عرض مشاركة مفردة
  #3  
قديم 10-04-2005, 11:58 PM
النسري النسري غير متصل
كاتب مغوار
 
تاريخ التّسجيل: Jun 2004
الإقامة: الأردن
المشاركات: 2,917
إرسال رسالة عبر ICQ إلى النسري
إفتراضي

الأخت الكرمه الفاضله سوزان محمد أهلا بك في خيمتك وشكرا لك على هذا الطرح الرائع ، وأعلمي أنه لا إله إلا الله واجب الوجود لذاته الفرد الواحد الملك القادر، الحي القيوم القديم الأزلي، الدائم الأبدي، الذي هو بكل شيء عليم، وعلى كل شيء قدير، يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، تقدس وتعالى عن الشبيه والنظير، وعن الشريك والوزير، لا تحده الأزمان ولا يشغله شأن عن شأن، لا تحيط به الجهات ولا تعتريه الحادثات، له الغنى المطلق عن كل شيء، بكل معنى ومن كل وجه. وكل ما سواه مفتقر إليه فقرأ لا يتصور انفكاكه عنه، خلق الخلق أجمعين، وخلق أعمالهم خيرها وشرها، فتبارك الله أحسن الخالقين، يهدي من يشاء ويضل من يشاء ويعطي من يشاء ويمنع من يشاء ، ويغفر لمن يشاء، ويعذب من يشاء، لا يسئل عما يفعل وهم يسألون خلقهم ورزقهم، وأنزل الكتب وبعث الرسل لهدايتهم، لطفا بهم وتفضلا عليهم، يجب توحيده وطاعته على عباده، بإيجابه على ألسنة رسله، ولا يجب عليه لأحد شيء، لأنه المالك لكل شيء المستولي على كل شيء، فليس لأحد معه ملك ولا لأحد عنده حق، وعد المحسنين بثوابه فضلا، وتوعد المسيئين بعقابه عدلا.
فالإله هو الجامع لجميع هذه الصفات، وهو الله الذي لا إله إلا هو لأن هذه الأوصاف ثابتة له تعالى، ولا يصح لغيره على الإطلاق الاتصاف بشيء منها، فضلا عن جملتها.
فمن نفى الإلهية عنه أو أثبتها لغيره، أو أشرك معه فيها سواه فقد أعظم البهتان وأحاط به الخسران، أولئك الذين قال فيهم عز من قائل : (( ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون )).
اعلمي الأخت الفاضله أن هذن الكلمة الشريفة شطران : أحدهما نفي، وهو قولك لا إله، والآخر إثبات وهو قولك إلا الله ، فإذا صدر النفي معقبا بالإثبات، ممن لا يشرك مع الله إلها آخر، فمعناه نفي تَوَهُّـم من تَوَهَّم أن مع الله إلها آخر من المشركين والرد عليهم، وتقرير المعني الحاصل في القلب من التوحيد، فإنه يتأكد بتكرار هذه الكلمة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" جددوا إيمانكم بقول لا إله إلا الله".
وأيضا للشرك معان خفية دقيقة، لا ينجو منها إلا العارفون المحققون، والمكاشفون بصريح الحق من طريق العيان، وقد يقع المؤمن في شيء منها ولا يشعر مثل أن يعتقد أن أحدا غير الله، يجلب نفعا أو يدفع ضرا بطريق الاستقلال، ومن ذلك شدة الحرص على الاستيلاء والاستعلاء على الخلق، ومحبة الاستقلال والاستيثار بالأمور واشتهاء المنزلة والتعظيم والمدح في قلوب الخلق وعلى ألسنتهم.
وفي الحديث : "" الشرك في أمتي أخفى من دبيب النمل "". وقد سمى صلى الله عليه وسلم الرياء الشرك الأصغر.
وقد يشرك الإنسان مع الله نفسه أو غيره من هذه الحيثية، وهو لا يدري ، فعلى المؤمن أن يحترز من خفايا الشرك كما يحترز من ظاهره جهده.
ثم أن الشرك بهذه الاعتبار، لا يؤثر في أصل الإيمان الذي يدور عليه أمر النجاة، ولكنه يقدح في كماله.
وينبغى للموحد أن يقصد بنفيه الإلهية عما سوى الله، الرد على من يتوهم ذلك من المشركين ونحوهم، وسمينا اعتقادهم الفاسد توهما، لأنه إنما ينشأ عن تصور فاسد ورأي ضعيف، يؤذن بتغير المزاج وفقد العقل، وإلا فكيف يخفى على ذي بصر وسمع، فضلا عن ذي بصيرة وقلب، وجود من ظهرت به الأشياء وانفراده بها، ولكن من يضلل الله فما له من هاد ومن يهد الله فما له من مضل، أولئك الذين ذهب الله بسمعهم وأبصارهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون، صم بكم عمي فهم لا يرجعون .
ولله در القائل حيث يقول :
أيا عجبا كيف يُعصي الإلـــه أو كيف يجحده الجاحـــد
وفي كل شيء لـــه آيـــة تدل على أنــــه واحـد
ولله في كل تحريكــــــة وتسكينه أبدا شـــاهــد
قال العلماء المحققون رضي الله عنهم : الإله هو المعبود بحق، والمعبود بحق هو الخالق الرازق والخالق لكل شيء والرازق له هو الله تعالى، فهو الإله وهو المعبود وحده لا شريك له.
ومن المستحيل عقلا وشرعا أن يكون للعالم أكثر من إله، فما من إله إلا الله العزيز الحكيم، وفي الإشارة إلى كون ذلك محالا أعني أن يكون للعالم الهان، قال الله تعالى : (( لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا، ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله إذا لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض، سبحان الله عما يصفون ))
وما ادّعى الإلهية مع الله أحد كالنمرود وفرعون، لعنة الله عليهما ولا ادعيت لأحد كالكواكب والأحجار، إلا وأثر النقص والافتقار والعجز والانقهار، المقتضية للحدوث والعبودية، ظاهر على المدعي لها من الأدميين، وعلى من ادعيت له من غيرهم .
والذي يظهر: أن المدعي للإلهية مع الله، كان الحامل له على ذلك توهما فاسدا وتخيلا باطلا، تولد من مشاهدة الاقتدار من نفسه، على بعض الأمور، يشير إلى ذلك قوله تعالى، فيما حكى عن الخليل عليه السلام حين حاجه النمرود في ربه (( قال إبراهيم ربي الذي يحي ويميت قال أنا أحي وأميت )).

