عرض مشاركة مفردة
  #2  
قديم 06-01-2005, 12:02 PM
horizonss horizonss غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
المشاركات: 13
إفتراضي

وهناك حديث عن عذاب القبر مصدره عجوز يهودية وقد ورد في عدد من الروايات، وهذا أصل الخبر: حدّثنا عبدُ اللهِ بنُ مَسلمةَ عن مالكٍ عن يحيى بنِ سعيدٍ عن عمرَةَ بنتِ عبدِ الرحمنِ عن عائشةَ زوجِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم: «أَن يهودِيةً جاءت تسألُها فقالت لها: أَعاذَكِ اللهُ من عذابِ القبرِ. فسأَلَتْ عائشةُ رضيَ اللهُ عنها رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم؛ أَيُعذَّبُ الناسُ في قُبورِهم؟ فقال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عائذاً باللهِ من ذلك».( البخاري: 1035)
ومن الواضح جداَ أن الرسول نفى وبشدة أن يكون هناك عذاب قبر، لأن جوابه جاء على شكل: أعوذ بالله؟ إستنكاراَ لمزاعم العجوز اليهودية. وانتهى الخبر عند هذا الحد.
ولو كان الرسول يعلم أن هناك عذاب في القبر قبل أن تحدثه عائشة بما قالته لها اليهودية، لحدث به أو على أقل تقدير لأجاب عائشة بألفاظ تدل على الموافقة وليس بالإستعاذة بالله والتي تعني الإستنكار.
ومما يؤكد أن الرسول صلوات الله وسلامه عليه يعلم أنه لا عذاب في القبر ما أورده ابن حجر العسقلاني في فتح الباري لنفس الخبر ولكن بروايات مختلفة، منها ما رواه أحمد بإسناد على شرط البخاري عن سعيد بن عمرو بن سعيد الأموي عن عائشة ” أن يهودية كانت تخدمها، فلا تصنع عائشة إليها شيئا من المعروف إلا قالت لها اليهودية: وقاك الله عذاب القبر، قالت: فقلت يا رسول الله هل للقبر عذاب قال: كذبت يهود، لا عذاب دون يوم القيامة، ثم مكث بعد ذلك ما شاء الله أن يمكث، فخرج ذات يوم نصف النهار وهو ينادي بأعلى صوته: أيها الناس استعيذوا بالله من عذاب القبر، فإن عذاب القبر حق ” (فتح الباري: باب مَا جَاءَ فِي عَذَابِ الْقَبْر)
ويبدوا أن الخبر كان يقف عند قول الرسول: كذبت يهود، لا عذاب دون يوم القيامة. وأن بقية الخبر الذي يقول بأن الرسول بعد مدة خرج على الناس ليعلن لهم أن يستعيذوا من عذاب القبر هو إضافة عرفت طريقها للخبر لم يقلها الرسول.
ويؤيد ذلك ما نقله ابن حجر أيضاَ في نفس الباب السابق بقوله: ووقع عند مسلم من طريق ابن شهاب عن عروة عن عائشة قالت ” دخلت علي امرأة من اليهود وهي تقول: هل شعرت أنكم تفتنون في القبور، قال: فارتاع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: إنما يفتن يهود، قالت عائشة: فلبثنا ليالي، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل شعرت أنه أوحي إلى أنكم تفتنون في القبور، قالت عائشة: فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يستعيذ من عذاب القبر.
فالرسول يستنكر أن يكون هناك عذاب في القبر، ولو لم يكن يعلم أن هناك عذاب في القبر عندما أبلغته عائشة بادعاء اليهودية، لما سارع ونفى ما ليس له به علم، ولقال لا أدري أو سكت بدون تعليق على عادته صلى الله عليه وسلم إذا سئل عن شيئ لم ينزل به وحي وانتظر حتى ينزل الوحي بالجواب فيقرأه على الناس.
