"الفلسطينيون أغبياء" اللهم لا تدخلنا في "حزب الأذكياء"
عبد الإله بلقزيز ( كاتب مغربي )
"الفلسطينيون أغبياء "استقبلها "أبو مازن" ـ كمن معه في القاعة وملايين المشدودة أنظارهم إلى الشاشة ـ متفاجئاً. دارى الرجل حرجه بالضحك. لكنه كان ضحكاً كالبكا على رأي شيخنا أبي الطيب المتنبي (الذي سبق وذكرنا بأن: "ذو العقل يشقى في النعيم بعقله... وأخو الجهالة في الشقاوة ينعم) فالعبارة ترقى إلى مرتبة القذف في شعب برمته في حضرة رئيسه وقائد من قادته، فتكون الإهانة مزدوجة إذن: إهانة للكرامة الوطنية وإهانة للكرامة الشخصية!
لعل ديبلوماسية أبي مازن وترفعه الأخلاقي منعاه من الدفاع عن شرف شعبه العظيم بالعبارات المناسبة للغة الهجوم. وليته لم يكن ديبلوماسياً ولم يترفع في شأن جلل كذاك الذي ألغى نفسه أمامه محرجاً مغلول اليد، ليته زمجر وأرغى وأزبد، ورد صاع الإهانة صاعين، فإن أحداً ما كان ليؤاخذه على ممارسة حق مشروع هو حق الدفاع عن النفس ضد عدوان لفظي على شرف جماعي تأباه كل الأعراف السياسية والديبلوماسية وتمجه بشدة. ليت أبا مازن فعل ما فعله الأمير عبدالله بن عبدالعزيز، في وضع مشابه قبل ثلاث سنوات، فوضع الكلام السائب عند حده.
جرى تصريف ضحكة أبي مازن ـ والوفد الفلسطيني المرافق ـ إلى غضبة عارمة لدى شعب فلسطين ولدى مؤسسة الرئاسة. أطلق الفلسطينيون ما في جوفهم من عبارات الذم والتقريع وكأنها خارجة من مرجل يغلي. وما ادخر الأخ الطيب عبدالرحيم: أمين عام الرئاسة، عبارة مما تعلمه في معترك السجال السياسي لم يستعملها دفاعاً عن شرف شعبه في بيان أصدره.وكان ذلك تداركاً مطلوباً لرد الفعل أو ترتيباً له لائقاً وموفراً على رئيس السلطة والمنظمة الانحدار إلى مستوى المناقرة السياسية.
"الفلسطينيون أغبياء" لأن مداركهم السياسية قاصرة عن استيعاب تلك الكيمياء السياسية العجيبة التي توسلت بالتوفيق اللغوي بين لفظين تلفيقا سياسياً بين كيانين وخيارين أنتج صيغة "إسراطيل" (دعك من أن أحرف "إسرائيل" في هذه الطبخة اللغوية أكثر من أحرف فلسطين، وأن القياس في هذا التركيب العجيب يقوم على "إسرائيل"لا على فلسطين). ف "إسراطيل" هي المرهم السحري لهذا الجرح المفتوح في الجسد الفلسطيني منذ قرن. و "إسراطيل" هي الحل التاريخي إلى أن ينفخ في الصور إسرافيل، وغبي حقير من يشكك في صواب هذا القال والقيل.
و"الفلسطينيون أغبياء" لأنهم لم يقيموا دولتهم في الضفة والقطاع قبل حرب عام 1967. ولأنهم "أغبياء" لا يملكون أن يدركوا الصلة بين ضرورة أن تقوم تلك الدولة في الضفة والقطاع، فتكون خاصة بهم، وبين ألا تكون هناك ضرورة لقيامها لأنه لا حياة لدولتين على أرض واحدة. ذلك أن مثل هذا التناقض الصارخ يحتاج من أجل فهمه إلى غباء أعلى، و"غباء" الفلسطينيين دون ذلك الغباء درجة...وعمقاً!
ولقد كان الفلسطينيون "أغبياء" لأنهم قبلوا بالخروج من بيروت ـ بعد حصارها في الغزو الصهيوني لعام 1982 ـ ولم ينصتوا إلى النصيحة "الحكيمة" التي دعتهم إلى الانتحار الجماعي عوض الخروج من العاصمة اللبنانية ولو أنهم انتحروا، لكانوا شهداء ولارتفعت عنهم الغشاوة والغباوة وأقامت أرواحهم الدليل على حكمة الموت الطوعي، ولحصلوا على حقوقهم الوطنية في الدار الآخرة. ومع أن "الإلهام الرباني" بفكرة "إسراطين" ما كان حصل في حينه فبلغ أمره إلى المحاصرين، إلا أن جدلية فلسطين و "إسرائيل" اللفظية أرهصت بميلادها مبكراً في جدلية الفناء (=الانتحار) والبقاء في "النصيحة" وعلى ذلك، ليس على الفلسطينيين "الأغبياء" سوى الإصغاء إلى من يفوقونهم علماً في السياسة و "الفلسفة". وإذا لم تكن عقولهم لتستوعب جرعات تلك "الفلسفة" فإن دعمهم وإسنادهم المادي بملايين حبات الأسبرين كاف لإخراس مطالب السيد الطيب عبدالرحيم، وتقديم مساهمة فلسفية طبية في الصراع العربي ـ الصهيوني.
"الفلسطينيون أغبياء" نحن العرب: جميعاً أغبياء حين نسمح لأنفسنا بالصمت عما ينال من سمعتنا أمام العالمين. نحن جميعاً أغبياء حين يسوسنا عقل سياسي من هذا الضرب، ويصبح خطابه في الناس نصاً ينتزع الابتسامات والقهقهات عند مجامل، والحسرة والسخط عند السواد الأعظم من بشر هذه الأمة! نحن أغبياء حين تؤسس السياسة مفرداتها على وعي عامي وتتحول إلى استراتيجيا عليا لـ "الدولة" ومع عظم غبائنا وشدته، نشكر الله كثيراً على حكمته في حجب ذكاء عنا تنوء عقولنا بتحمله. وتلك حكمته في خلقه.
بقي أن نقول آن الأوان كي تمتنع القمم العربية عن نقل جلساتها إلى العموم. ذلك خير لها وأستر للعورة. فليتسامر المشاركون فيها، ويتضاحكوا ما شاءت لهم طرف الظرفاء منهم، فشعوبنا في غير حاجة إلى كوميديا سياسية وهي المنكوبة بتراجيدياها الجماعية. ثم ليت هذه القمم تصرف النظر ـ من يومه ـ عن فكرة دعوة شخصيات دولية ذات اعتبار، مثل السيد ثاباتيرو والسيد خافيير سولانا، رحمة بسمعتها وصوناً للعرض.
"الفلسطينيون أغبياء" إذن، طوبى "للأغبياء".
المصدر