عرض مشاركة مفردة
  #2  
قديم 17-03-2005, 05:34 AM
maher maher غير متصل
رب اغفر لي و لوالدي
 
تاريخ التّسجيل: Sep 2004
الإقامة: tunisia
المشاركات: 2,978
إرسال رسالة عبر MSN إلى maher إرسال رسالة عبر بريد الياهو إلى maher
إفتراضي

إذا كان الخصم المراد البطش به قد أخذته عدوى فكرة الحرية المسماة باسم ليبرالية، وهذا الحزب مستعد من أجل إدراك هذه الفكرة المجردة، أن ينزل عن بعض سلطته وهنا، جزما، يكون مطلع انتصار فكرتنا وتحصل حينئذ حال أخرى: فما للحكومة من زمام، يكون قد استرخى وأخذ بالانحلال فورا، وهذا من عمل قانون الحياة، فتتسلط اليد الجديدة على الزمام وتجمع بعضه إلى بعض وتقيمه، لأن القوة العمياء في الأمة لا تقوى على البقاء يوما واحدا دون أن يكون لها موئل يهيمن عليها بالضبط والإرشاد، ثم تمضي الحكومة الجديدة بالأمر، وجُل ما تفعله أنها تحل محل الحكومة السابقة التي نهكتها فكرة الليبرالية حتى أودت بها هذا الطور كان فيما مضى أما اليوم فالقوة التي نسخت قوة الحكام من أنصار الليبرالية هي الذهب ولكل زمان إيمان يصح بصحته وفكرة الحرية مستحيلة التحقيق على الناس، لأن ليس فيهم من يعرف كيف يستعملها بحكمة وأناة وانظروا في هذا، فإنكم إذا سلمتم شعبا الحكم الذاتي لوقت ما، فإنه لا يلبث أن تغشاه الفوضى، وتختل أموره، ومن هذه اللحظة فصاعدا يشتد التناحر بين الجماعات والجماهير حتى تقع المعارك بين الطبقات، وفي وسط هذا الاضطراب تحترق الحكومات، فإذا بها كومة رماد وهذه الحكومة مصيرها الاضمحلال، سواء عليها أدَفَنَت هي نفسها بالانتفاضات الآكلة بعضها بعضا من داخل، أم جرها هذا بالتالي إلى الوقوع في براثن عدو من خارج، فعلى الحالتين تعتبر أنها أصيبت في مقاتلها، فغدت أعجز من أن تقوى على النهوض لتقيل نفسها من عثرتها، فإذا بها في قبضة يدنا وحينئذ تأتي سلطة رأس المال، وتكون جاهزة، فتمد هذه السلطة بطرف حبل خفي إلى تلك الحكومة الجديدة لتعلق به، طوعا أم كرها، لحاجتها الماسة إليه، فإن لم تفعل هوت إلى القعر فإذا قال قائل من هواة الليبرالية أن هذا النهج المتقدمة صورته، يتنافى وشرع الأخلاق، سألناه: إذا كان لكل دولة عدوّان، وجاز للدولة في مكافحة العدو الخارجي أن تستعمل كل وسيلة وطريقة وحيلة، دون أن يُعَدّ عليها هذا أو ذاك أنه شيء لا تقرّه الأخلاق، كأن تُعمّي على العدو خطط الهجوم والدفاع، حتى لا يدري منها شيئا، وكأخذه بالمباغتة ليلا، أو بالانقضاض عليه بعدد ضخم من الجند لا قبل له به، أفلا يكون من باب أولى في مكافحة العدو الداخلي الذي هو شر من ذاك، وهو العدو المخرب لكيان المجتمع ومصالح الجمهور، أن تستعمل هذه الوسائل للقضاء عليه؟ وكيف يبقى مساغ للقول أن هذا الأمر إذا جاز هناك فلا يجوز هنا؟ والحق الذي لا ريب فيه أن تلك الوسائل إذا كانت سائغة مطلقة هناك، ومباحة، فلا تكون هنا منهيّا عنها فلا يؤخذ بها ولعمري كيف يكون ممكنا لدى أيّ حكيم بصير، أن يأمل في إدراك الفلاح والفوز، في قيادة الجماهير إلى حيث يريد، إذا كانت عدته ما هي إلا الاعتماد على مجرد منطق الرأي والإرشاد، والجدل والمقال، حينما تعترضه مقاومة، أو رماه الخصم بعورة حتى لو كانت من الترهات، وأصغت الجماهير إلى هذا، والجماهير لا تذهب في تحليل الأمور إلى ما هو أبعد من الظاهر السطحي؟ فالرجال الذين نحسبهم من الآحاد وفي الطليعة، إذا ما سبحوا في غمرة الجماهير المؤلفة من الدهماء، فحينئذ لا يستولي على هؤلاء الرجال وجماهيرهم إلا سائق الأهواء، والمعتقدات الرخيصة، وما خفّ وفشا من العادات والتقاليد والنظريات العاطفية، فيقعون في مهوى التطاحن الحزبي، الأمر الذي يمنع اتفاقهم على أي قرار، حتى ولو كان هذا القرار واضح المصلحة ولا خفاء في ذلك ولا مطعن ثم إن كل قرار يضعه الجمهور العابث، يتوقف مصيره حينئذ إمّا على فرصة مؤآتية تمضي به إلى غايته، وإمّا على كثرة كاثرة تؤيده، ولكن الكثرة لجهلها أسرار السياسة وبواطنها، فالقرار الذي يخرج من بين يديها لا يكون إلا سخرية ومهزلة، وإنما في هذا القرار تكمن بذرة الفساد، فتفسد الحكومة بالنتيجة، فتدركها الفوضى ولا مناص فالسياسة مدارها غير مدار الأخلاق، ولا شيء مشترك بينهما، والحاكم الذي يخضع لمنهج الأخلاق لا يكون سائسا حاذقا، فيبقى على عرشه مهزوزا متداعيا وأما الحاكم اللبيب الذي يريد أن يبسط حكمه فيجعله وطيدا، يجب عليه أن يكون ذا خصلتين: الدهاء النافذ، والمكر الخادع وأما تلك الصفات التي يقال أنها من الشمائل القومية العالية، كالصراحة في إخلاص، والأمانة في شرف، فهذا كله يعدّ في باب السياسة من النقائص لا الفضائل، ويسرع بالحكام إلى أن يتدحرجوا من على عروشهم ولا منقذ لهم، ويكون هذا أكيَد لهم وأنكى، وأفعل في تفكيكهم وتهديمهم من الذي يأتيهم من قِبَل أكبر عدو يتربص يهم وتلك الصفات منابتها ممالك الغوييم وحكوماتهم، فهي منهم وهم بها أولى وحذار حذار أن نقبل مثل هذا نحن حقنا منبعه القوة وكلمة حق، وجدانية معنوية مجردة، وليس على صحتها دليل ومفادها لا شيء أكثر من هذا: أعطني ما أريد فأبرهن بذلك على أني أقوى منك فأين يبتدئ الحق وأين ينتهي؟ فإني أجد في كل دولة استولى الفساد على إدارتها، ولا هيبة بقيت لقوانينها ولا سطوة، ولا مقامات مرعيّة لحكّامها، وانطلق الناس إلى مطالب الحقوق، فكل ساعة ينادون بمطلب جديد ويسقطون مطلبا، فاختلطت دعاويهم وتضاربت، وصار لكل حزب من الافتنان والهوى، حق باسم الليبرالية - إني أجد هنا في مثل هذا المواطن أن أهاجم باسم الحق، وهو حق القوة فأذرو في الهواء جميع هياكل الأنظمة والأجهزة الجوفاء، وآتي بشيء جديد يحل محل الذاهب، وأجعل نفسي حاكما سيدا على هؤلاء الذين تركوا لنا الحقوق التي كانوا يبنون عليها حكمهم، وأما مصيرهم هم فالاستسلام إلى ما كانوا يحملون من عقائد الليبرالية وتتميز قوتنا في مثل هذه الحالة الرجراجة، عن كل قوة أخرى، بمميزات أمنع وأثبت، وأقوى على ردّ العادية، لأنها تبقى وراء الستار، متخفيّة، حتى يحين وقتها، وقد نضجت واكتملت عدتها، فتضرب ضربتها وهي عزيزة، ولا حيلة لأحد في النيل منها أو الوقوف في وجهها ومن هذا الشر الموقت الذي نُكره على إيقاعه، يخرج الخير، هو خير الحكم الجديد الذي لا تهزه ريح، فيردّ الأمور المنحرفة من جهاز الحياة الوطنية إلى نصابها ويجعلها في الطريق القويم وكل هذا كانت الليبرالية قد مزقته فالنتائج تبرر الأسباب والوسائل فعلينا في وضع منهجنا أن نراعي ما هو أفيد وضروري أكثر مما نراعي ما هو أصلح وأخلاقي وأمامنا الآن مخطط, وفي هذا المخطط رُسِمَت الطريق التي يجب علينا أن نسلكها نحو غايتنا, وليس أن نحيد عن هذا قيد شعرة, إلا إذا فعلنا ذلك مجازفة ومخاطرة, فنخسر نتائج عملنا لعدة قرون, فيذهب كله سدى