عرض مشاركة مفردة
  #2  
قديم 03-04-2005, 05:16 PM
mohd_1954 mohd_1954 غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Sep 2002
المشاركات: 98
إفتراضي

أصول فهم الشرع:
وبعد أن تثبت الجماعة المصادر التي تستقي منها الشرع تنتقل إلى معرفة كيفية التعامل والأخذ من هذه المصادر. أي تنتقل إلى معرفة القواعد التي يوصل البحث فيها إلى استنباط الأحكام من مصادرها، ولا شك أن الفقيه حين يعرض ليأخذ حكماً شرعياً يكون في ذهنه قاعدة من قواعد الأصول يبني عليها حكمه. فلا علم من غير أصول سواء كانت مكتوبة أو غير مكتوبة.
والنصوص الشرعية فيها العام والخاص، وفيها المجمل والمفصَّل، وفيها المطلق والمقيد، وفيها الأوامر والنواهي، وفيها الناسخ والمنسوخ وفيها مفهوم الموافقة ومفهوم المخالفة، وفيها المنطوق والمفهوم والمعقول من النص، وفيها خبر الواحد وأين يحتج به وأين لا يحتج به …الخ. والجماعة يجب أن تحدد قواعدها الأصولية وتتبناها وتُعرف بها.
إن هذه القواعد الأصولية هي في معظمها خلافية. ومعلوم أن كل قاعدة يتشعب عنها كثير من الفروع. وبما أنها خلافية فيجب أن تخرج من دائرة الخلاف بالتبني فيها لما تراه الجماعة أنه الصواب، وبعد تبنيها يجري الفهم للفروع بحسب هذه القواعد.
وبعد معرفة الأصول والقواعد الأصولية تكون الجماعة قد ملكت القدرة على فهم الشرع من مصادره، وليس عليها بعد ذلك إلا أن تتبع طريقة الاجتهاد المعروفة الثابتة. وهذا ما يجب أن تمتاز به الجماعة عن غيرها. وهذا ما يجب أن تخرج به للناس عن طريق تثقيف شبابها به. وهذا أول ما يجب أن تقوم هذه الجماعة على أساسه.
نعم إن عمل المجتهد كعمل الطبيب. أول ما يفعله أنه يسمع للمريض وصف حاله. ثم بعد هذا يحدد المرض الأساسي الذي يشكو منه هذا المريض بعد أن يبعد عنه التأثر بأعراض المرض. ثم بعد هذا يعود بالذاكرة إلى العلم الذي اكتسبه أيام الدراسة، وقد يراجع الكتب التي تعينه على وصف العلاج، ثم بعدها العلاج أي إنه انتقل إلى الناحية النقلية في وصف العلاج.
نعم إن الجماعة التي تريد التغيير وتقوم به، إذا كانت جماعة إسلامية فيجب أن يكون تغييرها إسلامياً. وأن يكون التغيير بناء على الدليل الشرعي وليس بناء على الرأي الشخصي ولا الهوى ولا المصلحة العقلية ولا الواقع والظروف. بل الشرع هو الذي يجب أن يملي على الجماعة الحكم الشرعي. وليست محبة الإسلام والغيرة على أوضاع المسلمين هي التي تُملي على الجماعة أي حكم، فمصلحة المسلمين يحددها الشرع. والشرع جاء بمصلحة المسلمين. وهنا لا بد من بعض التفصيل الذي يجلو نظرة الإسلام إلى المصلحة. ومتى تكون المصلحة معتبرة شرعاً.

المصلحة:
المصلحة هي جلب منفعة أو دفع مضرة، وهي إما أن يقررها العقل، وإما أن يقررها الشرع. فإن ترك تقريرها للعقل استغلق على الناس تقرير المصلحة الحقيقية، وذلك أن العقل محدود. وهو لا يستطيع الإحاطة بكنه الإنسان وحقيقته. فلا يستطيع أن يقرر ما هو مصلحة له لأنه لا يدرك حقيقته حتى يدرك أن هذا الشيء هو مصلحة أو مفسدة. ولا يدرك حقيقة الإنسان إلاّ خالقه. ولا يمكن أن يقرر مصلحته على وجه التحقيق إلاّ خالقه، وهو الله سبحانه وتعالى. نعم إن الإنسان يمكنه أن يظن أن هذا الشيء مصلحة أو مفسدة ولكنه لا يمكنه الجزم بذلك. لذلك كان ترك تقرير المصلحة بناء على الظن يؤدي إلى الوقوع في المهالك. إذ قد يظن الشيء مفسدة ثم يظهر أنه مصلحة، فيكون قد أبعد الخير عنه. وقد يظن الشيء مصلحة ثم يظهر أنه مفسدة، فيكون قد أوقع الضرر بنفسه. وقد يحكم العقل اليوم على الشيء أنه مفسدة ثم يتبين له غداً أنه مصلحة، أو يتبين له أنه مفسدة اليوم بعد أن كان حكم عليه بالأمس أنه مصلحة. وهذا لا يجوز في الحكم على الشيء. وهذا ما تشتهر به الأنظمة الوضعية، فواضعوها من البشر يتوخون بها الخير للناس. فإننا نراهم دائمي التغيير والتعديل في القوانين، حتى أصبح تطوير النظام من مستلزمات حلهم لمشاكلهم، لأنهم في الواقع لم يستطيعوا حتى الآن التوصل إلى الحكم على الأشياء والأفعال الحكم النهائي الصحيح. ومن هنا حكمهم بأن الذي لا يطور نظامه فهو جامد متحجر، ومن هنا نرى تأثر المسلمين بالكفار في هذه الناحية. فدفاعاً عن أنفسهم ودينهم، ولبعدهم عن الفهم الصحيح لطبيعة الإسلام نراهم ينساقون مع عدوهم في تبني طبيعة التفكير هذه.
