يقول الشيخ :-
لابد أن أبين أولاً أن بعض الناس قد تجاوزوا حدودهم ووصل بهم الأمر إلى أن يتلاعبوا بكتاب الله سبحانه وتعالى وقالوا في القرآن الكريم بمجرد آرائهم السقيمة التي لا تعتمد على أي أصل علمي معتبر عند أهل العلم وإنما هي الأهواء والشهوات .
إن هؤلاء الجهلة يفسرون القرآن الكريم حسب أهوائهم وشهواتهم وما علموا أن تفسير كلام رب العالمين له قواعد وأصول وضوابط لا بد من معرفتها قبل أن يخوض أي أحد في تفسير القرآن الكريم وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من الجرأة على الخوض في كلام الله تعالى بغير علم فقد روى الترمذي بسنده عن ابن عباس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( من قال في القرآن بغير علم فليتبوأ مقعده من النار ) وقال الترمذي هذا حديث حسن صحيح . وحسنه البغوي في شرح السنة 1/258 .
وجاء في رواية أخرى عن ابن عباس رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال : ( اتقوا الحديث عني إلا ما علمتم فمن كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار ومن قال في القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار ) رواه الترمذي وقال حديث حسن وحسنه البغوي في شرح السنة 1/257.
وعن جندب بن عبد الله رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من قال في القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ ) رواه الترمذي ثم قال :[ هكذا روي عن بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم أنهم شددوا في هذا في أن يفسر القرآن بغير علم ] سنن الترمذي مع شرحه عارضة الأحوذي 11/50-51 .
وقد ذكر الإمام القرطبي في مقدمة تفسيره باباً بعنوان ( ما جاء في الوعيد في تفسير القرآن بالرأي والجرأة على ذلك ) وذكر فيه الأحاديث السابقة ثم ذكر أقوال أهل العلم في التحذير الشديد من التلاعب بكلام الله وتفسيره حسب الآراء والأهواء التي لا تقوم على أساس صحيح ونقل عن ابن عطية قوله :[ وكان جلة من السلف الصالح كسعيد بن المسيب وعامر الشعبي وغيرهما يعظمون تفسير القرآن ويتوقفون عنه تورعاً واحتياطاً لأنفسهم مع إدراكهم وتقدمهم قال أبو بكر الأنباري : وقد كان الأئمة من السلف الماضي يتورعون عن تفسير المشكل من القرآن ؛ فبعض يقدر أن الذي يفسره لا يوافق مراد الله عز وجل فيحجم عن القول .
وبعض يشفق من أن يجعل في التفسير إماماً يبنى على مذهبه ويقتفى طريقه .
فلعل متأخراً أن يفسر حرفاً برأيه ويخطئ فيه ويقول :إمامي في تفسير القرآن بالرأي فلان الإمام من السلف وعن ابن أبي مليكة قال:سئل أبو بكر الصديق رضي الله عنه عن تفسير حرف من القرآن فقال:أي سماء تظلني وأي أرض تقلني!وأين أذهب !وكيف أصنع !إذا قلت في حرف من كتاب الله تعالى بغير ما أراد تبارك وتعالى ) تفسير القرطبي 1/33-34.
وقال الإمام بن العربي المالكي :[من تسور على تفسير القرآن فصور صورة خطأ فله الويل ، ومن أصاب فمثله ، كما روى أبو عيسى وهكذا قال النبي عليه السلام في القاضي أنه إذا حكم بجهل وأصاب فله النار لإقدامه على ما لا يحل في أمر يعظم قدره وهو الإخبار عن الله بما لم يشرع في حكمه أو إخباره عن ما لم يرده بقوله في وحيه ) عارضة الأحوذي 11/52 .
إذا تقرر أنه لا يجوز لأحد أن يقدم على تفسير كلام رب العالمين إلا إذا حصلت عنده أهلية لذلك فأعود إلى ما جاء في الورقة المذكورة في السؤال فأقول إن كاتب هذه الورقة قد أعظم الفرية على كلام رب العالمين وقال في القرآن بهواه وتلاعب بالذكر الحكيم فالويل له ثم الويل له عندما يقف بين يدي الله سبحانه وتعالى فإنه قد جزم قائلاً بأن الله جل جلاله قد قال في انهيار مركز التجارة العالمي الآية الكريمة :[ وفي هذا يقول الله رب العزة العلي القدير … ] ثم يفسر هذا المتلاعب قوله تعالى : ( عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ ) بأنه اسم للشارع الذي يقع فيه مركز التجارة العالمي ( جرف هار ) وهذا كذب واضح وقول في كتاب الله بغير علم وجرأة عجيبة غريبة على كلام الله سبحانه وتعالى ولنرجع إلى ما قاله أهل العلم في معنى جرف هار ، قال الراغب الأصفهاني :[ قال عز وجل : ( عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ ) يقال للمكان الذي يأكله السيل فيجرفه أي يذهب به جرف وقد جرف الدهر ماله أي اجتاحه تشبيهاً به ] المفردات ص91 .
وقال الراغب أيضاً :[ هار : يقال بئر هائر وهارٌ وهارٍ ومهار ويقال انهار فلان إذا سقط من مكان عال ورجل هار وهائر ضعيف في أمره تشبيهاً بالبئر الهائر ] المفردات ص547 .
وذكر الألوسي أن معنى قوله تعالى : ( عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ ) أي طرفه ومنه أشفى على الهلاك أي صار على شفاء وشفي المريض لأنه صار على شفاء البرء والسلامة … وقيل هو الهوة وما يجرفه السيل من الأودية لجرف الماء له أي أكله وإذهابه ( هار ) أي متصدع مشرف على السقوط وقيل ساقط وهو نعت لجرف ] تفسير الألوسي 11/21 .
وبهذا يظهر لنا أن الجرف الهار هو البئر الساقط أو المنهار وهما كلمتان عربيتان فصيحتان وليستا اسم شارع في نيويورك كما زعم هذا الأفاك الأثيم . ثم زعم الكاتب والزعم مطية الكذب أن الآية 109 من سورة التوبة وأنها واقعة في الجزء الحادي عشر من القرآن ورقم سورة التوبة هو التاسع في ترتيب سور القرآن الكريم وأن عدد كلمات سورة التوبة حتى نهاية الآية هو 2001 ويشير بذلك إلى تاريخ حادثة انهيار مركز التجارة العالمي 11/9/2001 وأقول إن هذا من التخرص والقول في كتاب الله بغير علم .
.. يتبع ..