يبذل النصيحة أو ينكر المنكر طاعة لله ولرسوله وحرصاً على إخوانه المسلمين وتحقيقاً للمصلحة الشرعية يفعل ذلك في كل الأحوال ويمحضه كل أحد لا يراعي رضا الناس أو سخطهم, ولا يبالي بلومهم أو اتهامهم.




يبسط الشيخ كلاما نظريا و ترفا فكريا لا يستسيغه عقل العاقل. سأم منه المجتمع الذي صرخ كثيرا و لا يكاد يسمع صراخه أحد. و مل الضحية من كثرة النصائح و الوصايا التي يبدو أنها لا توجه لأحد سواه. بينما الجلاد و إن كان مخطأ فإن خطأه مؤجل و مسموح لأن المجلود لم يتبع السبيل الصحيح بعد لكي يوضح لجلاده الحقيقة.


نحن نعلم ما هو منهج النصيحة. يتم تطبيق هذا المنهج عندما تتوفر الأرضية المناسبة لذلك. مثلا في عهد خليفة مسلم و إن كان فاسدا، و لكن على الأقل لديه وازع من الدين و خوف من الله أو من قوة شعبه المسلم على الأقل. يكون هذا الرابط و إن كان خيطا رفيعا هو الأمل بأن تكون النصيحة نافعة. عندها تتم النصيحة و بالتالي يتم تقبل النصيحة و العمل بها لوجود نظم و آليات تدعم التجدد و الاصلاح في نظام الدولة. بمعنى أن كل خطأ في مسيرة الدولة يتم تصحيحه و أي عثرة يتم تجاوزها. فتصبح الأمة متجددة بوجود نظام إصلاحي.


بالتالي تتحقق المصلحة الشرعية كما ذكرت. و التي قفزت كل الأسوار لتستنتج بأن النصيحة تؤدي لهذه المصلحة اذا استخدمت مع امثال هؤلاء. طبعا يحتاج الشيخ لألف سنة لكي يقنعنا بأن أمثال هؤلاء سيتقبلون النصيحة. و لهذا فلن يتقبل كلامه أحد. فهو إجترار لكلام سمعه الشعب كثيرا و شبع منه ثم لفظه.


إن أقل العارفين بالشأن السعودي و بالسياسة السعودية يعلم تماما بأن النصيحة تمت تجربتها مرارا منذ عشرات السنين بشأن الاصلاح. و قد قام بذلك العلماء الاسلاميون و المصلحين من تيار الصحوة و العلمانيين و الساسة الامريكيون و الاوربيون و مستشاروهم من الدول الغربية و المعاهد السياسية و المفكرون من جميع الأجناس و وضحوا لهم الكثير من الخيارات و نصحوهم لكي يحافظوا على دولتهم من السقوط.


إنك لم تدع لهذا الطريق وهو اسلوب النصيحة و انت تعلم كل هذا الا لانك تعلم ان آل سعود لا يعلمون اين هم من الذي حولهم. فانت تفترض انهم يعيشون في قصور فارهة و بالتالي فهم لم يسمعوا كل تلك النصائح. و إن كان هذا صحيح فهو اعتراف منك بانهم لا يعلمون شيئا عن شعبهم و لا ما يجري حولهم فلماذا تطالبنا بنصيحة من ليس مؤهلا لسماعها؟








أما من ينكر المنكر إذا فعله بعض الخلق دون بعض ويحابي أناساً لموافقتهم هواه, ويشنِّع على آخرين لمعاداتهم له, فهو خارج عن منهج الشهادة لله والقوامة بالقسط والعدل الذي أمر الله به كل أحد في كل حال كما في قوله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى)(المائدة: من الآية8), وقوله جل شأنه في آية الوصايا العشر المحكمات: (وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى)(الأنعام: من الآية152)






المتأمل في كلام الشيخ، يجده في واد و مطالب الشعب و الحاجة الملحة للتغيير في واد آخر. فالشيخ يذكر كلاما رغم أهميته و عمقه في الدين، فهو بسيط يعلمه أقل الناس فكرا. بسط فقط لتهيئة القاريء لبقية المقال لكي لا يتم معاداة الشيخ على ما سيقول لأنه حكم أنه صحيح مسبقا فقط علينا أن نقوم بالقسط و العدل. في تظاهرة خطابية تفترض جهل القاريء في بالد الحرمين و حاول تفهم عقليته.


