عرض مشاركة مفردة
  #8  
قديم 21-03-2005, 05:34 PM
yassadl yassadl غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Mar 2005
الإقامة: مصر
المشاركات: 7
إرسال رسالة عبر ICQ إلى yassadl إرسال رسالة عبر بريد الياهو إلى yassadl
إفتراضي

( 87 جريدة الوفد – الخميس 10/3/2005م )
عملية اختيار مدير عام!!
فى أيامنا القديمة, كنا صغارا، تعانق أجسادنا طفولة الحياة فى أرجاء القرية، يوقظنا البكور عند صبح كل شمس، تشق ضحكاتنا عنان كل سماء، ترتسم على وجوهنا بوادر الدهشة من كل جديد، فى تلك الأيام تمتزج حيواتنا مع النبات والجماد والبشر، نصادق العهد مع من نشاء انتخابه، لا يوقفنا عن صنع وجودنا الحى غير النعاس طمأنينة فى أحضان أمهاتنا، فى تلك الأيام استقر فى وجداننا أن الانتخاب الحر مفتاح وحيد للتقدم.
وحين انفلت الزمان يجر أجسادنا وعقولنا بعيدا عن عالم الطفولة، أصبحنا كائنات بشرية تدور فى فلك الحكومة، مدراء وموظفين وسعاة، أساتذة وطلاب وجهلة، رجال أعمال وفنانين وعاطلين، وأصبحت مع غيرى موظفا فى هيئة حكومية، يطلب الراشدون من أعضائها أن يمارسوا دورهم الانتخابى.
كان قد تأكد لدى جميع الزملاء فى هيئتنا الحكومية، أن مديرنا العام رأس قد اقتربت من سن المعاش، وأنه بعد أسابيع قليلة سيترك منصب رأسنا الكبير، ليقبع منزويا كأى رأس تتدلى من رقاب الموظفين منزوعى السلطة الداخلين فى دائرة المحالين إلى المعاش، ومثل كل الموظفين فى الأرض كنا نكره المدير العام تماما مثلما نكره كل سلطة، ولأننا مثل مديرنا العام تدربنا سياسيا فى ساحة العمل الحكومى، لا نؤمن بالديمقراطية أو الديكتاتورية أو العبثية، لذلك فقد انتهزنا فرصة حلول موعد التغيير المرتقب، كى نلعب دورا يفقد الحكومة قدرتها على تعيين المديرين الجدد، قاصدين فى نفس الوقت أن نحد قدرتها على تعيين الزملاء والزوجات والأبناء والسعاه، وشحذنا إمكاناتنا فى الدس والغيبة والنميمة، وتفسير اللوائح وتعطيل القوانين، كى نختار مديرنا بأنفسنا، لكن الحكومة التى لا تهتم بأمرنا، جعلت ولاية المدير أمرا سريا، تديره لجانها فى الاختيار والتدقيق والتبعية والرضا، فانحرفت قدراتنا فى اتجاه أخر.
كانت الأسابيع القليلة التى مرت علينا كافية لأن ندس أنوفنا، ونرهف أذننا، ونصنع شائعات تشخص لنا هوية المرشحين الجدد لشغل منصب مديرنا العام، وتحلقنا جماعات لتنفيذ مؤامرات اغتيال لكل المرشحين، وفى إحدى لجان المؤامرة الرئيسية، انحسر دورى على انتهاز فرصة ركوب أى مرشح لأتوبيس هيئتنا الحكومية، ومن باب إظهار الاحترام ندفع بالمرشح لأن يركب بجوار الباب الأمامى، وبالتواطؤ مع السائق ندفع الأتوبيس لأن يقترب مسرعا نحو حافة البحر، وعند النقطة المناسبة أدفع جثة المرشح بكامل ثيابها نحو الماء، ونحبك صنع المؤامرة كى يندثر المرشح وجودا وجثة، على أن تتولى لجنة تآمرية أخرى عملية إقناع الحكومة بأن السبب الوحيد لموت هذا المرشح بالذات، راجع لرغبته العارمة فى إثبات كفاءته للمنصب الجديد، فقرر السباحة منفردا وبملابسه الكاملة فى لجج البحر المالح، رافضا كل توسلاتنا فى بقائه حيا.
فى الموعد المحدد حضر السائق بالأتوبيس ومعه راكب واحد من كبار المرشحين قرر بنفسه أن تحتل جثته المقعد المجاور للباب الأمامى، فدخلت الأتوبيس مسترجعا دعوات زوجتى مثلما استرجعت دعوات ثلاث موظفات يدعون لى بالتوفيق، واحتفيت بجثة المرشح وتحسست طرف ملابسها الجديدة ثم جلست خلفها مباشرة، ونبهت السائق بعدم التدخين حفاظا على صحة المرشح، وتحرك الأتوبيس نحو الطريق المرسوم بمحاذاة البحر، ثم أطرقت رأسى بين كفى مغمض العينين أسترجع الخطة، واستحلب البطولة التى سيشيعها الزملاء عنى.
تجاهلت حديثا عابرا لجثة المرشح، تناولت فيه مشاكل الكرة وعنوسة الجميلات، وحين انحرفت الجثة فى حديثها تغتاب المدير الحالى وتعرض بكفاءته وتذكر فساد ذمته، أصغيت للحديث ساهما أجمع مبررات قرارنا فى اغتيال كل المرشحين، فجأة أفقت على ذلك المرشح الطيب وقد باغتنى بخططه لإصلاح الأحوال على أيدى أمثالى ممن يملكون المزايا، ووعدنى بأن أكون ساعده الأيمن وكاتم أسراره، وأضاف مرشحنا الديمقراطى الصالح يحفزنا على نيل حقوقنا الديمقراطية، وأقسم بأن سائق المدير يملك حقا فى سلطات المدير0
أخذ المرشح الصالح يسرف فى إظهار كرمه لنا، وأقسم علينا أن نحتفل معا وفى الحال باتفاقنا، فنزلت من الأتوبيس منتشيا لأحضر مشروبا وبعض الحلوى، ونزل السائق متعاظما يحمل بعضا من سلطات المدير ليشترى علبتين من السجائر.
كان محل البقالة بعيدا عن الطريق بالدرجة التى كفلت للمرشح مديرا عاما، أن يقود الأتوبيس وينطلق دوننا.
د. ياسر العدل
__________________
د0 ياسر العدل