الموضوع: حلقات مسلسلة
عرض مشاركة مفردة
  #2  
قديم 09-04-2005, 09:28 AM
memo2002 memo2002 غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
المشاركات: 1,503
إفتراضي الحلقة الثانية

لفظ الحرية ودلالاتها ومعانيها

عند الفلاسفة للحرية معنى الاختيار في عقل الإنسان، فهو يتصرف بما يريد، وأن قيادة نفسه رهن إرادته، بمعنى أن الإنسان حر مختار وغير مسير أو مجبر فيما يصدر عنه من قول أو فعل.. أو عندهم عكس هذا المعنى باعتبار الجبرية، وهي أن الإنسان مجبر مقهور حتى في عقله، مسير في حياته وموته، عاجز عن تحقيق إرادته، وأن هناك في الوجود والحياة وحتى في العقل ما يسيره ويوجه فعله وقوله.

والحقيقة هي أن كل من المعنيّين سواء في الجبر أو في التفويض: أو في الاختيار أو القهر، أو في الحريات والجبرية.. في الفلسفة لها دلالات من الواقع تخالف هذه المعاني.

فالذي يدعي الجبرية، يكذب نفسه على الأقل: وهو يمتلك هذه الحرية فيما يرى وينظّر، وفيما يقول ويدافع عن اختياره في معناه هذا، والذي يدعي مطلق الاختيار كذلك، يجد نفسه مجبراً لا خيار له فيما هو عليه إزاء نفسه، بحسبه ونسبه وزمانه ومكانه، وجسده، وعمره، وحياته وموته وحتى في فكره ومهام وجوده.

ولقد جاء عن أئمتنا عليهم السلام أن (لا جبر ولا تفويض بل أمر بين أمرين).

والأحرى هو: أن الإنسان في نفسه كيان موحد لتلابس عالمين مختلفين بالتضاد عالم المادة في جزئه الطيني الحيواني، وعالم الروح التي نفخها الله تعالى في جزئه الحي، والروح من أمر الله تعالى، وامر الله محض الحسن.. ويتجسد هذا التلابس في قيام العقل من كل نفس إنسانية ونلمسه جميعاً.

والعقل من اسمه يعني الربط: فللإنسان من جزئه الحيواني طاقة فاعلة وله من هذا الجزء قوة غرائز دافعة، تعكس طبيعة المادة فيه، من صفات المادة ومميزاتها وهي الاستمرارية في البقاء وحب الخلود والغرائز الملحقة بهذه الصفة والكتلة في الملك وحب التملك والغرائز الملحقة بهذه الصفة، وصفة اللاانتظام والتي يسميها البعض الاعتلاج في العبث والميل إلى التمرد الذي يختلط بمعنى الحرية فيخربه ويخرجه من مميزه الإنساني.. فالإنسان في جزئه الحيواني جرم مادي يخضع لقوانين القصور الذاتي في مادته، فهو عاجز عن التأثير في ذاته ما لم تؤثر عليه قوة تخرجه من هذا القصور، تتحكم فيه قوانين الجاذبية الأرضية والكونية، فهو مجبر لا يجد عنها حولاً، لا في زمانه ولا في مكانه.

والإنسان مجبر في حياته وقوانينها، بموجب قانون القصور الحيوي، الذي يحدده في ذلك شفرة الحياة التي يتضمنها بناء حامضه النووي الـ(D.N.A)، غير قادر على التأثير في هذه الشفرة، فالأسود اسود، والأبيض ابيض، وناقص الخلقة كذلك، والقصير قصير، والعملاق عملاق، والمعتوه معتوه.

والإنسان مجبر في عقله لقصور ذاتي، ما لم تؤثر عليه قوة عقلية خارجية مثل الوحي تخرجه عن قصوره.. فالعقل كما يقول الإمام علي عليه السلام : (غريزة تربيها التجارب)، بل العقل، إنما يحكم من خلال قوانين مجبر على اتباعها ليصيب الحق والحسن لا خيار له عنها.. هذا في جزء الإنسان الحيواني.

والإنسان في جزئه الروحي، فإننا نلمس ونحس بحواسنا، إرادة الإنسان للحسن والجمال والخير بانجذابه للحسن والجمال وسروره بهما وابتهاجه بالخير. ونلمس من الإنسان إرادته للرحمة وفعلها.. وسعيه للعدل والحق.. وإرادته للسيادة والقيادة وإرادته للصبر والعزيمة والثبات على المبدأ.. وإرادته للسعي إلى ما بعد الموت بالاستعداد والمبادرة.. وإرادته للتوحيد والوحدانية.. وإرادته للسعي نحو الأحسن والأفضل دوماً ودون هوادة.

إن تلابس ارادات الروح للحسن مع غرائز وطاقة الحياة في المادة.. هذا التلابس في قيام النفس الإنسانية يؤدي إلى بروز عمليات العقل (الربط) فبروز العقل من النفس باعتبارها الكيان الموحد بين عالمين مادي وروحي، يأتي هذا العقل ليحيل القصورات المادية بالإرادة الحسنة إلى حكم يتجسد في تعبيرات لغوية أو سلوكية من النفس إزاء أية قضية تقابل الإنسان سواء من ذاته أو من بيئته ومحيطة.. أي ليربط طاقات ونشاطات وغرائز الجزء الحيواني من نفسه بارادات الحسن من روحه. وحسب مقدار النماء في كلا الجزئين تخرج أحكام العقل بمقدار مثله من توجه النشاطات الإنسانية بالإرادة الحسنة والغرائز بالتهذيب.

وعلى أساس من هذا التفصيل في حقيقة الكيان الإنساني، يكون القول بالجبرية مخالفاً لكون الإنسان مميزاً بالروح في إرادتها للحسن.. والواقع يؤيد هذه المخالفة، ذلك لأنه حتى الذي يقول بالجبرية، فانه في واقعه يمتلك الإرادة، فيبطن الرحمة ويسعى للحق وإن أخطأ، ويطلب العدل حتى يحصل عليه، ويتطلع للحسن والاحسن، وهو في هذا يبتغي السيادة ويريد القيادة، ويرى الأفضل فيما يدعي فهو في إرادة من الصبر والثبات عليه.

وكذا يكون القول بأن الإنسان حر مختار، مخالفاً حقيقة كون الإنسان مميزاً بالكيان المادي، ويجد في نفسه ومن ذاته العجز والقصور، فهو حتى في عقله (ربطه) إنما يصارع طاقاته الحيوية ويغالب غرائزه الدافعة، ولو كان صادقاً لما أخطأ، بل هو قاصر وعاجز في أن يختار تحقيق إرادته في معاني الحسن في ذاته التي جبلت على الانجذاب لكل حسن.