إن هذا الأسلوب الخطابي، الذي يستخدم اسلوب التمهيد دون الدخول في العمق، و البعيد عن هموم المسلم في بلاد الحرمين و اشجانهم و قضاياهم المهمة شيء محبط فعلا اذا جاء من رموز الفكر فيها. و يندى فعلا جبين الغيور على الدين أن يصبح الأضوحكة في مجالسنا هم من يعطى القلم لكي يكتب عنهم ممثلا لفكرهم. و قد نتفهم عدم الاقدام على الدخول مباشرة في الموضوع بالمسافة التي يعلمها الشيخ بين فكره و الواقع بعيدة جدا. يجب أن يبذ الكثير من الجهد لكي يقرب القاريء لها.












والكلام في هذا يطول، والمقصود واضح لمن نور الله قلبه, وإنما أردت الإشارة والتذكير بين يدي هذه النصيحة التي أقدمها لإخواننا المسلمين في هذه البلاد التي أنعم الله عليها من نعمتي الإيمان والأمان ما يحسدها عليه كثير من المجتمعات.






لا يستطيع الشيخ أن يعيد الكلام القديم بأن الدولة تحكم بشرع الله و هي على منهج السلف. فلم يعد تسويق هذا الكلام مربحا لأن البضاعة انتهت صلاحيتها. لذلك فقد خفف من الكذبة قليلا لكي يستطيع بيعها على من استطاع. و الكلام و ان كان ظاهره يوحي بالصدق فأنه يفضح الشيخ و النظام الي يقف خلفه. و هو إعتراف ضمني بأن أفضل ما لدى النظام هو أنه أفضل من غيره في الجمع بين الاسلام و الامان. و لو كان لدى النظام افضل من هذه الصفة لذكرها بدون تردد.


فالشيخ اولا يفترض ان هناك من المجتمعات من (لا تحسدنا على البترول بل) تحسدنا على الايمان و الذي سببه ليس آل سعود بل سببه محمد صلى الله عليه و سلم الذي قام بالدعوة قبل 1400 سنه تلاه أئمة مجددون بعده. و بهذا فإن نعمة الاسلام ليس سببها كما يقترح الشيخ ديني فكري ثوري بل سببها سياسي. فآل سعود هم سبب ما نحن فيه من ايمان. و أود أن أعرف مَن مِن الأمم تحسدنا على آل سعود و تتمناهم.


طبعا الشيخ لا يقول أن مفكري المجتمعات الأخرى هم من يتمنون آل سعود و الايمان و الامان الذي حققوه. فهم يعلم أن مفكري الأمم الأخرى طموحاتهم أكبر من هذا بكثير. و لكن هو يعني بأن العوام و الجهلة من الأمم الأخرى تتمنى ما نحن فيه. و هو طبعا يتحدث مع شعب الحرمين الجاهل الذي لا يفكر و بالتالي يجب أن ينزل لمستوى تفكيره و يقنعه بمثل هذه العبارات التي استشهد بها و هي كما نعلم من مخلفات بعض أجدادنا الذين لا يقرأون و لا يكتبون و كل طموحهم هو البقاء بجانب أغنامهم في البادية دون أن ينغص عليه أحد الغزاة حياتهم.











ولكن كثيراً من الناس لا يدركون قدر النعمة إلا بعد فواتها, ويقصرون نظرهم على جوانب الظلم والفساد وأسباب الهلاك وسوء المصير, وهي قائمة مشهودة لا ينكرها عاقل ومن هنا يخطئون في تقدير المصالح والمفاسد ويتوهمون الإصلاح في ما هو داء وشقاء مثل الظن بأن الظلم يزال بالإخلال بالأمن وأن فساد النظام يعالج بالفوضى.