إن الخالق وحده هو الذي يدبر أمر الإنسان ويحل له مشاكله الناشئة عن حاجاته وغرائزه ويشبعها الإشباع الصحيح. والمطلوب هو المعالجة الصحيحة المنطبقة على الواقع الذي يراد معالجته. وبما أن واقع الإنسان هو هو لا يتغير فتكون معالجاته ثابتة لا تتغير، فالرجل من حيث هو رجل يحتاج بحسب طبيعته الثابتة إلى إشباع ميله نحو المرأة. وبما أن الرجل والمرأة كواقعين هما ثابتان لا يتغيران، فالأصل في العلاقة أن تبقى ثابتة فليس من المقبول أن نضع نظاماً يحدد علاقة الرجل بالمرأة ثم نعود ونغير هذا النظام بعد فترة بحجة التطور طالما أن واقعهما لم يتغير. وهكذا.
فالخمر كواقع هو هو لم يتغير، فما الدافع لتغيير حكمه كلَّ حين ؟.
والمسير كواقع هو هو لم يتغير، فما الدافع لتغيير حكمه كلّ حين ؟ وهكذا...
لذلك فإن التطور والمرونة والعصرنة هي من مواصفات الأنظمة الوضعية التي لا تهتدي إلى الحق، فهي ستستمر في عملية التغيير الذي يعبر عن عجز الإنسان في الاهتداء من عند نفسه إلى النظام الصحيح، وهي ستعبر عن هذا العجز بتذويق لفظي من مثل التطور. ومن هنا رفض القاعدة المسماة شرعية ( لا ينكر تغير الأحكام بتغير الأزمان والمكان ) بل ينكر.
ومن هنا فإن حكم الله في المسألة الواحدة واحد لا يتعدد. فإن تغير واقعها تغير الحكم تبعاً لتغير الواقع. فالعنب يأخذ حكم الإباحة، ومتى تغير واقعه بأن أصبح خمراً تغير حكمه وصار محرماً، ومتى تحول إلى خل احتاج إلى حكم آخر وهو الإباحة أيضاً، ولا عبرة بالمكان ولا بالزمان. فلا يحرم الشيء في مكان ويحل في مكان آخر، وكذلك لا يحل الشيء في زمان ويحرم في زمان آخر. فلا تأثير للزمان والمكان على الحكم الشرعي.
والشريعة الإسلامية حاوية لأحكام الوقائع الماضية كلها، والمشاكل الجارية جميعها، والحوادث التي يمكن أن تحدث بأكملها، حيث لا تقع واقعة ولا تطرأ مشكلة ولا تحدث حادثة إلا ولها محل حكم، فقد أحاطت الشريعة الإسلامية بجميع أفعال الإنسان إحاطة تامة شاملة.. قال تعالى: ﴿ ونزلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيء ﴾ فهي إما أن تنصب عليه دليلاً من لقرآن والحديث، أو تنبه على الباعث على تشريعه، وهذا يحتاج إلى ذكر علة يدل عليها النص أي علة شرعية، وليس علة عقلية. وهنا يجب الوقوف قليلاً لبيان الفرق بين القياس العقلي والشرعي.

القياس العقلي:
إن العقل يقضي التسوية في الحكم بين المتماثلات أو المتشابهات، لذلك يجعل القياس موجوداً بين كل أمرين بينهما وجه شبه. ويفرق بين المختلفات أي يعطي أحكاماً مختلفة بين الأمور المختلفة.