وفي التفسير : أنه أقام البرهان على احتجاجه الداحض، بإحضار رجلين فقتل أحدهما وترك الآخر، وفيما حكى سبحانه عن فرعون، حيث قال لقومه ((أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي أفلا تبصرون )) إشارة إلى ذلك أيضا .
ولا يبعد أن يكون مثل هذين اللعينين، كانا يعرفانبطلان ما ادعياه، ولكن حملهما البطر والأشر على الجحود، وعلى ادعاء ما ليس لهما بحق، ووجدا لذلك موضعا، من سخافة المنقادين لهما والمذعنين لطاعتهما. قال الله تعالى في شأن فرعون : (( فاستخف قومه فأطاعوه إنهم كانوا قوما فاسقين )).
وبلغنا أنه حين طلب منه قومه أن يجري لهم النيل، حين حبس عنهم، خرج بهم ثم خلا عنهم وجعل يمرغ خده في التراب، ويسأل ويتضرع ويدعو الله، فعند ذلك أجرى الله النيل بقدرته، استدراجا لعدوه، فقال فرعون عند ذلك لقومه : أنا الذي أجريته لكم ، فبان بذلك صحة ما ذكرناه .
وفي الحديث : "" أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك فقد عصموا مني دماءهم وأموالهم، إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله "". وفيه : "" من كان آخر كلامه :لاإله إلا الله دخل الجنة "". وفيه : "" وليس على أهل لا إله إلا الله وحشة في قبورهم، ولا في نشورهم، وكأني بهم وقد خرجوا من قبورهم ينفضون التراب من رؤسهم، يقولون : (( الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور )).
وفيه : "" أنه يصاح برجل فتمد له تسعة وتسعون سجلا من الخطايا، كل سجل مد البصر فتطرح في كفة السيئات، فيقول الحق : إن لك عندنا حسنة، فتخرج له بطاقة مكتوب فيها : لا إله إلا الله فتطرح في الكفة الأخرى، فترجح بالسجلات كلها "" الحديث بمعناه .
ثم إن جميع المنافع والفوائد المرتبة على هذه الكلمة، في الدنيا والآخرة، لا يظفر بشيء منها من فرق بين الشهادتين، لأن حكمهما واحد.

