عرض مشاركة مفردة
  #14  
قديم 23-12-2004, 05:15 PM
الصورة الرمزية لـ الوافـــــي
الوافـــــي الوافـــــي غير متصل
عضو جديد
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2003
الإقامة: saudia
المشاركات: 24,409
إفتراضي

فإن قيل أما إذا سموا عليه غير الله بأن يقولوا باسم المسيح ونحوه فتحريمه ظاهر أما إذا لم يسموا أحدا ولكن قصدوا الذبح للمسيح أو للكوكب ونحوهما فما وجه تحريمه ، قيل قد تقدمت الإشارة إلى ذلك وهو أن الله سبحانه قد حرم ما ذبح على النصب وذلك يقتضي تحريمه وإن كان ذابحه كتابيا لأنه لو كان التحريم لكونه وثنيا لم يكن فرق بين ذبحه على النصب وغيرها ولأنه لما أباح لنا طعام أهل الكتاب دل على أن طعام المشركين حرام فتخصيص ما ذبح على الوثن يقتضي فائدة جديدة ، وأيضا فانه ذكر تحريم ما ذبح على النصب وما أهل به لغير الله وقد دخل فيما أهل به لغير الله ما أهل به أهل الكتاب لغير الله فكذلك كل ما ذبح على النصب فإذا ذبح الكتابي على ما قد نصبوه من التماثيل في الكنائس فهو مذبوح على النصب ومعلوم أن حكم ذلك لا يختلف بحضور الوثن وغيبته فإنما حرم لأنه قصد بذبحه عبادة الوثن وتعظيمه وهذه الأنصاب قد قيل هي من الأصنام وقيل هي غير الأصنام قالوا كان حول البيت ثلاثمائة وستون حجرا كان أهل الجاهلية يذبحون عليها ويشرحون اللحم عليها ويذبحون عليها وكانوا يعظمون هذه الحجارة ويعبدونها ويذبحون عليها وكانوا إذا شاءوا أبدلوا هذه الأحجار بحجارة هي أعجب إليهم منها ويدل على ذلك قول أبي ذر في حديث إسلامه (حتى صرت كالنصب الأحمر) يريد أنه كان يصير أحمر من تلوثه بالدم وفي قوله (وما ذبح على النصب) قولان، أحدهما أن نفس الذبح كان يكون عليها كما ذكرناه فيكون ذبحهم عليها تقربا إلى الأصنام وهذا على قول من يجعلها غير الأصنام فيكون الذبح عليها لأجل أن المذبوح عليها مذبوح للأصنام أو مذبوح لها وذلك يقتضي تحريم كل ما ذبح لغير الله ولأن الذبح في البقعة لا تأثير له إلا من جهة الذبح لغير الله كما كرهه النبي صلى الله عليه وسلم من الذبح في مواضع أصنام المشركين ومواضع أعيادهم وإنما يكره المذبوح في البقعة المعينة لكونها محل شرك فإذا وقع الذبح حقيقة لغير الله كانت حقيقة التحريم قد وجدت فيه، والقول الثاني أن الذبح على النصب أي لأجل النصب كما قيل أولم رسول الله صلى الله عليه وسلم على زينب بخبز ولحم وأطعم فلان على ولده وذبح فلان على ولده ونحو ذلك ومنه قوله تعالى ( لتكبروا الله على ما هداكم) وهذا ظاهر على قول من يجعل النصب نفس الأصنام ولا منافاة بين كون الذبح لها وبين كونها كانت تلوث بالدم ، وعلى هذا القول فالدلالة ظاهرة ، واختلاف هذين القولين في قوله تعالى (على النصب) نظير الاختلاف في قوله تعالى (ولكل أمة جعلنا منسكا ليذكروا اسم الله على ما رزقهم من بهيمة الأنعام) وقوله تعالى (ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام) فإنه قد قيل المراد بذكر اسم الله عليها إذا كانت حاضرة ، وقيل بل يعم ذكره لأجلها في مغيبها وشهودها بمنزلة قوله تعالى (لتكبروا الله على ما هداكم) ، وفي الحقيقة مآل القولين إلى شيء واحد في قوله تعالى (وما ذبح على النصب) كما قد أومأنا إليه، وفيها قول ثالث ضعيف أن المعنى على اسم النصب وهذا ضعيف لأن هذا المعنى حاصلا من قوله تعالى (وما أهل لغير الله به) فيكون تكريرا لكن اللفظ يحتمله كما روى البخاري في صحيحه عن موسى بن عقبة عن سالم عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لقي زيد بن عمرو بن نفيل بأسفل بلدح وذلك قبل أن ينزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم الوحي فقدمت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم سفرة فيها لحم فأبى أن يأكل منها ثم قال زيد إني لست آكل مما تذبحون على أنصابكم ولا آكل إلا ما ذكر اسم الله عليه ،رواية له وإن زيد بن عمرو بن نفيل كان يعيب على قريش ذبائحهم ويقول الشاة خلقها الله وأنزل لها من السماء الماء وأنبت لها من الأرض الكلأ ثم أنتم تذبحونها على غير اسم الله إنكارا لذلك وإعظاما له ، وأيضا فان قوله تعالى (وما أهل لغير الله به) ظاهره أنه ما ذبح لغير الله مثل أن يقال هذا ذبيحة لكذا وإذا كان هذا هو المقصود فسواء لفظ به أو لم يلفظ وتحريم هذا أظهر من تحريم ما ذبحه النصراني للحم وقال فيه باسم المسيح ونحوه كما أن ما ذبحناه نحن متقربين به إلى الله سبحانه كان أزكى وأعظم مما ذبحناه للحم وقلنا عليه باسم الله فإن عبادة الله سبحانه بالصلاة له والنسك له أعظم من الاستعانة باسمه في فواتح الأمور فكذلك الشرك بالصلاة لغيره والنسك لغيره أعظم شركا من الاستعانة باسم هذا الغير في فواتح الأمور فإذا حرم ما قيل فيه باسم المسيح والزهرة فلأن يحرم ما قيل فيه لأجل المسيح والزهرة أو قصد به ذلك أولى ، وهذا يبين لك ضعف قول من حرم ما ذبح باسم غير الله ولم يحرم ما ذبح لغير الله كما قاله طائفة من أصحابنا وغيرهم بل لو قيل بالعكس لكان أوجه فإن العبادة لغير الله أعظم كفرا من الاستعانة بغير الله ، وعلى هذا فلو ذبح لغير الله متقربا به إليه لحرم وإن قال فيه بسم الله كما يفعله طائفة من منافقي هذه الأمة الذين يتقربون إلى الأولياء والكواكب بالذبح والبخور ونحو ذلك وإن كان هؤلاء مرتدين لا تباح ذبيحتهم بحال لكن يجتمع في الذبيحة مانعان ، ومن هذا الباب ما قد يفعله الجاهلون بمكة شرفها الله وغيرها من الذبح للجن ولهذا روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن ذبائح الجن ، ويدل على المسألة ما قدمناه من أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الذبح في مواضع الأصنام ومواضع أعياد الكفار ويدل على ذلك أيضا ما رواه أبو داود في سننه حدثنا هارون بن عبد الله حدثنا حماد بن مسعدة عن عوف عن أبي ريحانة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن معاقرة الأعراب قال أبو داود غندر وقفه على ابن عباس

