عرض مشاركة مفردة
  #1  
قديم 09-04-2005, 08:23 AM
ابن حوران ابن حوران غير متصل
عضو مميّز
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 1,588
إفتراضي إشكالية قراءة التاريخ العربي

إشكالية قراءة التاريخ العربي

ان أصول العرب موغلة في القدم ، ولكن الإشارات المكتوبة عنهم ، لا ترقى الا في فترة متأخرة نسبيا ، وتبرز صعوبة مهمة تحديد أصول العرب من خلال:

1ـ لم تكتسب القومية ومفهومها أهميتها التي هي عليه ، الا منذ حوالي خمسة قرون ، ليس فيما يخص القومية العربية ، بل بما يتعلق بالقوميات بشكل عام . لأن وحدة المجتمع المدنية في الأزمنة الغابرة ، وبعدما تخطى الانسان مرحلة الفردية ، كانت تتجه في البداية لاعتبار القبيلة وحدة مدنية جديدة ، ومن ثم اتجه الناس لاعتبار المدينة وحدة مجتمع جديدة . و أصبحت دولة المدينة ، هي المرجعية التي يعود إليها المؤرخون على مر الزمان ، في عملهم لتدوين التاريخ وشرحه في مكان ما من خلال ( النقوش والرقم ) وبعض الكتابات .

لذلك نجد المدن تتناول نظيراتها وجيرانها بشيء من عدم الاعتراف بقرابتها أو أهميتها في حالة وجود نزاع وهو السائد تقريبا بين المدن ( الدول ) . وكان هذا هو شأن إسبارطة و أثينا و روما ، كما هو شأن سبأ و معين وحضرموت و قتبان وغيرها .

2 ـ في عصر تدوين التاريخ الأولي .. وبالذات في بداية العهد الأموي ظهرت ثلاث محاور لتدوين التاريخ ، أثرت في مرجعية المؤرخين العرب :ـ

أ ـ المحور التوراتي .. الذي حاول أن يظهر بطولة اليهود وتميزهم ، مع تأسيس ذلك على أرضية دينية ، يذكر فيها دور الله عز وجل ، ثم يذكر تسلسل الأنبياء والرسل ، ويحشر بين ذلك قصصا أحد أطرافها به شيء من الصحة والباقي وهو كثير فيه من الافتراء والكذب والحبكة الجيدة ، مما انطلى على كثير من المؤرخين العرب وجعلهم أسرى لهذا المحور . وخير مثال على ذلك الطبري والمسعودي وخصوصا عندما يكون الحديث عن نشأة الخليقة وأعمار الأشخاص ، والأمكنة وغيرها .

ب ـ المحور الفارسي : حاول المؤرخون الفرس أن يبرزوا تاريخهم بشيء من التباهي ليثبتوا للعرب أنهم أكثر تحضرا منهم و أعمق جذور ، وأنهم في تأليفهم باللغة العربية ، قد وضعوا العرب في قنوات متداخلة ، أثرت في تدوينهم للوقائع التاريخية باعتمادهم التاريخ على الطريقة الفارسية أحد مراجعهم المهمة .

ج ـ المحور اليمني : بالرغم من عروبة اليمنيين التي لا يشك بها .. كانت ردة فعل اليمنيين إزاء اختفائهم من دائرة الأضواء ، بعد بروز مكة والمدينة كمركز مهم للأحداث بعد ظهور الاسلام ، وانتقالها بعد ذلك الى دمشق وبغداد . كانت ردة الفعل تتمثل بالمساهمة بكتابة وتدوين تاريخ يضخم من دور اليمن على حساب الحقائق ، وقد ساعدهم اليهود في ذلك ، وقد بقي هذا التحريف للتاريخ يضلل المؤرخين .

3ـ لم تتوحد اللغة الأدبية العربية الا قبل الاسلام بنحو قرنين أو ثلاثة قرون ، وهذا جعل من مهمة المؤرخ شيئا صعبا ، عندما يريد لملمة الأحداث التاريخية وربطها لجعلها مفهومة وواضحة . ويزيد من صعوبة مهمته ، تلك المسألة التي أشرنا إليها من أن لكل مدينة (دولة) تاريخ تضخم من دورها فيه وتسقط أدوار المدن (الدول) الأخرى .

4ـ ان الجهود التي بذلت ، لاعادة كتابة التاريخ العربي ، لم ترتق الى درجة تسمح و تساعد في تكوين صورة دقيقة و مفصلة عن العرب . وبالمقابل فان اعتماد المؤرخين في الوقت الحاضر على المواد التي نشرها وينشرها المستشرقون ، وما يريدوا بها من تحريف وتحقير للعرب . وغياب شواهد التاريخ في متاحف وخزائن الغرب كالمخطوطات والرقم والقطع الأثرية ، زاد من مهمة المؤرخين العرب في الوقت الحاضر صعوبة .

كما ان كثيرا من المؤرخين الحديثين والذين ينظروا للمستشرقين ، نظرة إعجاب و إجلال أمثال (جواد بولس) وغيره ، قد جعل معظم التاريخ العربي المكتوب ، هو من صنع أناس لا ينتمون انتماءا صميميا للأمة العربية ، ولا يهمهم إنصافها و إبراز دورها المشرق .
__________________
ابن حوران
الرد مع إقتباس