الموضوع: مطايا الأعداء
عرض مشاركة مفردة
  #2  
قديم 13-04-2005, 09:16 AM
muslima04 muslima04 غير متصل
عضو مشارك
 
تاريخ التّسجيل: Dec 2003
المشاركات: 872
إفتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه اجمعين ومن اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين،،


الخطبة الثانية


الحمد لله حمدًا كثيرًا طيّبًا مباركًا فيه كما يحبّ ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمّدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبِه، وسلّم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدّين.

أمّا بعدُ: فيا أيّها الناس، اتّقوا الله حقَّ التقوى.

عبادَ الله، مِن نِعَم الله على الأمّة وجودُ قيادةٍ تحفَظها وتقوم بفضلِ الله بواجِبها، وترعى أمنَها واستقرارها، وتحافظ على كيانها، وتبذل كلَّ غالٍ ونفيس في سبيل أمنِ الأمّة وسلامتها، فالعيون الساهِرة على أمن الأمة وعلى اطمئنانها عيونٌ خيِّرة وتحمِل شخصيّات طيّبة ذات خلُق ودين، عيون ساهِرة على أمن الأمة، لا يرضونَ لها بمكائِدِ الأعداء، ولا يقرّون للعدوّ ضَرَره وضلاله، بل يأخذون على يده لأمن الأمة وسلامتها، والله جلّ وعلا قال لنا: إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنْ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ [المائدة:33].

في عهدِ نبيِّنا وهو أرحَم الخلقِ بالخلق وأحسَن الخلق بالخلق، في عهدِه وفَدَ إليه وفدٌ من بعضِ قبائل العرب، فلما سكنوا المدينةَ استوخموها، فلم يوافِقهم مناخُها، ولم ترتَح نفوسهم بذلك، أمَرَهم أن يأتُوا إبلَ الصّدقة ليشرَبوا أبوالها وألبانها فتلك عادَتُهم في بلادهم، فلمّا فعلوا ذلك صَحّوا وسلِموا وزال كلُّ ما بهم من بلاء وعادوا على صحّتهم الكامِلة، لكن ماذا فعلوا؟ هل شكَروا نعمةَ الله عليهم بهذه العافيةِ والنعمة وهذه الرعايةِ من سيّد الأولين والآخرين وهذه الشفقة والعناية من سيّد الأولين والآخرين؟! هل قدَّروا لهذه المكرُمَة قدرَها؟! وهل عرَفوا لها مكانتها؟! لا، القلوب مريضَة، القلوبُ تطمَع في الفسادِ، النفوس جبِلَت على قطعِ الطريق والإفسادِ في الأرض ونهب الأموال وقتلِ الأبرياء.

ماذا عملوا؟ عمَدوا إلى راعي الإبل راعي النبيّ فقتلوه، كيف قتلوه؟ قطَّعوا يدَيه ورِجلَيه وكوَوا بالنّارِ عَينَيه حتّى هلك، وأخَذوا الإبلَ واستاقوها وهرَبوا وكفَروا وارتدّوا بعد إسلامهم. فعِندما بلغَ النبيَّ خبرُهم لم يمهِلهم، بل أمر بطلَبهم فأتِيَ بهم قبل ارتفاعِ النهار.

لمّا أتي بهم ماذا عمل؟ هذا محمّد أرحَمُ الخلق بالخلق، هو ذو رَحمةٍ بالعباد ، وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ [الأنبياء:107]، لكن القوّةُ في وقتها والحزم في وقتِه هو رحمة أيضًا بالأمة، أمَرَ بهم ماذا؟ أمَر أن تقطَّع أيديهم وأرجلهم من خلاف، فقطِعَت اليد اليمنى والرّجل اليسرى، ثم ماذا؟ ثمّ أمَر بهم فسمِلَت أعينُهم بالنّار أي: كوِيَت أعينهم بالنار، ثم ماذا؟ ترَكهم في الحرّة يطلبون الماءَ فلا يُسقَونَ، ويقول لهم: ((النار النار)) حتى ماتوا عطشًا وجزعًا وألمًا من كلِّ ما حلَّ بهم[1].

هذه رحمةُ محمّد بالأمة؛ لأنَّ هذه الرحمة هي التي تحفَظ للأمة كيانها، وتحفظ للأمّة أمنَها، وتحفَظ للأمة استقرارها، وتردع المجرمين، وتوقِفهم عند حدّهم؛ لأنَّ الله أرحم الراحمين، أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ [الملك:14]، فلا يمكن أن يستقيمَ للأمة أمنٌ ولا يستقِرّ لها قرار ولا تطمئنّ النفوس إلاّ إذا أقيمَت حدودُ الله؛ لتكون قامعةً لكلّ مفسد، رادعة لكلّ مجرم، حدود الله التي فيها الرّحمة والشفقة والإحسان للعباد، فسبحان الحكيم العليم، أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ.

أيّها المسلم، إنّ المسلمَ حقًّا يغار على أمّته ويغار على دينه، إنّه يرى أنَّ القائمين بالأمن لهم منّا حقٌّ أن ندعوَ الله لهم بالثبات والسدادِ والتوفيق بما يرضي الله؛ لأنهم بذَلوا جهدًا كبيرًا، وأنفقوا وقتًا ثمينًا، وعرَّضوا أنفسَهم وحياتهم في سبيلِ أمنِ الأمّة، فلهم منّا التقدير، ويسأل الله لهم التوفيقَ والسداد، وأن يكونوا دائمًا عندَ حسنِ ظنِّ أمّتِهم بهم، يكافحون ويجاهدون، ولا يدَعون للمفسدين سبيلاً. هذا واجب المسلم أن يدعوَ الله لهم بالتوفيق والسداد، وأن يوفِّق القائمين على أمنِ هذه الأمّة لما يرضيه، ويباركَ لهم في أعمالهم وأعمارهم، ويسدِّد على طريق الخيرِ خُطاهم، إنّه على كل شيء قدير.

واعلَموا ـ رحمكم الله ـ أنّ أحسنَ الحديثِ كِتاب الله، وخيرَ الهديِ هدي محمّد ، وشَرّ الأمور محدثَاتها، وكلّ بدعةٍ ضلالة، وعليكم بجماعةِ المسلِمين، فإنّ يدَ الله علَى الجماعة، ومَن شذّ شذّ في النار.

وصلّوا ـ رحمكم الله ـ علَى عبدِ الله ورسولِه محمّد كما أمَرَكم بذلك ربّكم، قال تعالَى: إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِىّ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيمًا [الأحزاب:56].

اللّهمّ صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدِك ورَسولِك محمّد، وارضَ اللهمّ عن خلفائه الراشدين...



--------------------------------------------------------------------------------

[1] قصة العرنيين رواها البخاري في الديات (6899)، ومسلم في القسامة (1671) عن أنس بن مالك رضي الله عنه بمعناها، وليس عندهما أنهم قطعوا الراعي، ولا قول النبي : ((النار النار))، وانظر: تفسير الطبري (6/207)، وتفسير القرطبي (6/148).


اللهم صل على محمد النبي وعلى ازواجه امهات المؤمنين وذريته واهل بيته كما صليت على إبراهيم إنك حميد مجيد.والحمد لله اولا وآخرا.