وهذا الخبر ينسب للرسول قوله: هل شعرت أنه أوحي إلى أنكم تفتنون في القبور. وهذا افتراء على الرسول ونسبت كلام له وهو منه براء، لأنه لو كان صلوات الله وسلامع عليه قد أوحي إليه فسيتلوه على شكل قرآن، والوحي حق ثابت لا يحتمل اللبس لدرجة أن الرسول لم يكن متأكداَ إن كان قد أوحي إليه أن هناك فتنة في القبر أم لا، لدرجة أنه سأل عائشة إن كانت شعرت أن أوحي إليه أنكم تفتنون في القبور، لأنه لم يستطع الجزم إن كان قد تلقى وحياَ بذلك أم لا. (اعوذ بالله أن يكون هذا حدث للرسول).
وقد تم تحوير الحديث مع الأيام بحيث أصبح يروى بهذه الصورة: حدَّثنا عَبْدانُ أخبرَني أبي عن شعبة سمعتُ الأشْعثَ عن أبيه عن مَسْروقٍ عن عائشةَ رضيَ اللهُ عنها «أن يهوديةً دخلتْ عليها فذَكرَتْ عذابَ القبرِ فقالت لها؛ أعاذَكِ اللهُ مِن عذابِ القبرِ. فسأَلَتْ عائشةُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عن عذابِ القبرِ فقال: نَعَمْ، عذابُ القبرِ. قالت عائشةُ رضيَ اللهُ عنها: فما رأيت رسولَ اللهِ بعدُ صلَّى صلاةً إلاّ تَعَوَّذَ مِن عَذابِ القبر» زادَ غُندَرٌ: «عذابُ القبرِ حقٌّ». (البخاري: 1375)
فتم تحوير استنكار الرسول لكلام اليهودية إلى قوله: نعم، عذاب القبر. وهذه العبارة المبتورة لا تحمل أي تأييد أو نفي لعذاب القبر بذاتها، ولذلك أضيف للحديث أن عائشة أكدت أن الرسول لم يعد يصلي أي صلاة مالم يتعوذ من عذاب القبر. وهنا إتهام آخر للرسول بأنه يأخذ بعض الدين مما يتداوله اليهود دون تثبت من صحته، مع أنه نهي عن أخذ أقوال اليهود ونهي أن يقول على الله ما لم ينزل عليه به سلطان من عنده سبحانه.
ثم يزيد غندر أن عذاب القبر حق، وهي جملة أصبحت ملازمة لعذاب القبر وكأن من قالها هو رسول الله وليس غندر الذي قال عنه أحمد بن حنبل: سمعت غُنْدراً يقول: لزمت شُعبة عشرين سنة لـم أكتب من أحد غيره شيئاً وكنتُ إذا كتبتُ عنه عرضتُهُ علـيه. قال أحمد: أحسبه من بلادته كان يفعل هذا.
وغندرذكره ابنُ حِبَّـان فـي كتاب «الثِّقات»، وقال: كان من خيار عبـاد الله علـى غَفْلة فـيه.
ويؤيد ذلك، يحيـى بن مَعِين، بقوله: اشترى غُنْدَر يوماً سَمَكاً وقال لأهله: أصلـحوه، ونامَ، فأكلَ عيالُه السَّمَك ولطخوا يده فلـما انتبه قال: هاتوا السَّمَك. قالوا: قد أكلت. قال: لا. قالوا: فَشُمَّ يدكَ. ففعل. فقال: صَدَقتُـم ولكنـي ما شَبِعتُ. مات سنة 193أو 194. (تهذيب الكمال: لأبي الحجاج المزي)
والغريب أن ينسب حديث إثبات عذاب القبر إلى أم المؤمنين عائشة، وهي التي كان لها موقف حازم وثابت من إنكار عذاب القبر، تجلى في ردها على من قال بأن الرسول عندما خاطب قتلى قريش في بدر كان يعلم بأنهم لن يسمعوه، ولكنهم سيجدون ما وعدهم الله حقاَ، وذلك أن القيامة ستقوم بمجرد موت الإنسان، لأن ذاكرته ستتوقف عن العمل وبالتالي لن يشعر بمرور الزمن ولو كان بلايين السنين وعندما تقوم القيامة سيشعر وكأنه لم يمت سوى لحظات، قال تعالى: وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.(النحل:77)