عرض مشاركة مفردة
  #3  
قديم 06-01-2005, 12:06 PM
horizonss horizonss غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
المشاركات: 13
إفتراضي

[وفي نفس السياق يقول تعالى: وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ.(الروم:55)
ولأن الأحاديث يجوز عليها الصدق والكذب والفهم الخاطئ والزيادة والنقص، كأي خبر ظني، فلابد من الرجوع لكلام الله الذي: لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ.(فصلت:42) لنقف على ما قاله الله سبحانه وتعالى عن عذاب القبر، فإن كان هناك عذاب فيجب أن نؤمن به وإن لم يكن فيجب أن ننزه دين الله من القول به.

القبر في القرآن الكريم
ليس هناك في القرآن آية واحدة ذكر فيها عذاب في القبر، وليس هناك آية واحدة ذكر فيها الإستعاذة من عذاب القبر، ولكن الإستعاذة في القرآن جاءت من عذاب يوم القيامة: الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.(آل عمران:16)
والدعاء في القرآن دائماَ كان على لسان المؤمنين أن يجنبهم الله عذاب النار: الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.(آل عمران:191)
ولكي نتأكد من وجود عذاب في القبر من عدمه، لابد من التعرف على ما ذكره القرآن حول الفترة ما بين وفاة الإنسان وحتى قيام الساعة والتي تبدأ بالموت: كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ.(آل عمران:185)
وعملية الموت تتم عبر آلية مجهولة لدينا: الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ فَأَلْقَوُاْ السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِن سُوءٍ بَلَى إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ.(النحل: 28)
وتتم بنفس الآلية للكافر والمسلم على حد سواء: الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُواْ الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ.(النحل:32)
فالملائكة هنا لا تعني بالضرورة المخلوقات النورانية الفوق بشرية، ولكنها تعني الآلية التي تتم بواسطتها خروج الروح وانفصالها عن الجسد، ولا نعلم أين تذهب الروح بعد ذلك، ولا الآلية التي تحفظ فيها إلى يوم القيامة.

أما أقرب صورة تقريبية للموت فهي حالة النوم: وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُم بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُّسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ.(الأنعام:60)
لأن النوم غياب عن الوجود وعدم إحساس بالوقت، والموت غياب عن الوجود وعدم إحساس بالوقت، والإستيقاظ من النوم عود للحياة كما البعث بعد الموت: اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ.(الزمر:42)

وبعد الموت تتوقف الذاكرة عن التسجيل إلى أن تبعث الروح من جديد يوم القيامة: حَتَّى إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ. لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ.(المؤمنون:99-100) والآية تتحدث عن لسان حال الكافر، وليس عما يقوله فعلاَ.
ومع أنه سيكون هناك فترة زمنية بين الموت وبين قيام الساعة (برزخ) إلا أن الميت لن يشعر بها مهما طالت، وستكون القيامة بالنسبة له وكأنها حدثت بمجرد موته: يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي لاَ يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلاَّ هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لاَ تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ اللّهِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ.(الأعراف:187)
ولأن إحساس الميت بالزمن يتوقف، لتوقف ذاكرته عن التسجيل، ولو مرت عليه بلايين السنين قبل يوم القيامة، فسوف يعتقد بأنها قامت في اللحظة التي توفي فيها.
وحتى اللحظة التي مات فيها لن تسجل ولذلك لن يعلم بأنه مات إلا بعد أن يبعث، مثلما يحدث عند النوم، فاللحظة التي يغلبنا النوم فيها لا يمكن تذكرها لأنها لم تسجل في الذاكرة وكل ما نتذكره هو ما قبل تلك اللحظة، واللحظة التي نستيقظ فيها، عدا الأحلام.
ولو نام المرء فلن يعلم بأن النوم غلبه إلا بعد أن يصحو، عندها ستبدأ الذاكرة بالتسجيل منذ اللحظة التي استيقض فيها، بعد أن توقفت في اللحظة التي نام فيها. وعندما يبعث الإنسان في الآخرة سيتذكر آخر لحظة كان فيها في الدنيا وكأنها حدثت للتو وسيكون إنتقاله للقيامة وكأنه حدث فجأة، بالنسبة له، لأنه سيشعر أنه انتقل من عالم لآخر خلال وقت يسير وبصورة مفاجئة.
وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَن لَّمْ يَلْبَثُواْ إِلاَّ سَاعَةً مِّنَ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِلِقَاء اللّهِ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ.(هود:45)
وحتى لو فنيت البشرية وبقيت الأرض بعدهم مليارات السنين، فإن قيام الساعة سيكون كأنه حدث في اللحظة التي توفي فيها كل واحد منهم، وكأنه لم يمت سوى برهة قصيرة جداً من الزمن: وَلِلّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلاَّ كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.(النحل:77)
وعند البعث سيشعر الناس بأن السنين التي عاشوها على الأرض لم تزد على ساعة من نهار، تماما كما نحس بما مضى من سني العمر الآن.
وهكذا فكل من مات حتى هذه اللحظة لا يعلم بأنه ميت، ولن يعلم بأنه مات إلا يوم يبعث، وكأنه انتقل من حالته التي كان عليها في الدنيا في اللحظة التي مات فيها، إلى يوم القيامة بغتة كلمح البصر، وعندما يبعث لن يكون بإمكانه الرجوع: بَلْ تَأْتِيهِم بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّهَا وَلَا هُمْ يُنظَرُونَ.(الأنبياء:40)
وهذه الصورة الناصعة الواضحة تنفي نفياَ قاطعاَ أن يكون هناك أي نوع من أنواع استرجاع الذاكرة للإنسان في الفترة بين وفاته في الدنيا وبعثه في الآخرة، وبالتالي ينتفي أن يكون قد تعرض لأي نوع من أنواع العذاب أو الثواب أو المسائلة.

يتبع...