مكارم الأَخلاق
تناظر بشر المريسي والشافعي أمام الرشيد العباسي، فقال بشر
1 - أَهَابُكَ يَا عَمْرُو مَا هبتني=وَخَافَ بشراك إِذْ هبتني
2 - وتَزْعَمُ أُمِّي عَنْ أَبِيهِ مِنْ=أَوْلاَدِ حام بها عبتني
<******>doPoem(0)******>
فأجابه الشافعي:
3 - أُحبُّ مَكَارِمَ الأَخْلاَقِ جُهْدِي=وَأَكْرَهُ أَنْ أَعِيبَ وَأَنْ أُعَابَا
4 - وَأَصْفَحُ عَنْ سِبَابِ النَّاسِ حُلْماً=وِشَرُّ النَّاسِ مَنْ يَهْوَى السُّبَابَا
5 - سَلِيمُ العِرْضِ مَنْ حَذِرَ الجَوَابَا=وَمَنْ دَارَى الوَرَى فَقَدَ الصَّوابَا
6 - وَمَنْ هَابَ الرِّجَالَ تَهَيَّبُوهُ=وَمَنْ يُهِنِ الرِّجَالَ فَلَنْ يُهَابَا
7 - وَمَنْ قَضَتِ الرِّجَالُ لَهُ حُقُوقَاً=وَمَنْ يَعْصِ الرِّجَالَ فَمَا أَصَابَا
<******>doPoem(0)******>
[line]
بشر المرسي: هو بشر بن غياث بن أبي كريمة عبد الرحمن المريسي، العَدَوي بالولاء، أبو عبد الرحمن فقيه معتزلي عارف بالفلسفة، يرمى بالزندقة، وهو رأس الطائفة المريسية، القائلة بالإرجاء، وإليه نسبتها، أخذ الفقه عن القاضي أبي يوسف، وقال برأي الجهمية، وأوذي في دولة هارون الرشيد، وكان جده مولى لزيد بن الخطاب، وقيل: كان أبوه يهودياً، وهو من أهل بغداد ينسب إلى درب المريس، فيها عاش نحو 70 عاماً، وقالوا في وصفه: كان قصيراً، دميم المنظر، وسخ الثياب، وافر الشعر، كبير الرأس والأذنين.
(انظر: وفيات الأعيان: 1/91، والنجوم الزاهرة: 2/7228، وتاريخ بغداد: 7/56، وميزان الاعتدال: 1/150، ولسان الميزان: 2/29، والجواهر المضية: 1/164، والأعلام: 2/55).
الرشيد العباسي: هو هارون (الرشيد) ابن محمد (المهدي) ابن المنصور العباسي، أبو جعفر: خامس خلفاء الدولة العباسية في العراق وأشهرهم، وُلِدَ بالري، لما كان أبوه أميراً عليها وعلى خراسان سنة 149هـ الموافق 766م، ونشأ في دار الخلافة ببغداد، ولاه أبوه غزو الروم في القسطنطينية، فصالحته الملكة إيريني وافتدت منه مملكتها بسبعين ألف دينار تبعث بها إلى خزانة الخليفة في كل عام، وبويع بالخلافة بعد وفاة أخيه الهادي سنة 170هـ فأقام بأعبائها، وازدهرت الدولة في أيامه، واتصلت المودة بينه وبين ملك فرنسة كارلوس الكبير الملقب بشارلمان، فكانا يتهاديان التَّحف، وكان الرشيد عالماً بالأدب والفقه وأخبار العرب والحديث والفقه، فصيحاً، له شعر، وله محاضرات مع العلماء، شجاعاً، كثير الغزوات، يُلّقَّب بجبار بني العباس، حازماً، كريماً، متواضعاً، يحجُّ سنة ويغزو سنة، لم يُر خليفة أجود منه، ولم يجتمع على باب خليفة ما اجتمع على بابه من العلماء والشعراء والكتَّاب والندماء، وكان يطوف أكثر الليالي متنكراً.
قال ابن دحية: وفي أيامه كملت الخلافة بكرمه وعدله وتواضعه وزيارته العلماء في ديارهم، وهو أول خليفة لعب بالكرة والصولجان، له وقائع كثيرة مع ملوك الروم، ولم تزل جزيتهم تحمل إليه من القسطنطينية طول حياته، وهو صاحب وقعة البرامكة، وهم من أصل فارسي، وكانوا قد استولوا على شؤون الدولة، فقلق من تحكُّمهم، فأوقع بهم في ليلة واحدة. وأخباره كثيرة جداً، ولايته 23 سنة وشهران وأيام، توفي في سناباد من قرى طوس سنة 193هـ الموافق 809م، وبها قبره. قال الإمام السيوطي: (تاريخ الخلفاء: 589):
ثم الرشيد وفي تسعين تاليةٌ * ثلاثة مات في الغزو الرفيع ذرا
(انظر: البداية والنهاية: 10/213، وتاريخ اليعقوبي: 3/139، والذهب المسبوك للمقريزي: 47-58، والكامل لابن الأثير: 6/69، وتاريخ الطبري: 10/47-7110 وتاريخ الخميس: 2/7331 والبدء والتاريخ: 6/101، وثمار القلوب: 88، وتراجم إسلامية: 11، والديارات: 144-7146، ومختصر تاريخ العرب: 204-217 والأعلام: 8/62).
1 - أهابك: أحافك، والمهابة والهيبة: المخافة والإجلال. وهاب هيباً ومهابة: خافه وحذره، فهو هائب، وهيوب؛ أي: يخاف الناس، وهو هياب وهيابة؛ أي: شديد الخوف.
2 - تزعم: تقول قولاً حقاً أو باطلاً، وأكثر ما تقال في ما يشك فيه ولا يتحقق.
3 - مكارم الأخلاق: فعل الخير. قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "بُعِثْتُ لأتمِّمَ مَكَارِمَ الأَخْلاَقِ". - أخرجه القاضي عياض في الشفا: 1/107، ومالك في الموطأ: 904 -. جهدي: غايتي. قال اللّه تعالى في سورة الأنعام، الآية 109: {وَأَقْسمُوا بِاللّه جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ}. أعيب: أجعله ذا عيب، والعيب: الوصمة، والنقيصة، والمذمَّة، الجمع: عيوب.
4 - أصفح: أعفو. سباب: شتم. وسبَّه سباً: شتمه شتماً شديداً. والسَّبَّة: المرة من سبَّ.
5 - العرض: موضع المدح والذّمّ من الإنسان، وما يفتخر به الإنسان من حسب أو شرف، الجمع: أعراض. حذر: خاف وتيقّظ واستعد. دارى: حاور. الصواب: السداد، وضد الخطأ.
6 - هاب: خاف. يهن: يذل ويحقر. قال المتنبي:
مَنْ يَهُنْ يَسْهُلِ الهَوانُ عَلَيْهِ * مَا لِجُرْحٍ بِمَيِّتٍ إِيلامُ
7 - قضت: قضى فلان حاجته: نالها. والبيتان: 6 و 7 ينسبان للإمام علي بن أبي طالب كرم اللّه وجهه، انظر ديوانه.
[مصدر هذه الأبيات من: حلية الأولياء: 9/82-83، والمخلاة: 128، ومناقب الشافعي للبيهقي: 2/89.
[line]