السؤال : فضيلة الشيخ ما رأيكم بشخص يجادل عن الطواغيت ، يقول : لايلزم أن يكون الطاغوت المبدل لأحكام الله الذي نصب نفسه مشرعا مع الله كافرا ؟ لانه قد يكون طاغوتا باعتبار عابديه ، مثل الذين يعبدون الانبياء والصالحين والشمس والقمر ، وادعى ان هذا هو قول المجدد محمد بن عبدالوهاب ، فما هو قوله ؟
الجواب :
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وبعد : ـ
حاصل كلام العلماء : أن الطاغوت كـــلّ ذي طغيان على الله فعبد من دونه .
وقال ابن القيم رحمه الله تعالى : ما تجاوز به العبد حده ، من متبوع ، أو معبود ، أو مطاع.
والحاصل أن قول القائل : لا يلزم أن يكون الطاغوت كافرا ، إن كان يقصد أن من الصالحين من عبد من دون الله من الأنبياء والصالحين أو الخلق المسخــر كالشمس والقمر ، فهؤلاء لا يصح أن يطلق عليهم طواغيت ، لكن يطلق الطاغوت على الشيطان الذي دعا إلى عبادتهـــم ، وما في نفوس المشركين مما يتوهمونه شركاء لله تعالى ، ثم هم يوم القيامة يتبرأون من شركهم ، كما قال تعالى ( ويوم القيامة يكفرون بشرككم ولا ينبئك مثل خبير ) .
وكما قال تعالى ( وما يتبع الذين يدعون من دون الله شركاء إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرصون ) ، فظنونهم الكاذبة ، وتوهماتهم الكافرة هي طاغوتهم مع الشيطان الذي زين لهم عبادة الشركاء .
وإن كان يقصد من رضي أن يتخذه الناس طاغوتا معبودا أو متبوعا أو مطاعا ، مشرعا مع الله ، وأنه لا يكون كافرا مع ذلك ، فهذا هو الكفر بعينه ، و هو الجهل المستبين ، والضلال المبين .
وأما كلام شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب في الدرر السنية فقد قال الجزء الأول ص 82 والطواغيت كثيرة ورؤوسهم خمسة ابليس لعنه الله ومن عبد وهو راض ومن ادعى شيئا من علم الغيب ومن دعا الناس إلى عبادة نفسه ومن حكم بغير ما أنزل الله
واعلم أن الإنسان ما يصير مؤمنا بالله إلا بالكفر بالطاغوت، والدليل قوله تعالى: فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم [البقرة:256]، الرشد: دين محمد صلى الله عليه وآله وسلم، والغي: دين أبي جهل، والعروة الوثقى: شهادة أن لا إله إلا الله، وهي متضمنة للنفي والإثبات، تنفي جميع أنواع العبادة عن غير الله، وتثبت جميع أنواع العبادة كلها لله وحده لا شريك له
هذا ومن تأمل آيات الكتاب العزيز ، علم يقينا أن الله تعالى جعل اسم الطاغوت هو الاسم الجامع لضلال الكفر كلّه ، المقابل لهدى الإيمان الذي جاءت به الأنبياء ، فكيف لا يكون من استحق هذا الاسم كافرا ، سبحانك هذا بهتان عظيم .
كما في قوله تعالى ( لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى ..الآية ) ، وهذه الآية تلخص الإسلام في كلمتين : الكفر بالطاغوت ، المقابل للإيمان بالله ، فهما ركنان لا يقبل أحدهما بدون الأخــر .
وكقوله تعالى ( ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت ) وقوله تعالى ( والذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها وأنابوا إلى الله لهم البشرى فبشر عباد ) ، وقوله تعالى : ( فمن يكفر الطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى ) ، وقوله تعالى ( الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات ) ، وقوله تعالى ( ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ) وقوله تعالى ( الذين آمنوا يقاتلون في سبيل الله والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت فقاتلوا أولياء الشيطان إن كيد الشيطان كان ضعيفا ) ، وقوله تعالى (قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَلِكَ مَثُوبَةً عِندَ اللّهِ مَن لَّعَنَهُ اللّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُوْلَـئِكَ شَرٌّ مَّكَاناً وَأَضَلُّ عَن سَوَاء السَّبِيلِ * وَإِذَا جَآؤُوكُمْ قَالُوَاْ آمَنَّا وَقَد دَّخَلُواْ بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُواْ بِهِ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُواْ يَكْتُمُونَ ) .
أي وقد دخلوا بالكفر وخرجوا به بعبادتهم الطاغوت .
وهذا الرجل المجادل يتبع المتشابهات ، قد قرر في نفسه مسبقا أنه يريد أن يجعل هؤلاء الطواغيت المحاربة لله ورسله ، الصادة عن سيل الله يبغون العوج في الدين ، والمبدلة لشريعة الله ، الموالية لأعدائه ، الساعية في الارض بالفساد العريض ، يريد أن يجعلهم مؤمنين مسلمين ، ثم أخذ يتتبع المتشابه من كلام العلماء ، كما يتبع الذين في قلوبهم زيغ المتشابه من القرآن .
وهو يرى هؤلاء الطواغيت كل يوم يزدادون طغيانا كبيرا ، ويذكَّرون بالله فما يزيدهم إلا نفورا ، ويقتحمون لإرضاء الكفار كل كفر وردة ، فهم على استعداد أن يطمسوا دين الله تعالى لإرضاء من والوه من كفرة اليهود والصليبيين .
والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا .
__________________
إن هذه الكلمات ينبغي لها أن تخاطب القلوب قبل العقول .. والقلوب تنفر من مثل هذا الكلام .. إنما الدعوة بالحكمة ، والأمر أعظم من انتصار شخصي ونظرة قاصرة !! الأمر أمر دين الله عز وجل .. فيجب على من انبرى لمناصرة المجاهدين أن يجعل هذا نصب عينيه لكي لا يضر الجهاد من حيث لا يشعر .. ولا تكفي النية الخالصة المتجرّدة إن لم تكن وفق منهج رباني سليم ..
وفقنا الله وإياكم لكل خير ، وجعلنا وإياكم من جنده ، وألهمنا التوفيق والسداد.
كتبه
حسين بن محمود
29 ربيع الأول 1425 هـ
اخوكم
فــــــــــارس تـــــــــــرجّلَ
|