أما الحديث الثاني
: والذي أخبر به المصطفى صلى الله عليه وسلم أن مسار الحكم سيتغير وسوف يؤثر عليهم السلطان المبايع فهذه الأثرة ليست حكما بالكفر وإنما هي من إساءات تطبيق الإسلام كون الحكم قد انتقل إلى ملك عضوض بعدما كان غير ذلك في عهد الخلفاء الراشدين.
فهي استئثار بالحكم وولاية العهد ومظلمة في الأموال وغيرها، ويظهر جليا للعيان قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث نفسه: » تؤدون الحق الذي عليكم وتسألون الله الذي لكم»، فالحق الذي عليهم من وجوب طاعة من نصبوه وأنابوه عنهم في تطبيق شرع الله تعالى عليهم ورعاية شئونهم على أساسه.فعدم اعطائه لكم بعض الحقوق لا يوجب الخروج عليه.
وأما حديث عبادة بن الصامت ـ رضي الله عنه ـ ففي قوله صلى الله عليه وسلم «وعلى أن لا ننازع الأمر أهله»، فكلمة أهله تدل على أنه لم يصبح أهلا له إلا بإعطائه الأهلية لذلك، ولم يعط أحد الأمر دون معطي، والمعطي هي الأمة التي جعلت لهذا المسلم الولاية عليها، ورواية «إلا أن تروا كفرا بواحا» تدل على أنه قبل ذلك لم يكن كفرا وإنما بيعة على الكتاب والسنة، وأن الكفر بدر بعدما كان غير ذلك ولا يعني طاعة لحاكم مسلم ثم كفر أي خرج من دائرة الإسلام.
صحيح أن الحاكم هو كل من يتولى النظر في شؤون الناس ومن لا يكون كذلك فليس بحاكم، وكذلك الأمير العام هو الذي يكون له صلاحية النظر في شئون الناس ومن لا يكون كذلك ليس بحاكم، فهذا المعنى ينطبق على الخليفة وعلى الملك وعلى كل نظام من أنظمة الحكم في العالم قديما وحديثا.
إلا أن كل خليفة حاكم وأمير وليس كل حاكم وأمير خليفة، فالخليفة لفظ للحاكم الذي ينوب عن الأمة في إقامة حكم الله تعالى ببيعة شرعية.
وفي الإسلام حدد السلطان الإسلامي بأنه الحكم بما أنزل الله، وحدد نظام الحكم في الإسلام بأنه نظام الخلافة، وجعل وحده نظاما للحكم للدولة الإسلامية، وحددت الطريقة التي يقام بها الخليفة وهي البيعة.
إن اللبس الذي حصل عند بعض المسلمين ـ دون علماء السلاطين فإنهم لم يحصل عندهم لبس وإنما فعلوا ذلك بأجور مدفوعة ـ فهذا اللبس أتى لأنهم أنزلوا حكام اليوم منزلة الخلفاء، وطبقوا عليهم أحاديث الطاعة وحرمة الخروج، مع أن حكام اليوم لا يعتبرون حكاما شرعيين لأنهم يحكمون في دور كفر، ويطبقون أنظمة الكفر فلا ينطبق عليهم معنى الخروج بل ينطبق عليهم معنى الإزالة وإقامة الخلافة الإسلامية.
وكذلك الخروج على الحاكم لا يكون إلا بعد طاعة له واجبة من الله تعالى لأن الخروج هو تحلل من البيعة، أما إذا لم تكن هناك بيعة ولا طاعة في أعناق المسلمين وحكمهم بالكفر في دار كفر فإن موضوع الخروج لا ينطبق عليه أصلا.ولا يبحث هذا الموضوع أصلا لأن الموضوع هو موضوع تحويل دار الكفر إلى دار الإسلام وليس موضوع خروج من عدمه.
وأما قضية الكفر البواح الذي ورد في حديث عبادة بن الصامت فواضح انطباقه على دار الإسلام وعلى الحاكم الشرعي الذي حكم الناس عن طريق البيعة الشرعية المكتملة الشروط والأركان فحديث عبادة ابن الصامت واضح وصريح على البيعة التي بها تجب الطاعة، وكذلك معنى كلمة الكفر البواح فيه واضحة على أن المقصود منها المعصية الغير مكفرة.
وكذلك لو قلنا بأن هؤلاء الحكام وقعت لهم بيعة من أولي الحل والعقد، فإن هذه البيعة وقعت في غير محلها فاقدة لشروط الصحة فتقع باطلة شرعا لا تترتب عليها أي آثار مطلقا لا وجوب طاعة ولا حرمة خروج من أساسه.
وإن قلنا افتراضا أنها وقعت بيعة فما معنى قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث: « إلا أن تروا كفرا بواحا«؟
إن هذا الحديث بينت معانيه الروايات الأخرى الصحيحة «إلا أن تكون معصية الله بواحا «،
» ما لم يأمركم بإثم بواحا »، فهذه الروايات قرائن تدل على أن الكفر المقصود منه المعصية وليس الكفر المخرج من الملة. والبرهان المقصود في الحديث: الدليل من كتاب أو سنة وهذا الدليل صريح في دلالته على الإثم لا يحتمل التأويل.
وهذه الأدلة كذلك لا تنطبق على حكام اليوم لأنهم حكام جبريون لم يبايعوا من قبل الأمة لا على كتاب الله ولا على غيره بل وسدت لهم الأمور من قبل الكفار ليكونوا لهم نواطير وحرس على أفكارهم ومفاهيمهم المضلة.
ثم أنه أي معصية بواح لم تبدر من هؤلاء ولَيتَها كانت معصية واحدة بل كوارث لا تعد ولا تحصى، ولو أن إحدى هذه الكوارث بدرت من خليفة راشد لكانت الأمة قد ارتكبت أكبر المعاصي وأعظمها إن لم تزله.
إنّ كل هذه الكوارث التي حلت بالأمة ـ ناهيك عن الحكم بالكفر ـ ألا تكفي لخلع هؤلاء؟، فتمكين الكافر من رقاب المسلمين وإعانته على احتلال بلادهم وسلب ثرواته وإفقارهم، وعقد أحلاف عسكرية كل حلف منها قاصم للظهر وعمل هؤلاء الحكام كأجهزة استخبارات للكافر على الأمة ألا يكفي في ذلك فتنة للمسلمين؟.
ولو تحدثنا عن اجرام هؤلاء الحكام على مدى التسعين عاما المنصرمة التي حكموا بها الأمة لما استطعنا أن نحصر عشر جرائمهم.
نسأل الله تعالى أن يبعث لهذه الأمة من يجدد لها دينها ويقمع أعداءها ويمكن لها في الأرض بخلافة راشدة على منهاج النبوة تكشف زيغ الزائغين إنه تعالى ولي ذلك والقادر عليه.
__________________
__________________
من اعان الظالم على ظلمه ابتلاه الله بظلمه
|