يقول تعالى : { ولا ينفقون نفقة صغيرة ولا كبيرة ولا يقطعون وادياً إلا كتب لهم ليجزيهم الله أحسن ما كانوا يعملون }
روى الطبري عن قتاده في تفسير هذه الآية قوله : ( ما ازداد قوم من أهليهم في سبيل الله بعداً ، إلا ازدادوا من الله قرباً )
فالأمر لله من قبل ومن بعد .. ولسنا سوى عبيد له سبحانه ، نسعى لتحقيق العبودية له .
ومن كمال العبودية .. أن نعلم ونوقن يقينا جازما لاشك فيه أن وعد الله متحقق لا محالة ، ولكننا قد لا ندرك حقيقة الأمر لحكمة يعلمها الله ، وقد يتأخر النصر ابتلاءً وامتحاناً وصدق الله العظيم :
{ وكان حقاً علينا نصر المؤمنين }
وقد وعد سبحانه عباده الموحدين بالنصر ، وجعل التمكين للصابرين وأخبر أن ما حل للأمم السالفة من الظفر والثبات والتمكين على الأرض كان لجميع صبرهم وتوكلهم عليه كما قال سبحانه: {وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها وتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه وما كانوا يعرشون } .
وجعل الله تعالى ما حصل لنبيه يوسف من العزة والتمكين في الأرض بعد الغربة و ما جرى له في قصر العزيز إنما هو بصبره وتقواه :
{ إنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين }
وعلق سبحانه الفلاح بالصبر لقوله عز وجل :
{ يا أيها الذين آمنوا اصبروا و صابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون }
وذكر سبحانه أن حسن العاقبة في الدنيا هي للصابرين الأتقياء
{ فاصبر إن العاقبة للمتقين }
نحن نعلم يقيناً أن وعد الله لا يتخلف أبداً ومنشأ السؤال والإشكال ..
أننا قصرنا النظر على نوع واحد من أنواعه ؛ وهو (( النصر الظاهر )) ولا يلزم أن يكون هذا هو الذي وعد به أنبيائه ورسله وعباده الصالحين ؛ فالنصر يتجلى في صور أخرى لا تلمحها النفوس الضعيفة المهزوزة ، ومن بعض هذه الصور :
أن قبائل قريش قد أجمعت قديماً على محاصرة المؤمنين ومقاطعتهم في شعب أبي طالب ومعهم بنو هاشم ، ثلاث سنوات لا يبيعونهم ولا يشترون منهم ؛ حتى لم يجدوا ما يأكلونه إلا ما يلتقطونه من خشاش الأرض ، وأوشك المؤمنون على الهلاك
لولا أن رحمة الله أدركتهم .
وأصحاب الأخدود يلقون في النار ولا يقبلون المساومة على دينهم ، ويفضلون الموت في سبيل الله ، ثم يحفر الطاغوت أخاديده ، ويوقد نيرانه ، ويأمر زبانيته وجنوده بإلقاء المؤمنين في النار ، وتأتي المفاجأة المذهلة :
بدل أن يضعف من يضعف ، ويهرب من يهرب ، لا تسجل الرواية أن أحداً منهم تراجع أو جبن أو هرب ، بل نجد الإقدام والشجاعة وذلك بالتدافع على النار .. وكأن الغلام قد بت فيهم الشجاعة والثبات ، وهاهم يجدون في اللحاق به وكأنهم يتلذذون في تقديم أرواحهم فدا لدينهم ؛ فكانوا هم المنتصرين ، بل سماه الله عز وجل ( فوزاً كبيرا ) :
{ إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم جنات تجري من تحتها الأنهار ذلك الفوز الكبير }
وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه – قال : غاب عمي أنس بن النظر عن قتال بدر ، فقال : ( يا رسول الله غبت عن أول قتال قاتلت المشركين ، لئن أشهدني قتال المشركين ليرين الله ما أصنع ) فلما كان يوم أحد وانكشف المسلمون قال : ( اللهم إني أعتذر إليك مما صنع هؤلاء - يعني أصحابه - وأبرأ إليك مما صنع هؤلاء - يعني المشركين ، ثم تقدم فاستقبله سعد بن معاذ ، فقال :
يا سعد بن معاذ .. الجنة ورب النظر .. الجنة ورب النظر .. إني أجد ريحها دون أحد
قال سعد : فما استطعت يا رسول الله ماصنع ، قال أنس : فوجدنا به بضعة وثمانين
رمية بسهم ووجدناه قد قتل ، وقد مثل به المشركون ، فما عرفه أحد إلا أخته ببنانه ، فقال أنس : كنا نرى أو نظن ، أن هذه الآية نزلت به وفي أشباهه :
{ من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا } .
ونجد هذا المعنى من معاني الانتصار في الحديث الذي رواه خباب عندما جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال له : ( ألا تستنصر لنا ألا تدعوا لنا ؟ )
قال : " كان الرجل فيمن قبلكم يحفر له في الأرض فيجعل فيه فيجاء بالمنشار فيجعل في رأسه فيشق باثنتين وما يصده ذلك عن دينه ، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه من عظم أو عصب ما يصده ذلك عن دينه " .
ومن أنواع النصر الخفي الذي لا يراه إلا المؤمنون ..
أن عدو الحق مهما كان متجبرا مرفا في
إلا أنه يتجرع الوانا من الأذى المعنوي والعذاب النفسي قبل أن يقدم على إيذاء خصمه .
بل وأحياناً بعد أن يفعل فعلته فإنه لا يجد للراحة مكاناً ، ولا للسعادة طعما ؛ ولذا .. فإن الحجاج بن يوسف عندما قتل سعيد بن جبير ذاق ألوان العذاب النفسي حتى كان لا يهنأ بنوم ، ويقوم من فراشه فزعا و يقول : ( مالي ولسعيد ) حتى مات وهو في همه وغمه .
هذا ما نستيقنه في حربنا مع حامل لواء الصليب الطاغوت الأمريكي المتبجح .. فمع بطشه وتجبره بالعتاد والسلاح ؛ إلا أنه يلقى من الهوان النفسي والكسر المعنوي مالو صب على الجبال لتصدعت .
وقد جاء القرآن معبراً عن هذه الحقيقة كما في سورة آل عمران فقال سبحانه : { وإذا خلوا عضوا عليكم الأنامل من الغيض قل موتوا بغيضكم إن الله عليم بذات الصدور * إن تمسسكم حسنة تسؤهم وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئاً إن الله بما يعملون محيط }
وقال سبحانه :
{ ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا وكفى المؤمنين القتال وكان الله قويا عزيزا}
ومن الصور التي تخفى على مطموسي البصائر :
ترقب الحياة الكاملة التي أعدها الله لأوليائه وأصفيائه ، قال تعالى :
{ ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون }
من لم يمت بالسيف مات بغيره *** تنوعت الأسباب والموت واحد
ومن خلال ماسبق يتضح لنا المفهوم الشامل للانتصار .. وأنه لا يجوز لنا أن نحدد نوع الانتصار الذي نريده
__________________
http://hewar.khayma.com/showthread.php?s=&threadid أن المفهوم السياســي للوطن في الإعلام العربي والخطاب السياسي ـ غالبا ـ ينتهي إلى أنه الكذبة الكبرى التي اصطلح الجميع على إستعمالها للوصول إلى أطماعه الخاصة ، الحزب الحاكم يستعملها مادامت توصله إلى أطماعه ، وطبقة التجار كذلك ـ إن كانت ثمة طبقات تجار خارج السلطة التنفيذية ـ مادموا يحصلون على الصفقات الكبرى ، والأحزاب الساعية للسلطة يمتطــون هذا المفهوم للوصول إلى السلطة .
ولهذا ينكشف الأمـر عندما يتخلى الزعيم عن الأرض هاربا عندما يفقد سلطته ، وتعيش الأحزاب السياسية خارج الوطـن ، وهي تتاجر سياسيا بشعاره ، ويُخرج التجار أموالهم ليهربوا إليها عندما تتهدد مصالحهم التجارية في الوطــن ، بينما كانوا يجعلون الأرض سوقا استثماريا فحسب ، ويبقى فيها الشعب المسكين الذي كان مخدوعا بهذه الكذبة ، حبّ الوطن ، إنه حقـا زمــن الزيــف والخــداع .
=46969
|