إفتراضات بعد إفتراضات و قفز لأسوار عالية و مسافات تختزل في حروف. لا يمكن أن يخطر ببال الشيخ أن هذا الشعب واع و ليس بهذه السهولة يتم تمرير الأكاذيب على أنها حقائق. فالشيخ يتهم الناس بأنهم لا يدركون النعمة و يبدوا أن هذا صحيح فلم يدرك النعمة الا قليل من ابناء هذا البلد ممن باعوا دينهم لأجل هذه النعمة. أما البقية منهم فلم يدركوها حتى الآن و ربما كدحوا سنينا قبل أن يؤمنوا لهم بيتا أو وسيلة مواصلات. و لكن الإدراك الذي يحتاجه الشعب هو أن يدرك مفكروه بهمومه و مطالبه.


و يبدوا ان الشيخ يشير الى الفساد الذي قد يعم في البلد بعد زوال اي نظام. و الحقيقة أن هذا محتمل. و هو يقترح عدم ازالة النظام لكي لا تقع الفوضى. و في خضم قوله يرمي الكلمات يمنينا و شمالا على غير بصيرة فيقول بأن الظلم لا يزال بالاخلال بالامن و هو بذلك يقول بكل صراحة أن هذا الظلم لا يزال بالثورة ضدة (و إن كان المقصود هو مظاهرة سلمية فقط) و إنما يزول الظلم بالنصيحة و أن الثورة ضد الظلم هو إخلال بالأمن، و طبعا هو يتكلم عن الأمن الذي تحسدنا عليه المجتمعات المادية. ثم يسمي المظاهرة بالفوضى في أكبر دليل على إما ثقافة غير واعية و عدم فهم سياسي و تدخل في السياسة من جاهل بها (كتدخل ابن باز غفر الله له بتكفير من قال أن الأرض مسطحة) و إما كذب و إفتراء على الشعب لأن المظاهرات حق مدني للشعوب في كل الديانات و الثقافات.


ثم يتكلم عن جوانب الظلم و الفساد و أسباب الهلاك و كأننا لا نعيش جوانب الظلم و أعظم الفساد الذي سيقود للهلاك. ثم الأمة مخطأة في تقدير المصالح و هو لا يقترح من البديل الذي سيصيب في تقديرها و أتمنى أن لا يقول ولي لأمر أو هو. ثم استمر في الهجوم على الأمة التي إخترات سبيل الاصلاح بكل كبرياء فيقول انهم هم ايضا متوهمون في الاصلاح.


فهو اذا ليس خطأ فقط بل أوهام و أضغاث أحلام. و هذه مشكلة كبيرة فكيف يريد الشيخ أن يقزم الحركة الاسلامية للاصلاح و ينفي عنها كل ما حققته من انجازات يراها هو قبل غيرها و لذلك هب بكتابة هذا المقال استعدادا للمظاهرة، أقول و هذه مشكلة كبيرة أن يصور الحركة بأنها أوهام، خاصة بعد أن سرد كل هذه الايات و الاحاديث عن العدل و القسط و قاد بملحمة خطابية يبدو انه غير مقتنع بها و ذكر بان من لا يسير على هذا المنهج في العدل و القسط "فهو خارج عن منهج الشهادة لله والقوامة بالقسط" و ان "المقصود واضح لمن نور الله قلبه".
__________________
إن هذه الكلمات ينبغي لها أن تخاطب القلوب قبل العقول .. والقلوب تنفر من مثل هذا الكلام .. إنما الدعوة بالحكمة ، والأمر أعظم من انتصار شخصي ونظرة قاصرة !! الأمر أمر دين الله عز وجل .. فيجب على من انبرى لمناصرة المجاهدين أن يجعل هذا نصب عينيه لكي لا يضر الجهاد من حيث لا يشعر .. ولا تكفي النية الخالصة المتجرّدة إن لم تكن وفق منهج رباني سليم ..
وفقنا الله وإياكم لكل خير ، وجعلنا وإياكم من جنده ، وألهمنا التوفيق والسداد.
كتبه
حسين بن محمود
29 ربيع الأول 1425 هـ



اخوكم
فــــــــــارس تـــــــــــرجّلَ