وهذا على خلاف القياس الشرعي لأن الشرع كثيراً ما فرق بين المتماثلات وجمع بين كثير من المختلفات. فالشرع فرّق في المتماثلات بين الأزمنة ففضل ليلة القدر على غيرها من الليالي، وفرّق في المتماثلات بين الأمكنة كتفضيل مكة على المدينة، وكتفضيل المدينة على غيرها، وفرّق في الصلوات بين الرباعية والثلاثية في القصر فرخص في الرباعية ولم يرخص في الثلاثية ولا في الثنائية. وكل هذه لا مجال للعقل أن يماثل فيها. وأوجب الغُسلَ من المني الطاهر والتطهير من المذي النجس مع أنهما نزلا من مكان واحد. وجعل عدة المطلقة ثلاثة قروء وعدة المتوفي عنها زوجها أربعة أشهر وعشراً مع استواء حال الرحم بينهما. وجمع بين الماء والتراب في الطهارة مع أن الماء ينظف والتراب يوسخ، وجعل القتل عقوبة الزاني المحصن وعقوبة القاتل العمد وعقوبة المرتد مع وجود الفرق بينهم.
وكذلك بين الشرع أحكاماً لا مجال للعقل فيها فحرم بيع الذهب بالذهب بالتفاضل أو نسيئة، وحرم لبس الذهب على الرجال دون النساء، وكذلك الحرير. وحرم الربا وأحل البيع، وأجاز شهادة الكافر في الوصية وشرط أن يكون الشاهد مسلماً في الرجعة.
من هنا كان قول سيدنا علي كرم الله وجهه ورضي عنه: " لو كان الدين يؤخذ بالرأي لكان مسح باطن الخف أولى من ظاهره ".
هذه مقدمات لا بد منها للجماعة أو الحزب الذي يعمل لاستئناف الحياة الإسلامية. وكان لا بد أن يظهر في ثقافته كيف يفهم الواقع ويُبَيّنه للناس حتى يقفوا على حقيقته، وكان لا بد من تحديد المصادر الشرعية والقواعد الأصولية وتبنيها وتنشئة الشباب عليها، لأن عملية تكوين عقليتهم يجب أن تنشأ على مثل هذه القواعد. وهذا أيضاً يكون جزءاً من ثقافة الجماعة. وكذلك كان لا بد من تبني الثقافة الأصولية والفكرية التي تحافظ على نقاوة الوحي وصفاء الفكر واستبعاد كل ما من شأنه أن لا يحافظ على الوحي صافياً من مثل ( لا ينكر تغير الأحكام بتغيّر الزمان والمكان ) , ( الضرورات تبيح المحظورات ) بمعناها الشامل، ( الدين مرن ومتطور ) , ( حيثما تكون المصلحة فثم شرع الله ).
نعم هذا ما يجب أن تتبناه الجماعة كأصول لها، تحكم نظرتها وفهمها للشرع قبل أن تتبنى الأحكام الشرعية المتعلقة بعملها، وليكون التقيد على ضوئها. حتى ترضي ربها.
وقد تتعدد الاجتهادات في المسألة الواحدة. فعلى الجماعة أن تتبنّى حكماَ شرعياً في المسائل الخلافية بناء على قوة الدليل وأن تثبت عليه. وتُعرَف الجماعة بعدها بأصولها وفروعها. فتبني شبابها عليها، وتنزل ساحة المعركة بها وتناقش بها، وتحمل الآخرين على تبنيها بالحجة والإقناع كما أخذتها هي لنفسها بالحجة والإقناع. وتعمل على الوصول لتحقيق غايتها بناء عليها وإلا فإنها ستضيع فكرياً وستتخبط في طريقة عملها.
وبحث المصادر والأصول مقدم على بحث الأحكام الشرعية المتعلقة بتغيير الواقع. فالجماعة سوف تعترضها مشقات وصعوبات هائلة أثناء سيرها في طريقها، فهي إن لم تتبنّ في الأصول وبشكل منضبط، وبحسب قوة الدليل، فإننا سنراها سريعة التقلب وسريعة في تغيير ما عندها. فقد تلجأ إلى الدخول في اللعبة الديمقراطية – كما يقولون – مع النظام الفاسد القائم والذي هو المشكلة والعقبة الرئيسية في وجه الدعوة، بحجة أن هناك أصلاً يوافق هذا التوجه وهو أن الإسلام فيه الشورى التي تشبه الديمقراطية. وقد تلجأ إلى مسايرة الأديان السابقة والأخذ منها بحجة ( أن شرع من قبلنا هو شرع لنا ). والذي ألجأهها إلى هذا التغيير هو صعوبة السير في الطريقة الشرعية الصحيحة. أو قد ترى أن عملها بأسلوب الجمعيات يوصلها إلى تغيير الواقع، فتغرق في الأسلوب على حساب الطريقة. أو قد تعتمد العمل المسلح لأن الظروف فرضت عليها هذا العمل وليس الحكم الشرعي.
فتبني الأصول والمصادر، واتباع طريقة الاجتهاد الشرعية الثابتة هي التي تقيّد الجماعة بما يريده الله وحده وليس بما يفرضه الواقع والظروف أو تمليه المصلحة.

--------------------------------------------------------------------------------