ومن أقر بشهادة التوحيد وأنكر الشهادة للرسول، فليس من أهل التوحيد ، والكلام فيمن يكفر بالرسول ويؤمن بوحدانية الله تعالى .
وأما المؤمن بالوحدانية والرسالة، فليس عليه بأس إذا قال : لا إله إلا الله ولم يتبعها بشهادة الرسول، ولا يفوته بسبب ذلك شيء من الخيرات المرتبة على هذه الكلمة، فاعلمي ذلك.
اعلمي أن هذه الكلمة أجمع الأذكار وأنفعها، وأقربها إلى الفتح واستنارة القلب بنور الله، وأولاها بكل أحد، وذلك لتضمنها معاني جميع الأذكار، من التحميد والتسبيح وغيرهما، فينبغي لكل مؤمن أن يجعلها ورده اللازم، وذكره الدائم ، ومع ذلك فلا يبنغي له أن يهجر بقية الأذكار، بل يجعل له من كل منها وردا.
ثم إن العبد لا يخلوا من أن يكون سالكا أو واصلا أو غير سالك ، فهم ثلاثة أقسام، وكلهم الأولى بهم الملازمة لهذه الكلمة .
أما السالك ومن ليس سالكا، فلانهم ينظرون إلى الأشياء ويثبتونها من حيث هي وربما دخل عليهم بسبب ذلك، شيء من دقائق الشرك الخفي، فيتحتاجون إلى نفيه عنهم، ولا يكون إلا بملازمة هذه الكلمة .
وأما الواصل فلأنه ينظر إلى الأشياء بالله، ويكون على الدوام مشغولا بدعوتها إلى الله تعالى، ولا يخلوا في بعض الأحيان من مطالعة نفسه، ومن خطرات تخطر له لا تليق بمقامه، فتكون هذه الكلمة لذلك أولى الأذكار به.
وقد بلغنا أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه، كان يدخلها في كلامه ، وكلما تكلم بكلمات يقول : لا إله إلا الله . ثم يرجع إلى كلامه، وهذا في مقام البقاء وهو بعد الفناء، فليس شيء أولى بالإنسان، أن يلازمه من الأذكار غيرها كما تقدم.
نعم إذا أشرف السالك على أوائل الفناء، وانمحى عن شهود جميع الأكوان فالأولى به حينئذ ملازمة الله الله، هكذا ذكره العارفون .
وهذا كله من حيث الأفضل والأولى، وإلا فجميع الأذكار طرق إلى الله موصلة.
وللمشايخ رضي الله عنهم، طرق في كيفية النطق بهذه الكلمة الشريفة وفي الجهر بها والإسرار، وفي الشرائط التي يحتاج إليها الذاكر بها من المتعرضين للفيض الإلهي والفتح الرباني، وهي مشروحة في رسائلهم، فليطلبها من يريد أن يسير على سبيلهم.وقد ذكر بعضا منها أخينا وأستاذنا الوافي .
ومن وجد في زمانه أحدا من المشايخ المحققين، فالأولى به أن يأخذ ذلك منه، فإن الكتب حيلة الفاقد، وإلا فكم من فرق بين من يأخذ طريقه عن عارف محقق يسلك به إلى الله، وبين من يأخذ طريقه من كتاب، والله الهادي إلى الصواب وإليه المرجع والإياب والتوفيق منه وبيده.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

منقووول
__________________