وروى أبو بكر بن أبي شيبة في تفسيره حدثنا وكيع عن أصحابه عن عوف الأعرابي عن أبي ريحانة قال سئل ابن عباس عن معاقرة الأعراب فقال إني أخاف أن تكون مما أهل لغير الله به وروى أبو إسحاق إبراهيم دحيم في تفسيره حدثنا أبي حدثنا سعيد بن منصور عن ربعي عن عبد الله بن الجارود قال سمعت الجارود قال كان من بني رباح رجل يقال له ابن وثيل شاعرا نافر أبا الفرزدق غالبا الشاعر بماء بظهر الكوفة على أن يعقر هذا مائة من إبله وهذا مائة من إبله إذا وردت الماء فلما وردت الإبل الماء قاما إليها بأسيافهما فجعلا ينسفان عراقيبها فخرج الناس على الحمر والبغال يريدون اللحم وعلي رضي الله عنه بالكوفة فخرج على بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم البيضاء وهو ينادي (يا أيها الناس لا تأكلوا من لحومها فإنها أهل بها لغير الله) فهؤلاء الصحابة قد فسروا ما قصد بذبحه غير الله داخلا فيما أهل به لغير الله ، فعلمت أن الآية لم يقتصر بها على التلفظ باسم غير الله بل ما قصد به التقرب إلى غير الله فهو كذلك وكذلك تفاسير التابعين على أن ما ذبح على النصب هو ما ذبح لغير الله

وروينا في تفسير مجاهد المشهور عنه الصحيح من رواية ابن أبي نجيح في قوله تعالى (وما ذبح على النصب) قال كانت حجارة حول الكعبة يذبح لها أهل الجاهلية ويبدلونها إذا شاءوا بحجارة أعجب إليهم منها

وروى ابن أبي شيبة حدثنا محمد بن فضيل عن أشعث عن الحسن في قوله تعالى (وما ذبح على النصب) قال هو بمنزلة ما ذبح لغير الله

وفي تفسير قتادة المشهور عنه وأما ما ذبح على النصب فالنصب حجارة كان أهل الجاهلية يعبدونها ويذبحون لها فنهى الله عن ذلك

وفي تفسير علي بن أبي طلحة عن ابن عباس النصب أصنام كانوا يذبحون ويهلون عليها فإن قيل فقد نقل إسماعيل بن سعيد قال سألت أحمد عما يقرب لآلهتهم يذبحه رجل مسلم قال لا بأس به

قيل إنما قال أحمد ذلك لأن المسلم إذا ذبحه سمى الله عليه ولم يقصد ذبحه لغير الله ولا يسمى غيره بل يقصد منه غير ما قصده صاحب الشاة فتصير نية صاحب الشاة لا أثر لها والذابح هو المؤثر في الذبح بدليل أن المسلم لو وكل كتابيا في ذبيحة فسمى عليها غير الله لم تبح ولهذا لما كان الذبح عبادة في نفسه كره علي رضي الله عنه وغير واحد من أهل العلم منهم أحمد في إحدى الروايتين عنه أن يوكل المسلم في ذبح نسيكته كتابيا لأن نفس الذبح عبادة بدنية مثل الصلاة ولهذا تختص بمكان وزمان ونحو ذلك بخلاف تفرقة اللحم فإن عبادة مالية ولهذا اختلف العلماء في وجوب تخصيص أهل الحرم بلحوم الهدايا المذبوحة في الحرم وإن كان الصحيح تخصيصهم بها وهذا بخلاف الصدقة فإنها عبادة مالية محضة فلهذا قد لا يؤثر فيها نية الوكيل على أن هذه المسألة منصوصة عن أحمد محتملة فهذا تمام الكلام في ذبائحهم


عن كتاب
اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم


المصــــدر

تحياتي

__________________


للتواصل .. ( alwafi_248@hotmail.com )

{ موضوعات أدرجها الوافـــــي }