ولكي نُوفق إلى بناء الأمور على ما نريد من الصحة والكمال في أفعالنا, لابدّ لنا نأخذ بعين الاعتبار ما يكون عليه جمهور من الدهماء من طباع خسّة ونذالة, وتراخ, وقلة استقرار, وفراره من حالة إلى حالة, وفقده القدرة على اكتناه أمور حياته, وافتقاره إلى نظرة الجد وصحة العزم, فهو متعام عن رؤية وجه مصالحه ويجب أن يكون واضحا أن قوة الدهماء عمياء, تخدّرت منها حاسة الشعور, ولا تجري في الفهم والاستيعاب على نطاق المعقول, وهي أبدا رهن أي مستفز يستفزها من أي ناحية وأعمى لا يقود إلا إلى هاوية, وفي النهاية يخرج أفراد من الدهماء ومن سواد الشعب, لا يعدو طورهم أن يكونوا ممن لا خبرة لهم ولا سابق تجربة, وقد يكون لهم من النبوغ مظهر برّاق, ولكن لقصورهم عن النفاذ إلى بواطن المسائل السياسية المحجبة, فانهم لا يلبثون, إذا استطاعوا أولا بلوغ الزعامة وقيادة الدهماء, أن يهووا, فتهوى معهم الأمة, فينتقض الحبل كله وإنما هناك رجل واحد مجرَّب, رُبى منذ الصِغر على فهم الحكم المستقل وتمرَّس به, بوسعه أن يعي ويزن جيدا الكلمات التي تتركب منها أبجدية السياسة والشعب الذي يُترك وشأنه ليستسلم الى أمثال هؤلاء الذين يظهرون على المراسح فجأة من صفوفه, يجني على نفسه إذ تقتله منازعات الأحزاب, المنازعات التي يزيد من شدة أُوارها حب الوصول إلى السلطات, والازدهاء بالمظاهر والألقاب والرئاسات, وكل هذا في فوضى شاملة أفتستطيع الدهماء, بهدوء وسكينة, وبلا تحاسد وتباغض, أن تتعاطى مهمات المصلحة العامة, وتديرها على الحكمة, دون أن تخلط بين هذا ومصالح خاصة؟ أتستطيع أن تدافع عن نفسها في وجه عدوّ خارجي؟ لا لعمري! لأن المسألة التي تتخطفها الأيدي تتمزق بعدد الأيدي التي تتخطفها, مآلها أن تشوّه, وتفقد الانسجام بين أجزائها, فتتعقّد, وتُبهم, وتستعصي على أن تقبل التنفيذ ولا يتم وضع المخطط وضعا كاملاً محكماً إلى آخر مداه, إلا على يد حاكم مستبد قاهر, يقوم على ذلك حتى النهاية, ثم يوزعه أجزاء على جهاز الدولة, فيتعلق كل جزء بآلته الخاصة به من جهة التنفيذ, ونستنتج من هذا بالضرورة أن الوضع الذي ينبغي أن تكون عليه الدولة مع اللياقة والكفاية, هو الوضع الذي يجتمع كله في يد رجل مسؤول وبلا سلطة مطلقة, لا حياة للحضارة, والحضارة لا تقوم على الدهماء, بل على يد مَن يقود الدهماء, كائناً من يكون ذلك الرجل القائد والدهماء قوة همجية, وهذه القوة تتجلى في كل مناسبة واقعة وفي اللحظة التي تتسلم فيها الدهماء الحرية, وتجِدُ نفسها قادرة على التصرف كما تشاء, تقع الفوضى فوراً, وهذا الضرب من الاختباط أسوأ ضروب التردي الإنساني الأعمى انظروا إلى الحيوانات المدمنة على المسكر, تدور برؤوسٍ مدوَّخة, ترى من حقها المزيد منه فتناله إذا نالت الحرية فهذا لا يليق بنا, ولا نسلك نحن هذه الدروب فشعوب الغوييم قد رنّحتها الخمرة, وشبابهم قد استولت عليهم البلادة من نتيجة ذلك, فأخملتهم وألصقتهم بالبقاء على القديم الموروث الذي عرفوه ونشأوا عليه, وقد ازدادوا إغراء بأوضاعهم هذه, على يد المهيأين من جهتنا خاصة للدفع بهم في هذا الاتجاه ـ كالمعلمين المنتدبين للتعليم الخاص, والخدم, والمربيات والحاضنات في بيوت الأغنياء, الكتبة والموظفين في الأعمال المكتبية وسواهم, وكالنساء منا في المقاصف وأماكن الملذات التي يرتادها الغوييم وفي عداد هذا الطراز الأخير